محافظ سوهاج يزور مطرانيات الأقباط بالمحافظة للتهنئة بعيد القيامة    مصر تستورد لحوم وأبقار بقيمة 139.7 مليون دولار خلال يناير وفبراير    عاجل| ماكرون يدعو نتنياهو إلى استكمال المفاوضات مع حماس    بالأسماء.. مفاجآت منتظرة بقائمة منتخب مصر في معسكر يونيو المقبل    تصنيع مواد الكيف والاتجار بها.. النيابة تستمتع لأقوال "ديلر" في الساحل    3 أبراج تعزز الانسجام والتفاهم بين أشقائهم    فوائد وأضرار البقوليات.. استخداماتها الصحية والنصائح للاستهلاك المعتدل    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    «الزهار»: مصر بلد المواطنة.. والاحتفال بالأعياد الدينية رسالة سلام    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    «على أد الإيد».. حديقة الفردوس في أسيوط أجمل منتزه ب «2جنيه»    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    تجدد الطبيعة والحياة.. كل ما تريد معرفته عن احتفالات عيد شم النسيم في مصر    ناهد السباعي بملابس صيفية تحتفل بشم النسيم    دمر 215 مسجدًا وكنيسة.. نتنياهو يستخدم الدين لمحو فلسطين| صور    «مراتي قفشتني».. كريم فهمى يعترف بخيانته لزوجته ورأيه في المساكنة (فيديو)    هل يجوز أداء الحج عن الشخص المريض؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    إصابة 3 إسرائيليين بقصف على موقع عسكري بغلاف غزة    قبل ساعات من انطلاقها.. ضوابط امتحانات الترم الثاني لصفوف النقل 2024    قوات روسية تسيطر على بلدة أوتشيريتينو شرقي أوكرانيا    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    «الزراعة» تواصل فحص عينات بطاطس التصدير خلال إجازة عيد العمال وشم النسيم    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    بين القبيلة والدولة الوطنية    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    إعلام إسرائيلي: وزراء المعسكر الرسمي لم يصوتوا على قرار إغلاق مكتب الجزيرة في إسرائيل    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    3 أرقام قياسية لميسي في ليلة واحدة    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    اتحاد الكرة يلجأ لفيفا لحسم أزمة الشيبي والشحات .. اعرف التفاصيل    صحة مطروح تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة أولاد مرعي والنصر لمدة يومين    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل فهمي في حواره ل"البوابة": التربص الأمريكي بمصر انتهى لكن العلاقات لن تعود لطبيعتها في الفترة المقبلة.. والعلاقات مع تركيا لن تعود في وجود "أردوغان".. وأنقرة حرضت "الاتحاد الأوروبي" ل"عزل مصر"

العلاقات مع تركيا لن تعود فى وجود «أردوغان».. وأنقرة حرضت «الاتحاد الأوروبى» ل«عزل مصر»
الوقت كفيل بحل المشكلات مع قطر.. والقاهرة تتعامل مع الدوحة بمنطق «الشقيقة الصغرى»
الأمن القومى المصرى أكبر من أن تهدده «حماس» والحركة تقوم ب«ممارسات غير مقبولة» تمس مصالحنا ليبيا «منهارة بالكامل» وحل المشكلة دون دعم دولى «مستحيل»
لا تقدم فى «مفاوضات سد النهضة» والبناء ينتهى العام المقبل والحل العسكرى «مأساوى» لجميع الأطراف مصر والسعودية مختلفتان حول رحيل «الأسد» واستخدام القوة ضد سوريا
الممارسات الإيرانية «خشنة» و«غير مقبولة» والعلاقات مع طهران ليست من أولويات السياسة الخارجية المصرية ولا يوجد اتصال رسمى مع «حزب الله»
الغرب لديه قناعة بضرورة استيعاب الإسلاميين وهذا «شبه مستحيل»
تبدو مصر الآن منهكة.
عند حدودها الغربية يتمدد تنظيم «داعش» الإرهابى فى ليبيا مستغلًا غياب أى شكل للدولة وصراع الفرقاء السياسيين، فى الجنوب لا تخفى الأزمة مع السودان على أحد، ولا انخفاض فى مستوى الدعم اللوجيستى القادم من قطاع غزة إلى المنظمات الإرهابية الناشطة فى سيناء.
إنها محاصرة بالتهديد من كل الاتجاهات تقريبًا.
أمنها المائى فى خطر على وقع قرب اكتمال بناء سد النهضة الإثيوبى بحلول العام المقبل، ولا تبدو المفاوضات مجدية.
غربيًا، لا يزال «الجفاء الأمريكى» مستمرًا ولا بادرة ل«عودة الدفء» إلى العلاقات، والتربص الأوروبى - الذى تعززه انتهاكات حقوق الإنسان فى القاهرة - لم ينته بعد.
ثم إنها تعيش «أزمة إدارة» تعكسها طريقة التعامل مع قضية مقتل باحث الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية.
العالم العربى ليس أحسن حالًا. تقترب التهديدات الإرهابية بقوة من الجميع، والخطر الإيرانى تصاعد إلى درجة لم تعد محتملة.
حملت ملفاتى هذه إلى رجل اقترب من الحالة، حينما كان وزيرًا لخارجية مصر فى أصعب الفترات بعد ما جرى فى 30 يونيو 2013.
طوال المدة التى قطعتها فى الطريق إلى نبيل فهمى كانت الأسئلة تتداعى إلى رأسى، عن مصر وأوجاعها، وأمنها المهدد، وإخفاقاتها المتكررة.
وضعت أمامه كل مخاوفى وتحدث هو بلا حواجز.
عرجت به على أزمات العرب فلم يراوغ، شرح الحالة، ووضع التصور لما يجب أن يكون.
إننا بحاجة إلى قراءة ما يقوله نبيل فهمى أكثر من مرة.
