قداس مشترك للكنائس الأرثوذكسية الشرقية الثلاث.. بث مباشر    كيف سيتم تدريس مادتي اللغة العربية والتاريخ في المدارس الدولية؟    الدولار يستقر أمام الجنيه بداية تعاملات اليوم 18 مايو 2025    أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ اليوم.. البوري ب140 جنيه    أخر موعد للتظلمات.. عدم انطباق الشروط على 142 ألف متقدم لسكن لكل المصريين 5    لدينا 27 ألف مزرعة.. وزير الزراعة ينفي نفوق ثلث الثروة الداجنة    روبيو ونتنياهو يبحثان هاتفيا الوضع في غزة وجهود تأمين إطلاق سراح باقي المحتجزين    انقذوهم كيف تُغيث «قمة بغداد» غزة وليبيا والسودان؟    بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية ببولندا    المغرب وجنوب أفريقيا.. صراع ساخن على لقب كأس الأمم الإفريقية تحت 20 عاما    الرابطة تجتمع مع رؤساء الأندية اليوم لمناقشة مقترحات الموسم الجديد    نور الشربيني تتوج ببطولة العالم للإسكواش للمرة الثامنة في تاريخها    معتصم سالم: بيراميدز لم نتلقي أي رد من رابطة الأندية بخصوص طلب تأجيل مباراة سيراميكا    إستمرار الموجة شديدة الحرارة بالأقصر والعظمى 47    انتهاء محاكمة راندا البحيري بتهمة سب وقذف طليقها بالتصالح    متحف سوهاج يتألق في اليوم العالمى للمتاحف كمؤسسة ثقافية وتربوية.. صور    7 أعراض لارتفاع ضغط الدم تظهر في الجسم    أسعار الأسماك اليوم الأحد 18 مايو في سوق العبور للجملة    محافظ البحر الأحمر: الدفع ب25 سيارة لحين حل مشكلة مياه الشرب بالكامل في الغردقة    عاجل- إجبار 300 ألف فلسطيني على مغادرة شمال غزة والقصف المستمر يوقع مئات الشهداء    إصابة بحارة إثر اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين في نيويورك    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 18 مايو    محمد كمال يكتب : الزعيم بعيدًا عن ملاعب الكوميديا    يمتلكون قدرة سحرية على إدراك الأمور.. 5 أبراج تجيد اتخاذ القرارات    مهرجان المسرح العالمى فى دورته ال40: يرد الجميل ل « الأساتذة »    أهداف السبت.. رباعية البايرن وثلاثية باريس سان جيرمان وانتصار الأهلى وبيراميدز في الدوري المصري    انطلاق عرض مسلسل حرب الجبالي اليوم    استشهاد طفل فلسطيني وإصابة اثنين بجروح برصاص إسرائيلي شمال الضفة الغربية    «إعلام المنوفية» تحصد جائزتين بالمراكز الأولى في مشروعات التخرج    إصابة شخص في حريق شقة سكنية بالعبور | صور    جدول البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية بنظام البوكليت 2025 بالقاهرة    ميلوني: لا تنتظروا مني نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    لمدة يومين، المحامون يمتنعون عن الحضور أمام محاكم الجنايات    بن غفير: علينا الدخول بكل قوة إلى غزة ونسحق عدونا ونحرر أسرانا بالقوة    دراسة تكشف: المصابون ب مرض السكري عرضة لأمراض القلب    ب 20 مليون.. جهود مكثفة لضبط تشكيل عصابي سرق مشغولات ذهبية في قنا    الدولار ب50.41 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 18-5-2025    القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد وإشبيلية مباشر اليوم في الدوري الإسباني.. والموعد    أمن بني سويف يكشف لغز جثة رجل مكبل اليدين والقدمين داخل سيارة    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا الودية قبل كأس العالم للأندية 2025    ما بين الحلويات.. و«الثقة العمومية»!    