أُقيمت بالأمس، الأمسية الرمضانية السادسة من مسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) تحت عنوان:"الصوم وآفات اللسان"، وحاضر فيها الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر، الذي أكد أن الله (تبارك وتعالى) قد ميّز الإنسان عن سائر المخلوقات بالبيان حيث قال سبحانه:" الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ "، والبيان نعمة ٌ كبيرةٌ أسداها الخالق لعباده، لذلك يقرر الله عباده قائلًا: " أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ "، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن جرائم اللسان في كتابه، فقال: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "، فمن فعل هذه الثلاثة خرج من دائرة الإيمان إلى دائرة الفسوق. و أوضّح أن السنة المطهرة بيّنت أن الإنسانَ مُحَاسَبٌ على كل كبيرة وصغيرة ينطق بها اللسان، ففي الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه): " قُلْتُ يَا نَبيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ"، مشيرًا إلى أن آفات اللسان وجرائمه كثيرة، منها: الغيبة، والنميمة، والقذف، والسب، وكذلك شهادة الزور والسكوت عن الحق؛ لذلك فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) مثّل من يغتاب الناس كمن نصّبَ منجانيقًا يرمي به الناس يمينًا وشمالًا، فهو بذلك يبعثر حسناته، مبينًا أن اللسان له مخاطر وآفات جسيمة على المجتمع والإنسان ولعلّ أخطرها شهادة الزور، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم): " أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ- أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ". وبيّن فضل الكلمة الطيبة ذاكرًا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "ثَلاثٌ يُصَفِّينَ لَكَ وُدَّ أَخِيكَ: تُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيتَهُ، وَتُوسِعُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَدْعُوهُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ "، موضحًا أننا لن نكونَ مجتمعًا قويًّا مترابطًا بدون حُسن المعاملة والكلم الطيب، حيث يقول الشاعر: " جراحات السنان لها التئامُ *** ولا يلتئم ما جرح اللسانُ "، فهناك جريمة عظمى حدثت للسيدة عائشة (رضي الله عنها) بسبب اللسان في حديث الإفك، مشيرًا إلى أن معالجة اللسان وتقويمه وإصلاحه يكون بالتخلية ثم التحلية، وذلك بأن يتخلص الإنسان من هذه العادة أولًا، ثم يبدأ في تحلية لسانه بالقول الجميل الطيب والتسامح، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ولما سئل النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن النجاة، قال لسيدنا عقبة: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ "، مُبينًا فضيلته أن الكلمة الطيبة أقوى في الجزاء من العمل الصالح فهي تصعد لله مباشرةً، من أجل ذلك قال ربنا: " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ "، وقال تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ "، وكذلك قوله (عز وجل): " وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم "، فمقابلة الإساءة بالحسنة تُطفئ النيران، وتطبب القلوب.