■ سألته: كيف تُقيِّم إدارة الدولة المصرية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية التى أفضت إلى سيادة سعودية على جزيرتى «تيران وصنافير»، وهنا نقرأ الأمر فى ضوء التوقيت حيث جاء مقترنًا بزيارة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة ثم الطريقة المفاجئة التى تم بها الإعلان عن الاتفاقية؟
- لم يدخل نبيل فهمى إلى ساحة الجدل بشأن مصرية أو سعودية الجزيرتين، فالمسألة هذه يقترب منها الخبراء بأكثر من أى شخص آخر.
يضع الرجل فى بداية حديثه قاعدة عامة: «القضايا الخاصة بالسيادة وأمور الأمن القومى (الحدود، الأرض، المياه) لابد أن تُشرح بشكل تفصيلى وتدريجى للرأى العام، لأنها قضايا حساسة بالنسبة إلى المواطن - أى مواطن - وفى مصر القضية حساسة لأنها ترتبط بحدود، وبوجود عسكرى مصرى على الجزيرتين - استمر منذ عام 1950 وحتى الآن - خاصة أثناء الحروب، بمعنى أنه كان هناك شهداء».
إذا أسقطنا هذه القاعدة على الحالة المصرية فإنه «بكل هذه الاعتبارات ولكى يتم الاتفاق على تغيير أو تصحيح الوضع كان يجب شرح الموضوع بشكل مبكر، حتى لا يفاجأ الرأى العام بالنتيجة.. الشفافية الكاملة كانت مطلوبة».
يذهب نبيل فهمى إلى أن «النقاش الذى جرى بعد إعلان النتيجة (نقل تبيعة الجزيرتين إلى السعودية) كان - ولا يزال - أكثر حدة إذا ما قارنا الأمر بفرضية إعلام الجمهور بشكل مسبق».
ونحن حين نتحدث بذلك لا نعنى أن «كل مرحلة فى التفاوض يجب أن تكون معلنة، وإنما نتحدث إلى الجمهور عن القضية بشكل عام إلى أن نصل إلى مرحلة أن هناك تفاوضًا حول أمر ما، وأن تكون أسس التفاوض معروفة، ومن ثم يكون هناك قدر من التفهم حينما تعلن النتيجة».
■ قلت له: لم يحدث ذلك، فما الذى يمكن فعله الآن فى ظل ما يمكن وصفه ب«الانقسام الشعبى» إزاء الاتفاقية؟
- يقول: «المسألة عادت إلى الشعب من خلال المجلس النيابى، والشعب من خلال ممثليه أو من خلال الاستفتاء سيعلن موقفه من الاتفاقية».
هذا النقاش النيابى ينبغى أن يضع كل الوثائق على المائدة بشفافية ل«خفض التوتر الموجود بين من يرى وجهة نظر معينة ومن يقف على الضفة الأخرى».
يوضح: «هناك منذ البداية حدود 1906 وهى أساس الحدود، ثم مع تطور الزمن واستقلت مصر عام 1922 فهناك خرائط خاصة ب1922، ثم ظهرت المملكة العربية السعودية فى عام 1933 وهناك خرائط - قد تكون مكتملة أو غير مكتملة لكن هناك قرائن - ثم ننتقل لمرحلة 1952 وتبادل الخطابات بين الملك عبدالعزيز والملك فاروق، ثم ما تم فى أواخر الستينيات وبداية التسعينيات».
ما قصده نبيل فهمى بحدود 1906 اتفاقية ترسيم الحدود الشرقية المصرية (اتفاقية حدود مصر البحرية)، بين مصر والدولة العثمانيّة، التى تم فيها تحديد الحدود بخط يبدأ من ساحل البحر المتوسط إلى نقطة على خليج العقبة تقع شرق طابا وغرب إيلات الحالية، ولم يرد اسم جزيرتى تيران وصنافير كتابعتين لولاية الحجاز وخطوط الحدود تدخلهما فى الولاية المصرية، وفق ما جاء فى كتاب «محيط الشرائع» ل«أنطون بك صفير»، المطبعة الأميرية، 1953، ص 1617.
أما خطابات «فاروق» و«عبدالعزيز» فيقصد بها ما حدث بعد حرب 48 حينما خشى الملك عبدالعزيز المؤسس للمملكة السعودية الحديثة استيلاء إسرائيل على «تيران وصنافير» ولما لم يكن يملك من القوة ما يمكنه من مجابهتها، فاتفق مع الملك فاروق على وضع الجزيرتين تحت الحماية المصرية واعتبارهما مصريتين واعتبرتا ضمن الحدود المصرية، واتفقت الدولتان على رفع العلم المصرى على الجزيرتين، لاستخدامهما فى الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلى بعد هزيمة 1948، وقامت الدولتان بإعلام بريطانيا فى 30 يناير من العام ذاته، ثم الولايات المتحدة فى 28 فبراير، بأنهما وبصفتهما الدولتين اللتين تسيطران على جانبى مدخل الخليج، فقد اتفقتا على وجود القوات المصرية فى «تيران وصنافير» دون أن يخل ذلك بأى مطالبات لأى منهما فى الجزيرتين.
وفى 1954، أخطرت مصر الأمم المتحدة أن الجزيرتين مصريتان، وأنهما كانا ضمن ترسيم عام 1906، وأن وجود قوات مصريّة فيهما ثابتٌ منذ الحرب العالميّة الثانية، وردّت المملكة العربية السعودية على ذلك فى 1975، برسالة للأمم المتحدة تفيد بأنها تعتبر الجزيرتين أراضى سعوديّة، ثم لدينا أيضًا خطابات وزير الخارجية السعودى الراحل، سعود الفيصل، ونظيره المصرى الراحل، عصمت عبدالمجيد.