استمرار قوافل «عمار الخير» بشربين للكشف المجاني على المواطنين بالدقهلية    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    أمطار لمدة 24 ساعة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس: «تغير مفاجئ»    هزيمة 67 وعمرو موسى    جداول امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني في جميع المحافظات    للحفاظ عليها من التلف.. 5 خطوات لتنظيف غسالة الأطباق    حدث بالفن| نجوم الفن يحتفلون بعيد ميلاد الزعيم وحقيقة خلاف تامر مرسي وتركي آل الشيخ    كالعروس.. مي عمر تتألق بفستان أبيض في خامس أيام مهرجان كان    خبير لإكسترا نيوز: إسرائيل لن تسمح بحل الدولتين لتعارضه مع حلمها الإمبراطوري    تعاون بين «التأمين الشامل» و«غرفة مقدمي الرعاية الصحية»    وزير الشباب والرياضة: نتحرك بدعم وتوجيهات الرئيس السيسي    "الجبهة الوطنية" يعلن تشكيل أمانة الرياضة برئاسة طاهر أبوزيد    أمين الفتوى يوضح أهمية قراءة سورة البقرة    رئيس جامعة الأزهر يكشف الحكمة من تغير أطوار القمر كما ورد في القرآن    عالم أزهري: «ما ينفعش تزور مريض وتفضل تقوله إن كل اللي جالهم المرض ده ماتوا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يكتب الأوروبيون أساطيرهم عن الشرق؟
نشر في البوابة يوم 14 - 03 - 2016

بما أن التاريخ دائما ما يرويه المنتصر، وبالتالى تغلب على هذه الروايات وجهة نظره حتى لو كانت مخالفة تمامًا لمسار الأحداث التي وقعت، فلقد روى جميع كتاب أوروبا تاريخ العرب في الأندلس من خلال وجهة نظرهم التي تخصهم، والتي قد تختلف عن الواقع كثيرًا، أو قليلًا لكنها في النهاية تتسق مع رؤيتهم التي يرغبون في فرضها على الجميع ومن ثم الإيمان بها.
تاريخ سياسة الدول الأوروبية في المنطقة يُعد أحد أهم مصادر سياستها المعاصرة، حيث استفاد الأوروبيون من وثائق عربية تسرد وقائع تاريخية تم اكتشافها بمعجزة
ربما نلحظ وجهة النظر التي نتحدث عنها من خلال كتاب «مرآة الشرق» الصادر عن «دار صفصافة»، والذي كان عبارة عن مجموعة من الأبحاث التي أشرف عليها «آن دوبرا» أستاذة الأدب في جامعة السوربون، و«إيميلى بيشرو» الأستاذة الزائرة في أكثر من جامعة غربية، والمتخصصة في الدراسات التاريخية الإسبانو - فرنسية، حيث اهتم الكتاب بالعديد من الروايات التي كتبها كتاب غربيون حول العلاقة بين الغرب والشرق من خلال وجود العرب في الأندلس، أو حتى من خلال الدولة العثمانية، ولعل أهمية هذا الكتاب تعود في الأساس إلى عدة اعتبارات، أهمها أن الحقبة التاريخية التي يتناولها غير مُوثقة في المكتبات العربية، ولأن العلاقات الأوروبية العربية قديمة قدم الأزل، ولأن البحر الأبيض المتوسط هو همزة الوصل بين الجانبين، ومن ثم فإن تاريخ سياسة الدول الأوروبية في المنطقة يُعد أحد أهم مصادر سياستها المعاصرة، حيث استفاد الأوروبيون من وثائق عربية تسرد وقائع تاريخية تم اكتشافها بمعجزة، فضلًا عن شهادات سفراء عملوا في إِفريقيا، وأسرى عائدين من القسطنطينية، قدموا ما يستحق أن يُقرأ بل ويُخلد في كتب التاريخ.
