ما هي المعضلة في الحب؟ وهل يُعد الحب أزمة لصاحبه؟ أم نعمة تمكنه من استكمال طريقه في الحياة؟ "أن تحبك جيهان" عنوان مليء بالغموض، فمن جيهان؟ وماذا يعني حبها؟ هل هو العذاب في الأفق؟ أم النعيم؟ يستهل مكاوي سعيد روايته الأخيرة "أن تحبك جيهان" بحديث على لسان بطله "أحمد الضوي" مهندس المقاولات التي يشوق القارئ للمدعوة جيهان العرابي، والتي يسرد علاقته بها من خلال استهلال بجملة "أن تحبك جيهان"، من خلال قصة حب متعددة الأطراف، يتم سرد الحكايات بصورة تعكس مأساوية الحب، وصعوبة نيل المحبوب رغم رحلة الهيام والغرام الشاقة، تنطوي الفكرة الرئيسية لرواية أن تحبك جيهان، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية. سحر السرد واجهت رواية "أن تحبك جيهان" مجازفة كبيرة تمثلت في صفحاتها السبعمائة، فالعدد المهول من الصفحات مثل تحديا لدى الكاتب والقارئ على حد سواء، فالتحدى لدى الكاتب هو صعوبة اجتذاب القارئ كل تلك المدة من القراءة التي يستغرقها لإنهاء سبعمائة صفحة دون ملل وبشوق وشغف لمعرفة مجريات الأحداث وتغيرات سيكولوجيات الشخوص، فيما تمثل التحدى لدى القارئ لإنهاء سبعمائة صفحة بكامل الجهد ودون التفكير بترك الرواية، ويبدو أن سعيد استطاع أن يكسب الرهان بصفحاته السبعمائة، من خلال لعبة السرد خاصة التي اعتمد عليها، حيث جاء السرد بالرواية على لسان أكثر من شخصية، استهلها بشخصية أحمد الضوي الذي نفهم منه سر حبه لجيهان، والسرد الآخر على لسان جيهان نفسها التي انتظرها القارئ بشغف بالغ، وصولا إلى ريم التي تحب الضوي وتكره جيهان لما يحكى عنها. ويبدو أن مستوى السرد المتعدد أنقذ الرواية من الغرق في ساحة الملل والتكرار، فرغم أن الشخوص واحدة في حكاية السرد الواحدة، إلا أن لكل منهم مشاعره المغايرة للآخر والتي تتأرجح ما بين الحب والكراهية. اللغة برواية "أن تحبك جيهان" متنوعة ما بين رصين وخفيف رغم فصاحته، وتحمل بعد نسوي كبير، لاسيما مع تمكن جيهان من تحويل حياة الضوي وتأثيرها البالغ به، فهل نعد مكاوي سعيد منصفا للمرأة في تلك الرواية، أما أن صورتها كمعذبة الضوي في الحب لا تنصفها؟! ثنائيات ما بين الداخل والخارج، يرصد مكاوي سعيد متغيرات الشخوص التي يربطها بصورة مباشرة وغير مباشرة بالمتغيرات الحياتية في مصر والعالم، فالحروب التي تجوب العالم والتغيرات السياسية تلقى بظلالها على علاقة أحمد الضوي، بطل الرواية، وعلاقاته بالشخوص من حوله فمن جيهان التي احبها عن ظهر قلب إلى ريم مطر التي أحبته عن ظهر قلب واستشعرت الغيرة من شخصية جيهان التي لم تعد موجودة بحياة الضوى. لا تقف الرواية عند حد الحب فحسب، بل ترصد ملامح حياة جملة من المصريين حاليا، فمن المقاهي ومطنقة وسط البلد التي تمثل ركنا أساسيا في أعمال مكاوي سعيد تنطلق الاحداث لتكشف عن ملامح الثورة الخفية ومحاولات الشخصيات، فضلا عن حضور شخصيات حقيقية من الواقع المصري، وهي شخصية "خالد سعيد" الذي مهد لقيام ثورة 25 يناير، كل تلك الأحداث والتطرق إلى أحاديث المقاهي والغرق في المصرية أهلت رواية أن تحبك جيهان لتكن رواية شاملة تحكى عن الإنسان، الإنسان المصري الملتحف بالسمات الإنسانية العالمية، وهو ما جعل الرواية صالحة لكل قارئ. هجر وفراق لم يكتف مكاوي سعيد بتفريق المحبيين، الضوي وجيهان، بل وصلت قسوته على أبطاله بأن مات الضوي بنهاية الرواية، وهو ما صدم القارئ لاسيما مع فقد جيهان لحبها، الضوي، وضياع ريم بعد أن مات وبعد أن وجدت به صورة المخلص لها والمحقق لحلمها الذي تأخر لسنوات طويلة.