ما يطلبه نبيل فهمى أن نضع كل هذه الوثائق أمام اللجنة النيابية بمشاركة خبراء يمثلون وجهتى النظر حتى تكون الأمور على بينة ثم يتخذ القرار.
■ ■ ■
كان ملف الإخفاق الثانى متعلقًا بحادث مقتل باحث الدكتوراه الإيطالى، جوليو ريجينى، فى القاهرة، وما استتبع من توتر فى العلاقات مع «الحليف الإيطالى».
■ قلت له: هل ترى أن قضية جوليو تكشف عن أزمة إدارة تضرب البلاد الآن، وهنا أتحدث عن تعامل وزارتى الداخلية والخارجية ومجلس النواب؟
- يقول: «هناك أخطاء حدثت فى التداول العلنى لهذه القضية منها الإسراع فى إصدار تصريحات غير سليمة نسبة إلى مصادر مجهلة فى أغلب الأحيان مقترنة بالتباطؤ فى إصدار تصريحات متدرجة بشرح المعلومات».
هذا إجمال يحتاج إلى تفصيل.
يوضح نبيل فهمى: «فى البداية كان هناك نقص فى الحديث بينما كلما أسرعنا فى شرح المعلومات تم تحجيم التداعيات السياسية للحادث، مع التأكيد على أن ذلك لا يعنى استباق نتائج التحقيقات وإنما ما أقصده التعامل مع الموضوع بشفافية إلى حين انتهاء التحقيقات».
«هنا كان من المهم عند اكتشاف الحادث أن يصدر بيان من وزارة الداخلية بأن هناك حادثًا لشخص إيطالى، وأننا سنقوم بالتحقيق وإعلان النتائج فى أقرب وقت، دون إضافة أو حذف، بمعنى دون استباق بتصريحات ليست مبنية على معلومات ودون التأخر أيضًا فى التصدى للخبر، لأن فى كل الأحوال سيتم تداول الخبر».
يقول: «التسرع فى إصدار تصريحات ثم تعديلها شىء خاطئ (حادث سير، جريمة قتل، عصابة خطف أجانب)، والتأخر فى إصدار تصريحات فى ضوء المعلومات المتاحة أيضًا شيء خاطئ».
ويواصل: «التضارب فى التصريحات أقلق الجانب الإيطالى ولكن لا يمكن أن يترجم ذلك إلى قيام الأجهزة الأمنية المصرية والنيابة العامة بتجاوز المعلومات المتاحة أو اختصار التحقيق بما يخل بالعمل القضائى».
«بشكل محدد لا بد أن يتعلم الجميع الدرس بأن يكون المتحدث الرسمى لأى مؤسسة لديه معلومة سريعة ولديه الكفاءة والتجربة والخبرة وكيفية التعامل مع حجم المعلومة التى لديه».
هذا عن وزارة الداخلية أما بالنسبة إلى الخارجية والبرلمان فإن «المسألة فى النهاية ليست فى أيدى وزارة الخارجية أو المجلس النيابى، وإنما فى يد النيابة والأجهزة الأمنية.. الخارجية أو البرلمان ليس لديهما إلا نقل الرسالة وتوضيحها على أساس المعلومة المتاحة».
■ سألته: كيف تفسر هذا التعامل الخاطئ مع قضية بهذا الحجم؟
- يقول: «الدول التى كان لها طبيعة مركزية فى الماضى - ومن بينها مصر - عندما انفتح العالم فإنها لم تدرب كوادر على مهنية التعامل السريع مع المعلومات السريعة، بمعنى الإسراع بوضع المعلومة فى حجمها الطبيعى أمام الرأى العام دون انتظار لاكتمالها».
«إذا لم تتحدث فإن غيرك سيتحدث، ثم إنك إذا تسرعت فى إصدار معلومات غير دقيقة سيتم تعديلها ومن ثم التشكيك فى المصداقية».
يقول: «ارتباطًا بهذه القضية فإن هناك تعاملًا غير كفء وغير متحضر مع المعلومة ينتهى فى النهاية إلى (غلوشة) لا داعى لها».
لا يعلق نبيل فهمى الجرس فى رقبة النظام القائم الآن وإنما يرى أن «ما يحدث هو نتيجة لخمسين عامًا من محاولة الحفاظ على مركزية المعلومات أو حجب المعلومات بدلًا من الإسهام بالمعلومة الصحيحة».
■ لكن.. إلى أى مدى أضرت هذه القضية بسمعة مصر على المستوى الخارجى؟
- لا يميل نبيل فهمى إلى القول بأن قضية واحدة كفيلة بتغيير صورة مصر على الساحة الدولية: «ما يضر بشكل مصر خارجيًا هو تعدد القضايا، إنما القضية وحدها تؤثر سلبًا على الصورة».
يقول: «مصر دولة مهمة للغاية، بالدارج (تقيلة)، بمعنى أن هناك أطرافًا عديدة لها مصالح متبادلة معنا، لكن تكرار مثل هذه الحوادث دون شرح يؤدى إلى سلبية تراكمية».
ولا يهرب من الاعتراف بأن قضية الباحث الإيطالى تركت انعكاسات سلبية عن «المناخ العام فى مصر»، لكنه يؤكد أن «هذه الآثار يمكن تخطيها إذا تم حل القضية بطريقة سريعة».
■ قلت له: برغم إدانتنا جميعًا للجريمة واعترافنا ب«سوء الإدارة».. ألا ترى أن هناك تصعيدًا غير مبرر إذا ما وضعنا الحادث فى سياق أحداث مشابهة؟
- يقول: «لا أميل إلى هذه الرؤية فكل قضية لها تفاصيلها، ما حدث فى قضية ريجينى شيء غير مقبول.. إذن هناك جريمة وأنا أريد معرفة المجرم ومحاسبته، حتى أرفع عن مصر أى اتهام ظالم، وحتى لا يتم تضخيم الأمور أكبر من حجمها إن لم يكن الأمر كذلك».
