مع مرور الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية وما صاحبها من تطورت حرب أهلية وسقوط عشرات الآلاف من القتلى وتعرض الشعب لأسوأ موجة تهجير فى التاريخ قاربت نصف تعداد سكانها .. جاء قرار الرئيس الروسى فلاديمير بوتين كعادتة ليفاجئ العالم بسحب معظم قواته العسكرية من سوريا مع بقاء القاعدة البحرية فى طرطوس والقاعدة الجوية فى حميم باللاذقية «شمال سوريا»، ليتزامن مع ذكرى الثورة التى توافق 15 مارس عام 2011 وتزامنا أيضا مع انطلاق جولة جديدة من مفاوضات السلام الجارية حاليا بين النظام والمعارضة بجنيف «3». قرار الرئيس بوتين صاحبة حالة الترقب والشك والتشاؤم والإحباط مبعثها الآلام التى يتعرض لها الشعب السورى نتيجة انعدام الثقة والأمل فى مفاوضات يراها البعض أنها لا طائل من ورائها سوى إطالة أمد الأزمة واعتقادهم ان المبعوث الأممى دى ميستورا نفسه يعرف جيدا أنهم لن يتفقوا فى جنيف ولا غير جنيف وإصراره على مواصلة اجتماعاته فى مهمته التى تكاد تكون مستحيلة استنادا لشواهد كثيرة من جولات سابقة جرت فى جنيف ودمشق وموسكو. وبالرغم من أن القرار بالغ الأهمية والخطورة معا سواء فى محتواه أو مدلوله وتوقيت إعلانه المفاجئ للجميع باستثناء النظام السورى.. اعتبره بعض المراقبين ربما يشكل دافعا إيجابيا لعملية التفاوض بين النظام والمعارضة وتأكيد موسكو أن سحب القوات الروسية لا يعنى وقف توريد السلاح والتقنيات العسكرية للحكومة السورية. العديد من المراقبين يرون أن القرار الروسى يحمل جملة من الرسائل المباشرة لكل الفرقاء فى الصراع السورى.. أولها للنظام السورى بعد تمكنه من استعادة السيطرة على العديد من المدن والقرى والأراضى فى مختلف المحافظات السورية وتحسين موقفه العسكرى بدعم روسى إيرانى أتاح للنظام قدرا كبيرا وفاعلا بالمشاركة فى اللعبة السياسية سواء بضغط روسى على النظام السورى أو على المعارضة السورية المسلحة بضرورة المشاركة الجادة فى المفاوضات.. إضافة إلى توجيه تحذير بالغ الأهمية للنظام بالاستماع إلى نصائح موسكو نتيجة امتعاض موسكو من تصريحات وزير الخارجية السورى وليد المعلم بأن الرئيس بشار الأسد «خط أحمر» وأن الحكومة لن تتفاوض مع أحد حول الرئاسة مع ضرورة تهيئة الأجواء المناسبة للحل السياسى. فيما جاء إعلان بوتين بعدم تخليه عن النظام السورى رسالة طمئنة وتأكيد رفض بلاده إسقاط بشار الأسد بالقوة العسكرية كما حدث فى ليبيا بما يؤكد أن هناك توافقا روسيا أمريكيا بعدم إسقاط الأسد عسكريا والاتجاه إلى الحل السياسى بما يمثل نجاحا للموقف الروسى مثلما كان قرار دخولها سوريا عسكريا مفاجئا أيضا قبل ما يزيد على الخمسة أشهر لمحاربة الارهاب كشفت خلاله مدى تقاعس وتواطئ الولاياتالمتحدة فى التعامل مع الأزمة السورية. أيضا جاء القرار بمثابة رسالة إلى المجتمعين فى جنيف بإقرار بوتين بأن انسحابه من سوريا يشكل دافعا إيجابيا لعملية التفاوض بين مختلف القوى السياسية المتصارعة ويشكل أرضية صلبة لتهيئة أجواء أكثر مناسبة لمفاوضات سياسية جادة وأن تعزيز المشاركة الروسية فى تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية يمثل إنجازا عسكريا وسياسيا بالاتجاه إلى إيجاد حلول للأزمة بدلا من الاستمرار فى حرب لا طائل من ورائه أن القرار ليس إجراء ارتجاليا وإنما ناتج عن دراسة دقيقة حول حقيقة الأوضاع العسكرية الراهنة فى سوريا فى ظل هدنة هشة يسعى الجميع على استمرارها رغم ما تتعرض له من خروقات. ويرى المراقبون أن رؤية بوتين للعملية السياسية تتماشى مع ما قدمه مندوب سوريا فى الأممالمتحدة بشار الجعفرى ورئيس وفد النظام الى جنيف من رؤية سوريا للحل إلى المبعوث الأممى ستيفان دى ميستورا دون الإفصاح عن عناوين أو تفاصيل تلك الرؤية والتى وصفها دى مستورا بأنها ايجابية .. كما جاء القرار ليضع الجميع ربما أمام هدنة طويلة الأمد وأن بلاده تدعم المسار السياسى بوصفها الحاكم فى الأزمة السورية. ولم تتجاهل رسائل بوتين السعودية بإعلانها مع الجانب الأمريكى الاتفاق على الذهاب إلى جنيف للوصول إلى مرحلة انتقالية معينة.. لا أحد يستطيع أن يجزم الى أين تنتهى وكيف ومتى ومن سيقود تلك المرحلة ؟ وأن القرار جاء وفق مبادرة تتعلق بمستقبل سوريا بعد إدراك موسكو أنها لن تستطيع حسم الأمر عسكريا نتيجة تعقيدات كثيرة تتعارض فيها مصالح القوى الكبرى فى الصراع بالانتقال إلى ابداء حسن النوايا بخروجه وتخليه عن القيام بعمليات عسكرية خاصة أن القرار جاء قبيل إجراء المباحثات بين الرياضوموسكو وزيارة الملك سلمان إلى روسيا فى شهر إبريل المقبل تلبية لدعوة الرئيس بوتين لإتمام العديد من الصفقات. كما جاء القرار بمثابة رسالة واضحة إلى إيران الحليف الأقوى للنظام بعد إدراك موسكو أن طهران قدمت مصالحها الشخصية على أي مصالح أخرى فى ظل تباين المواقف بين الجانبين سواء فى معالجة الأزمة السورية أو بشأن الفصائل المقاتلة المدعومة من طهران وتمسك إيران ببقاء الأسد فى مستقبل سوريا وهو أمر محل خلاف بين القوى الدولية المصرة على أن الأسد لن يكون جزءا من مستقبل سوريا. ويبقى السؤال هل حقق بوتين أهدافه العسكرية فى سوريا؟ وما موقفه من كل قوى المعارضة السورية المسلحة التى تنضوى تحتها 97 فصيلا مسلحا؟ وما حجم الإنجازات التى حققتها روسيا على مدى ما يزيد على الخمسة أشهر الماضية؟ .