عندما أهداني الكاتب الكبير مكاوي سعيد رواية "أن تحبك جيهان" انتابني بعض القلق، فالرواية 700 صفحة، وقراءة عمل بهذا الحجم ترف لا أقدر عليه، وغالبًا ما أتوقف في المنتصف منشغلًا بقراءات أخرى، لكن هذا القلق تبدد سريعًا مع صفحات الرواية أمام نزق وجنون بطلتها الحقيقية ريم مطر، وليس جيهان التي تحمل اسم الرواية. جيهان شخصية محافظة مترددة مملة نجح الكاتب في رسمها بهذا الشكل، وتصوير فشلها في تحقيق السعادة مع زوجها النحات العبقري الذي أنكهه اللهاث وراء المادة بعد أن انزوى مكتئبا ومات. أما ريم مطر الأرستقراطية المطلقة، فتعيش حياة مجنونة مع حبيبها، تمارس معه النزق والمتعة الجنسية وكل جنون الحياة، ولكن تقلبات روحها ترهق بطل الرواية المهندس أحمد الضوي المتحقق ماديًا والفقير روحيًا، ولذلك كلما حاول أن يبتعد عنها تجذبه بسحرها فلا يستطيع البعد، ولا يستريح في القرب. يروي الضوي هذه العلاقة الغريبة منذ بدايتها قائلًا: "أدخلتني غرفة النوم، وهي تهمس بأنني أول رجل يدخلها.. اشارت إلى قمصان النوم، وهي تسألني "نقي اللون اللي بتحبه".. وضحكت بصخب، ثم بدأت تخلع جاكيت بيجامتها أمامي بلا حرج كأننا متزوجان من ربع قرن. ولكن في هذا الجو المثير كانت ريم تبحث عن صفاء "الحرباء" التي تربيها، وترقد في راحة يدها أكبر من كفها، ويكشف عن شخصيتها المتقلبة كالحرباء: بعد أن توطدت علاقتنا خلعت قناع الرزانة والأدب، وأصبح الأمر ممتعًا -كما يقول الضوي- وهي تطلب أن يسمعها الكلمات البذيئة التي تتناقض مع أرستقراطيتها.. هذه المتعة لم تحمل للبطل الراحة أو الاستقرار، خاصة وهي تقول له: أنا مولودة باعتقاد أني آخر سلالتي الشخصية، أنا الكمال لذاتي الذي ظل سنوات وقرون يتكامل، والخارج منه لن يكون سويًا. من لحظة الخوف والقلق هذه، يحاول الضوي أن يتقرب من جيهان التي تعمل بالتصوير الفتوغرافي، وهي شخصية عاقلة لدرجة الملل، لا يعرف رغم علاقته الممتدة معها إن كانت تحبه أم لا، "فلا شيء ملموس بيننا، ولا شيء محتمل أن تدب فيه الروح أو تبلله المشاعر، كأننا من حيوات مختلفة.. كثيرًا ما اتخذت قرارًا بعدم لقائك ولا رؤيتك، ولكن غالبًا ما أعود إليك". نجح المؤلف في رسم شخصياته بدقة وتمَكُن، جعلنا نحب علاقته المجنونة مع ريم، ونكره حبه لجيهان، ونرى أنها لا تستحق هذا الحب؛ لأنها شخصية مليئة بالثرثرة والتردد الذي يشبه حياتنا جميعا، هذه الثرثرة جعلتنا لا نحس بغياب شخصية تميم الفنان الموهوب زوج جيهان الذي دفع ثمن موهبته؛ لأن المجتمع لا يحتفي بالمواهب أبدًا، ولا يريدها من الأساس، بل يراها زائدةً وديكورًا كما في الرواية. ويبقي سؤال أخير: لماذا لم يكن اسم الرواية أن تحبك ريم بدلًا من أن تحبك جيهان؟! وهذا يرجع بالتأكيد إلى إحساس الكاتب بأسرار اللغة وسحرها، فكلمة جيهان بما فيها من مد أعطي الرواية معنى ومذاقًا أكثر جمالًا من كلمة ريم المبتورة موسيقيًا.