لا يستسيغ نبيل فهمى «شماعة المؤامرة» لتبرير الأحداث: «عندما ننظر إلى دولة بحجم وقيمة ووزن مصر وبعمر 7 آلاف سنة لا بد أن نتوقع أنه على مر السنين هناك مؤامرة، ولا يمكن استبعاد المؤامرات الآن، هل هناك محاولة للنيل من مصر؟.. نعم.. لكن يبقى السؤال: كيف تتصدى لهذه المحاولات؟.. التصدى يبدأ أولًا بعدم تفسير كل مشكلاتنا بوجود مؤامرة، ثانيًا بالمعالجة الإيجابية لهذه المشكلات».
يقول: «المؤامرة لن تختفى، والمتآمرون سيستمرون بأشكال مختلفة ولن يختفوا بمجرد إعلاننا أن هناك مؤامرة ثم إن حجم مشكلاتنا بالأساس يتجاوز التآمر علينا».
■ سألته: إلى أى مدى تتوقع أن تذهب إيطاليا فى هذه القضية؟
- يربط نبيل فهمى مستوى «التصعيد الإيطالى» بالخطوات المقبلة فى القضية، فإذا استمر الموضوع بدون مكاشفة وشفافية ودون إقناع للأطراف المعنية فليس هناك شك أن الأزمة ستظل مستمرة.
«الذى يمكن فعله لتفادى أى خطوة سلبية هو الإسراع فى الانتهاء من التحقيقات بشفافية تامة أيا كانت النتيجة، فإذا كانت النتيجة مقبولة سيحل الموضوع والعكس صحيح».
■ ■ ■
بدا أن الحوار مع نبيل فهمى يقترب بصورة دقيقة من «أوجاع مصر» فكان لى أن سألته: كيف تتابع مسار المفاوضات حول سد النهضة مع إثيوبيا والسودان؟
- يقول: «أشعر بقلق عميق من مسار المفاوضات، ولم أجد تقدمًا ملموسًا على الإطلاق، ومراحل بناء السد ستنتهى فى العام المقبل».
قلق نبيل فهمى يرجع إلى 5 قضايا رئيسية لم تحل حتى الآن، أولًا: التداعيات البيئية لم تحل باعتبار أن اللجان الفنية لم تستكمل دراساتها، ثانيًا: تداعيات أمان السد لم تحل لأن اللجان الفنية لم تنعقد أو تستكمل جلساتها، ثالثًا: الشكل النهائى للسد لم يحل لأن اللجان الفنية لم تبدأ أعمالها حتى الآن. وهناك قضيتان آخريان لهما طابع سياسي: أولًا: معدلات ملء الخزان حتى الآن لا يوجد اتفاق عليها، والطرف الإثيوبى يريد أن يبدأ فى تجارب ملء الخزان، ثانيًا: لا يوجد اتفاق على إدارة المياه فى مرحلة ما بعد إنشاء السد بصرف النظر عن شكله، وهذه قضايا سياسية كان يمكن الاتفاق عليها بصرف النظر عن القضايا الفنية الأخرى».
«أضف إلى ذلك أن هناك اتفاقيات جديدة للتوسع فى مشروعات زراعية ليس فقط فى إثيوبيا وإنما فى السودان أيضًا، ومع احترامى وتقديرى وتقبلى لكل الأهداف التنموية للسودان وإثيوبيا - وهى أهداف مشروعة بل وأدعمها - لكنها تستدعى أن يكون هناك اتفاق حول العناصر الخمسة التى سبق الإشارة إليها حتى يتم تنفيذ هذه المشروعات دون المساس بالأمن القومى المصرى المائي».
يقول: «فى غياب الاتفاق حتى مع التزامات حكومتى إثيوبيا والسودان الحاليتين لن نضمن الالتزام بذلك لغياب الاتفاق.. مطلوب الوصول إلى اتفاق سياسى تفصيلى يضمن ويراعى المآخذ المصرية التفصيلية ويعترف بحق السودان وإثيوبيا فى التنمية.. مصر ليس لديها خيار آخر.. المسألة ليست عبارات إنشائية ولا ادعاءات بأنه مع كل اختلاف ستقوم حرب.. يجب الوصول لاتفاق».
■ سألته: إزاء ما يمكن وصفه ب«التعنت الإثيوبى» والمراوغة.. ماذا عن سيناريو الحرب؟
- يقول: «دائمًا ما أفضل المفاوضات على أى بدائل أخرى، والحالة التى نحن فيها الآن بالنسبة لمياه النيل خسارة للجميع أو مكسب للجميع.. مسألة الصدام - إن تم - ستكون مأساوية للجميع، ومسألة عدم الوصول إلى حل ستكون مأساوية أيضًا.. المعادلة ليست إما أن أقبل بالواقع أم تقوم حرب.. يجب خلق حل وسط للطرفين وهذا متاح، فالحلول الفنية موجودة».
■ ■ ■
ابتعدت بنبيل فهمى قليلًا عن «ملف الإخفاقات» إلى «قضية العلاقات المصرية الخارجية»، وهنا أتحدث تحديدًا عن العلاقات المصرية السعودية، والأزمة المصرية التركية، ويتبعها بالطبع الحديث عن قطر، وفى القلب حركة «حماس».
■ قلت له: أين تقف العلاقات المصرية - السعودية الآن فى ظل ما يثار بشأن وجود خلافات بين العاصمتين؟
- لدى نبيل فهمى قناعة أنه «بدون بروز الدورين المصرى والسعودى لن يستقر العرب، لا بد أن تلعب مصر والمملكة دوريهما بالكامل إزاء ما يتعرض له العالم العربى من تحديات كبيرة».
هو يحيل الأسئلة التى تثار حول العلاقة المصرية السعودية إلى «نظرية التغيير»: «مصر حدث بها تغيير على مدى السنوات الخمس الماضية، والسعودية حدث بها تغيير مع وفاة الملك عبدالله ولذلك من الطبيعى أن يسأل الناس عن العلاقة بعد تولى القيادة السعودية الجديدة ومع الظرف المصرى الجديد».
هنا يبرز سؤالان: ما هى الأدوار؟ وما شكل العلاقة الآن؟
- يقول: «فى اعتقادى أن قيادتى البلدين لديهما قناعة تامة بأهمية العلاقة وأهمية وجود آليات تصل بالعلاقة إلى أقصى مداها، وهذا بطبيعة الأمر - وفى أفضل الظروف - يحتاج إلى وقت، لكن بشكل عام نحن نسير على الطريق السليم».
■ سألته: ماذا عن الاختلافات فى طريقة التعاطى مع الملفين السورى واليمنى؟
- يقول: «لا يجب أن تتطابق المواقف فى كل التفاصيل وجميع القضايا، الوهم أن نطلب الاتفاق فى كل وقت وفى كل موقف.. من يفترض هذا يكون شخصًا غير منطقى وغير عملى، فالتطابق فى الموقف يضر بالعرب أكثر مما يفيد، لأنه لا يسمح بحوار موضوعي».
وينتقد «فهمى» ما يصفه ب«التصريحات الفارغة الرنانة التى لا جدوى لها عن تطابق المواقف»: «لو كان التصريح يعكس الواقع لم يكن لتثار تساؤلات لديك ولدى الرأى العام حول الاختلاف.. يجب الاعتراف بأن هناك اختلافًا فى بعض المسائل لأن ذلك يسمح لنا بالتعامل مع بعضنا بإيجابية».
إذا تحدثنا بالتفصيل عن الملف السورى، هناك بالطبع اختلاف فى وجهات النظر لكن لا خلاف على جوهر القضية، فركائز الموقف المصرى هى: حماية الدولة السورية، والحفاظ على المؤسسات ووحدة الكيان والشعب، وتحقيق السلام، وهى نفس ركائز الجانب السعودى.
الفرق بينهما فى أسلوب التعامل مع القيادة السورية، فمصر لم تعط الأولوية لمسألة رحيل النظام أو رأس النظام تحديدًا، وكان هناك اختلاف فى مرحلة ما حول مسألة استخدام القوة ضد سوريا أو عدم استخدامها.
وبالنسبة لقضية اليمن، التدخل السعودى لمواجهة ما يحدث فى صنعاء كان سليمًا، لأنه أظهر أن العالم العربى لديه العزيمة والقدرة على اتخاذ مواقف ملموسة وعسكرية إذا لزم الأمر بعد سنوات طويلة من التصور أنه لا يستطيع اتخاذ مثل هذه الخطوات العملية.
«إذن الخطوة فى حد ذاتها سليمة، لكن دور كل منا قد يختلف فى جزئية معينة دون أن يمس أى طرف بمصلحة الآخر».
وبينما أيد نبيل فهمى مشاركة مصر فى «عاصفة الحزم» فإنه استبعد أى وجود برى مصرى فى اليمن، لأن من يتصور ذلك غير واع بالتاريخ الإقليمى والوضع الحالى.
واكتفت مصر فى «عاصفة الحزم» بوجود عسكرى بالقرب من «مضيق باب المندب» للإشراف على حركة الملاحة الدولية، وضمان سلامة المرور للسفن التجارية، من دون وجود على الأرض.
■ سألته: هل الخلاف مع تركيا حول الدور أم المشروع؟
- يقول: «فى الظرف التركى الحالى لا فرق بين الدور والمشروع، مع الظرف التركى التقليدى السابق كان هناك اختلاف بين البلدين حول الدور وليس المشروع، لكن حاليًا مشروع الرئيس أردوغان هو الترويج لتركيا باعتبارها الدولة الإسلامية الوسطية المتحضرة، حلقة الوصل بين العالمين الغربى والإسلامى.. نظرة الرئيس أردوغان أن يقود العالم الإسلامى المتحضر، وما شهدته مصر فى 30 يونيو 2013 قضى على هذا المشروع، وأعاد مصر إلى الحالة الوطنية المصرية وليست الأيديولوجية».
■ قلت له: هل تتوقع أى انفراجة فى الأزمة بين البلدين؟
- يقول: «طالما الرئيس أردوغان موجودًا على رأس القيادة بتركيا فإن العلاقة لن تعود إلى وضعها الطبيعى، لو أخرجنا المشروع من المعادلة يكون هناك مجال لعودة العلاقات لكن هناك صعوبة فى إخراج المشروع من المعادلة فى ظل وجود أردوغان».
ويشير نبيل فهمى فى مساحة الخلاف بين مصر وتركيا إلى أن «المسألة تعدت حدود التصريحات والهجوم على النظام المصرى وتحولت للتحريض ضد القاهرة فى المحافل الدولية»: «بدون شك موقف القيادة التركية من 30 يونيو كان - ولا يزال - يرى أن هذه الخطوة قضت على المشروع التركى فتصدى لمصر بهجوم وانتقادات واتصالات دولية مع الاتحاد الأوروبى بالتحديد، فضلًا عن نشاطات أخرى غير سياسية.. نعم قدرتهم على التأثير تراجعت كثيرًا الآن، لكن أنقرة لا تزال تحتضن وتدعم جماعات بعينها».
■ سألته: وفى ظل دفء العلاقات السعودية - التركية.. ألا تتوقع دورًا للمملكة فى حلحلة الأزمة؟
- يقول: «أنا شخصيًا من مؤيدى حلحلة الأزمة بين مصر وتركيا، لكن لا أرى مجالًا لذلك طالما المشروع الحالى موجود».
■ قلت له: هل ينسحب الأمر على قطر؟
- يجيب: «الموضوع القطرى مزعج لكنه ليس بنفس القدر التركى، لأن قطر فى النهاية دولة عربية وشقيقة صغرى لمصر، وقد تعاملت الإدارة المصرية مع الإزعاج القطرى على هذا الأساس، وبرغم استنكار بعض التصرفات فإن الوقت كفيل بحل المشكلات معها».
■ وماذا عن «حماس»؟
- يقول: «الأمن القومى المصرى أكبر من أن تهدده حماس.. يمكن أن تقوم بممارسات غير مقبولة تمس المصالح المصرية بما فى ذلك المصالح الإقليمية لكن مسألة أن تهدد مصر غير واردة».
ويميز نبيل فهمى هنا بين التحفظ على أيديولوجية «حماس» وبين التدخل فى النقاش الأيديولوجى الفلسطينى - الفلسطينى: «الأطراف التى تمارس سياسات لا تتسق مع المصالح المصرية نراقبها بدقة وشدة ونحذرها من أى مساس بالسيادة المصرية عبر الحدود، لكن لا نتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية».
بشكل واضح: «طالما ظلت حماس جزءًا من المعادلة الوطنية الفلسطينية فإننا نتابعها بحذر دون أن نتجاوز إلى محاولة الفصل فى المعادلة الداخلية لدولة عربية شقيقة، ولا نخرجها كطرف فى المعادلة الفلسطينية - الفلسطينية».
■ على ذكر تهديد الأمن القومى المصرى.. سألته: كيف تنظر إلى الأوضاع فى ليبيا الآن فى ظل وجود 3 حكومات يتمسك كل منها بالشرعية، ثم محاولات فرض حكومة الوفاق بدعم خارجى ووسط كل ذلك تمدد تنظيم «داعش» الإرهابى؟
- يقول: «ليبيا انتقلت من دولة مركزية إلى دولة لا سلطة لها، وقت القذافى اختفت المؤسسات وتحولت البلاد إلى (دولة فرد)، وبعد التدخل العسكرى لحلف الأطلنطى لم تكن هناك خطة لما بعد العمل العسكرى، بمعنى أن العمل العسكرى حسم مصير القذافى ولم يحسم مصير ليبيا، وبعد اختفاء القذافى لم يعد هناك طرف آخر يتحمل المسئولية».
ويواصل: «ليبيا اليوم منهارة بالكامل، هناك أكثر من حكومة، ومجلس رئاسى، وحكومة نحاول إقرارها، ووزير دفاع، وقوة عسكرية أخرى ليست تابعة له».
ما يمكن فعله الآن هو توسيع الحوار السياسى ليشمل عددًا من زعماء القبائل الليبية التى لها سيطرة على الأرض فى أماكن مختلفة، للتقليل من تأثير الميليشيات الموجودة على قرارات السياسيين الليبيين.
يقول: «لن ينجح المجتمع الدولى فى جمع سياسيين ليبيين ويستقرون على قرار ما إذا استمر تأثير الميلشيات على ما نشهده الآن.. رمانة الميزان هى القبائل لأنها تحد من تأثير الميليشيات دون انتفائها بالكامل».
■ ماذا عن خيار التدخل العسكرى الدولى لمواجهة تمدد تنظيم «داعش»؟
- يقول: «للأسف مشكلات الشرق الأوسط تفاقمت إلى الدرجة التى جعلت حلها مستحيلًا من دون دعم دولي».
ولا ينسى عند الحديث عن المواجهة العسكرية ل«داعش» أن يسأل عن اليوم التالى لانتهاء المعركة: «هل يمكن أن نفوز فى معركة ضد داعش؟.. سأقول لك: نعم.. إنما القضاء على التنظيم يحتاج إلى مواجهة فكرية واستقرار فى المجتمع».
ولا يغيب عنه أيضًا سيناريو تدخل حلف الناتو لإسقاط «القذافى»: «المواجهة العسكرية لن تكون كافية، فالمسألة من لديه الاستعداد لإقامة مؤسسات الدولة فى ليبيا ما بعد العمليات؟.. من لديه الاستعداد لوضع قوات عسكرية وأمنية للسيطرة على الأوضاع فى ليبيا ما بعد العمليات؟.. التصور بأننا سنضرب داعش وتحل المشكلة غير صحيح».
«نحن فى حاجة لضرب داعش لكن ضرب التنظيم عسكريًا من جانب وفكريًا من جانب آخر، وفى نفس الوقت لا بد من تنمية ساحة السيطرة للمؤسسات الليبية - أيا كانت - على الأرض وساحة السيطرة فى الأساس للقبائل».
■ سألته: ألا يمكن أن تضطلع «دول الطوق» خاصة مصر والجزائر وتونس بدور المجتمع الدولى فيما يتعلق بالتدخل العسكرى؟
- يقول: «لا يوجد لدى دول الطوق قدرات تسمح بالسيطرة على ليبيا أو تحقيق الاستقرار الداخلى، أنا كنت من أكبر مؤيدى التنسيق المصرى - الجزائرى فى ملف ليبيا ولا زلت، لكن لن نستطيع وضع قوات فى ليبيا دون إثارة بلبلة، إذن لا بد أن يكون هناك دور أجنبى، والدور الأجنبى إذا لم يتم احتضانه من دول الطوق فسيحقق مصلحة أجنبية فقط دون مراعاة لمصلحة دول الطوق، ولذلك لا بد من تعاون الطرفين معًا».
ويرفض نبيل فهمى دعوات التدخل العسكرى المصرى فى ليبيا بشكل كامل، ويميز بين «التدخل العملياتى لقوات خاصة فى ظرف خاص مثل «حادث قتل المصريين» وبين «التدخل لمحاولة السيطرة على الأرض».
■ قلت له: لكن البعض يرى أن تسليح الجيش الوطنى الليبى بقيادة الفريق أول حفتر، بما فى ذلك رفع حظر تصدير السلاح، أفضل من التدخل الخارجى.. هل تتفق مع هذا الرأى؟
- يقول: «لا أرى إمكانية أو جدوى لاستمرار قرار حظر تصدير السلاح، لأن الطرف الوحيد الذى ليس لديه سلاح هو الجيش الليبى، لكن السؤال: (هل بمجرد إعطاء سلاح للجيش الليبى سيستطيع محاربة كل الأطراف مع النظر إلى قلة أعداد منتسبيه؟).. هل أنا أؤيد رفع حظر تصدير السلاح؟.. نعم.. هل هذا هو الحل؟.. لا أرى ذلك.. هذه الخطوة يجب أن تكون فى إطار سياسى أوسع، فلا يمكن تسليم الدولة لمؤسسات ليست لديها القدرة على تثبيت الاستقرار.. من دون غلاف سياسى لن ينجح ذلك».
دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال مقابلة له مع صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية إلى دعم الفريق خليفة حفتر بدلا من التدخل العسكرى الغربى فى ليبيا، لأنه ينطوى على خطورة.
ونصح «السيسي» ب«تقديم السلاح والدعم للجيش الوطنى الليبي»، مشيرًا إلى «إمكانية قيام الجيش الوطنى الليبى بالمهمة أفضل من أى جهة أخرى وأفضل من التدخل الخارجى الذى قد يؤدى لخطر التورط فى وضع قد يخرج عن السيطرة وتعقبه تطورات لا يمكن التحكم فيها».
■ ■ ■
كان مهمًا أن أتحدث مع نبيل فهمى بالتفصيل عن العلاقات المصرية الأمريكية فلا يجاريه أحد فى هذا الملف من واقع عمله مدة طويلة سفيرًا للقاهرة فى واشنطن.
■ سألته: هل انتهت حالة التربص الأمريكى تجاه مصر؟
- يقول: «أعتقد أن حالة التربص انتهت، لكن الحماس الأمريكى لمصر لا يزال ضعيفًا، ولا أرى أن الفترة المقبلة - الشهور المتبقية للرئيس أوباما - ستشهد أى تغيير جوهرى فى العلاقة المصرية - الأمريكية، ولن تستعيد العلاقة وضعها بالقدر الكامل».
بالنسبة إليه فإن استقامة العلاقات المصرية الأمريكية تبدأ ب«استكمال إعادة بناء البيت وتحقيق الاستقرار الداخلى وهو أهم عنصر فى تحديد العلاقة بين البلدين، والعنصر الثانى هو استعادة الدور المصرى إقليميًا، فكلما ظهرت مواقف لمصر تجاه أزمات ليبيا واليمن وسوريا، بمعنى اقتراحات وحلول ونشاط دبلوماسى، نظرت إلينا الدول الكبرى (أمريكا وروسيا) على أننا استعدنا عافيتنا».
ولا يقبل نبيل فهمى لغة «الاستغناء عن الآخر»: «الدور الأمريكى مهم على المستوى الدولى كما الدور المصرى على المستوى الإقليمى، وكل منا يحتاج للآخر بدرجات متفاوتة.. أنا لا أدعو أبدًا إلى ممارسة السياسة الداخلية أو الخارجية لإرضاء الغير وإنما أدفع دائمًا بأن البناء الخارجى يبدأ من الداخل وبأننا يجب أن نكون على يقين أننا نعيش فى عالم متكامل ونحن جزء منه بمعنى أننا لا نعيش فى عزلة.. لا نستجدى أحدًا.. ولا نعيش فى عزلة عن الواقع الدولي».
■ قلت له: هل اعتقاد بعض الدوائر الأمريكية بأهمية استيعاب الإسلام السياسى يمكن أن يساهم فى استمرار الفجوة بين البلدين؟
- يقول: «هذه قناعة موجودة فى الساحة الغربية وموجودة بعض الدول العربية بأشكال مختلفة، فى مواجهة قناعة موازية بأن تيار الإسلام السياسى هو من استبعد نفسه بممارساته وبالتحديد محاولة تغيير هوية الأوطان التى نشط فيها».
■ سألته: ما الحل إذن للخروج من معادلة «إما استيعاب الإسلام السياسى أو تدهور العلاقات»؟
- المصلحة تحكم.
يقول: «كلما أثبتت الدول العربية استقرار أوضاعها سيتراجع الإسلام السياسى على أجندة الدول الغربية، فهى تسعى لمصالحها فإن وجدت الدول العربية مستقرة لن تتحدث فى القضية، لكن - وحتى نكون واضحين - لا يزال فى ذهنهم استيعاب الإسلام السياسي».
■ قلت له: لكن هل يمكن إعادة استيعاب تيار الإسلام السياسى؟
- يفرق نبيل فهمى فى البداية بين 3 نماذج فى التعامل مع الإسلام السياسى: «مصر - فى مرحلة ما - قبلت بأن تيار الإسلام السياسى جزء من الدولة وليست الدولة جزءًا من الإسلام السياسى، وفى بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس والأردن قبل تيار الإسلام السياسى أن يكون فى سياق الدولة، ويحذر البعض من أن يكون هذا القبول تكتيكيًا، والنموذج الثالث لم يقبل الإسلام السياسى ولا يزال الصراع قائمًا بين الدولة والفكر».
يقول: «الأزمة الحقيقية أن التيار الإسلامى وضع نفسه فى مكانة أعلى من الدولة فى حين أن مصلحة مصر ومصلحة الشرق الأوسط فى الحفاظ على الدولة أساسًا للمنظومة الوطنية».
ولنقترب من الصورة: «من يقبل قبولًا حقيقيًا وليس تكتيكيًا بأن الدولة هى الأساس، ويمارس آراءه سلميًا، ويؤمن بالدستور ووطنية الدولة سيجد له مكانًا».
■ لكن هل نتوقع ذلك قريبًا؟
- يقول: «على المدى القصير لا أرى قبولًا لدى تيار الإسلام السياسى بالشروط.. الموضوع سيأخذ وقتًا.. أولًا لا بد من تغيير حقيقى وهذا شيء مستبعد أصلًا.. ثم إن الجرح الموجود بين هذا الفكر والشعب وإعادة بناء الثقة سيحتاجان وقتًا.. ثانيًا: يجب استيعاب هذا التغيير - إذا حدث - وهذا يحتاج وقتًا، لأن الجرح قائم، ثالثًا: التغيير يسجل بمواقف على الأرض».
«إذًا ما زال أمامنا مشوار طويل هذا إذا كان هناك مجال لاستيعاب الإسلام السياسى أصلًا».
■ ■ ■
انتقلت بالحديث معه إلى «الملف الإيرانى» وهو ملف ملغم على وقع انتقال الصراع الخليجى - الإيرانى من «الحرب بالوكالة» إلى «المواجهة المباشرة»، حيث فُتحت ساحات المواجهة مع إيران فى سوريا، واليمن، والعراق، ولبنان، والبحرين.
■ قلت له: كيف ترى الدور الإيرانى فى المنطقة؟
- يقول: «ليس هناك أى شك أن الممارسات الإيرانية الإقليمية بها خشونة غير مقبولة وتعكس تدخلًا فى عدد من الدول العربية، خاصة الخليجية».
لا يشكك نبيل فهمى فى مشروعية إيران كدولة إنما ينتقد وبشدة تجاوزاتها الإقليمية.
ولا يرفض منافسة إيران لبعض الدول العربية «لكن هذه المنافسة المشروعة يجب ألا تشمل تدخل إيران فى الشئون الداخلية للبلدان العربية، وهذه قضية مستمرة لكنها أصبحت أكثر حدة بعد توقيع الاتفاق النووى».
■ سألته: هل ترى أن الاتفاق منح ضوءًا أخضر لإيران للتحرك فى المنطقة؟
- يقول: «الاتفاق به جوانب إيجابية وأخرى سلبية، هو اتفاق غير كاف وغير مكتمل، فإذا نظرنا إليه كاتفاق خاص بنزع السلاح النووى فهو خطوة لوضع حد لتخصيب إيران لليورانيوم والمواد المشعة على مدى الخمسة عشر عامًا المقبلة، لكنه لا يتعامل مع نزع السلاح النووى بشكل كامل، ولم نشهد أو نسمع عن وجود طموح لتطوير هذا الاتفاق إلى منطقة منزوعة السلاح النووى فى الشرق الأوسط».
ويضيف: «فى المقابل حصلت إيران على مجموعة مزايا، إذ تمت إعادة تمركزها إلى حد كبير لدى المجتمع الدولى دون تغيير فى سياساتها تجاه الشرق الأوسط بالتحديد، بل على العكس شاهدنا بعد الاتفاق مزيدًا من العجرفة والخشونة».
بشكل واضح: «أنا لست ضد الاتفاق من حيث المبدأ، وإنما ضد تركيزه فقط على وضع حد لتخصيب اليورانيوم، وأتحفظ على أنه لم يشمل ضمانات خاصة بجوانب إقليمية أخرى، لأن العائد الإيرانى من الاتفاق يسمح لها بممارسة هذا الدور بشكل أنشط، وبشكل لم تستطع فعله قبل الاتفاق».
■ قلت له: هل ترى أن عودة العلاقات المصرية - الإيرانية على أولوية السياسة الخارجية المصرية؟
- يقول: «على أولوياتها لا، لأنه ملف حساس ويجب أن ينظر إليه بجدية.. أنا من مؤيدى الدخول فى حوار عربى - إيرانى بما فى ذلك مصر، ومن أول الأطراف العربية تكون السعودية، لكن هناك أسبابًا حقيقية للقلق العربى والخليجى تجاه إيران.. لم أجد من الدول العربية ما يشكك فى الكيان الإيرانى كدولة إنما هناك من ينتقد ويتحفظ كثيرًا على السياسات الإيرانية».
■ سألته: ما الذى يمكن فعله؟
- وكانت إجابته: «مع دعمى للحوار مع إيران، من المفيد لها أن تقوم بعدد من الخطوات لطمأنة الأطراف العربية، وأهمها عدم تدخلها فى الشئون الداخلية لدول الجوار، وكذلك أمور أمنية أخرى».
«هاتان الخطوتان مهمتان لبناء الثقة تمهيدًا لحوار عربى - إيرانى.. قبل ذلك لن يكون الحوار مجديًا، وإن كان وسيلة أفضل من الحرب».
■ قلت له: هل تعتقد أن خيار الحرب مع إيران لا يزال مطروحًا على الطاولة؟
- يقول: «لا أعتقد أن إيران تريد الدخول فى حرب مع دول خليجية أو العكس».
■ سألته: هل تقرأ قرار تصنيف حزب الله «منظمة إرهابية» الصادر عن جامعة الدولة العربية ومن قبلها مجلسى التعاون الخليجى ووزراء الداخلية العرب فى إطار المواجهة مع «أذرع إيران» فى المنطقة؟
- يقول: «القرار جاء فى إطار ممارسات مرتبطة بالقضية السورية، ولا ننكر أن هناك اختلافات فى الرؤى بين عدد من الدول العربية وحزب الله - بما فيها مصر - لكن القرار ارتبط بممارسات حزب الله وليس بالتركيبة اللبنانية أو الموقف من إيران».
■ كان سؤالى الأخير: ماذا عن العلاقة بين مصر والحزب؟
- يقول: «ليست هناك علاقة رسمية مع (حزب الله)، وهو طرف لا نؤيد ممارساته لكنه جزء من المعادلة اللبنانية، والطرف الوحيد القادر على استبعاده هم اللبنانيون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.