وتُعد مدينة «غرناطة» من أهم المدن الأوروبية التي يدور حولها الأدب الأوروبي، ومن ثم نشأة ما يراه هذا الأدب من أساطير يحاول نسجها حول الشرق من خلال وجهة نظره التي تخصه وحده، هذه الأساطير التي قد تبتعد قليلا عن الواقع المُعاش حينها، لكنه في النهاية خيال المنتصر الذي يفرض منطقه وقانونه على الجميع، فهى بحكم تاريخها تُعد رمزًا نموذجيًا لمكان يعج بخليط من ثقافات مختلفة، ولذلك فإن دراسة «أسطورة غرناطة» من خلال ثروتها الأدبية ما هي إلا قراءة لمسار تاريخى لمدينة كانت على مدى قرون نقطة التقاء بين الشرق والغرب، كما يمكن القول كذلك إن غرناطة هي شعار البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من كونها مكانًا لتبادل إنسانى، ثقافى، وفني، فإن تلك المدينة الرومانية لم تتطور إلا في القرن الحادى عشر، حينما أصبحت عاصمة لإحدى الممالك المسيحية الإسبانية عقب سقوط الخلافة الإسلامية في «قرطبة»، وحينما انطلق الغزو المسيحى لتحرير «إسبانيا» من أيدى المسلمين كانت «غرناطة» عاصمة لآخر مملكة إسلامية، وكانت تحت حكم «بنو نصر»، أو «النصريون»، أو «بنو الأحمر»، وهم آخر السلالات الإسلامية في الأندلس الذين حكموا في الفترة من 1232 إلى 1492م، وعقب ذلك التاريخ لم تعد غرناطة جزءًا من الخريطة «الجيوسياسية» للعالم الإسلامى، ولكنها حفرت لنفسها مكانًا مميزًا في الذاكرة التاريخية والأدبية، فبعدما كانت مدينة إسلامية، أندلسية ومورية نسبة إلى مورو (لفظ يُطلق على الشعوب الشمال أفريقية السمراء، الذين اشتركوا مع المسلمين في غزو إسبانيا واستيطانها، ثم عمم الغرب استخدام الكلمة وأطلقها على كل مسلم في إسبانيا حتى لو كان إسبانى الأصل)، أصبحت رمزًا لانتصار مسيحى وإطارا لخيالات روائية فرانكو - عربية.
وبعدما حاصر المسيحيون في غرناطة جميع المسلمين واليهود الذين يقطنونها، وأعملوا فيهم الكثير من التقتيل والتهجير، حيث هاجر عدد ضخم منهم إلى فرنسا، بدأ كتاب أوروبا يكتبون الكثير من الأعمال الأدبية المهمة حول هؤلاء المسلمين الذين دحرهم المسيحيون وهجروهم من هذه الأرض، فتاريخ غرناطة، آخر عاصمة للعالم الإسلامى في الأندلس وأحد أهم معاقله الثقافية والعقائدية، كان ظاهرة عامة تم تناولها في قوالب أدبية خاصة من خلال الأدب الإسبانى في «القرن الذهبى»، فظهر للوجود عدد كبير من النصوص الأدبية أُعيدت معالجتها وكتابتها بالفرنسية والإيطالية في القرون التالية، ويمكن القول إن مفتاح هذا الباب كان قصيدة «غزوة غرناطة» 1650م «لجيرولامو جرازيانى»، التي فتحت شهية الفرنسيين للكتابة عن عرب ومسلمى إسبانيا، ورغم أن القصيدة نُشرت في فرنسا عام 1654م، فإن ثناء ناشرها على أمجاد الإسبان وبطولاتهم في استعادة المدينة وحفاظه على الخصائص الملحمية للقصيدة، المُستمدة مما كتبه «تاسو» في «جيروزاليم حرة»، جعل من ذلك وتلك قواعد صارمة لا يمكن أن يحيد عنها كاتبو الملاحم الفرنسية، والكلام هنا «لدانيلا دالا فال»، وبهذا الشكل أيضًا فرضت أسطورة غرناطة نفسها على قصص الحب والفروسية والرومانسية الحالمة عند الفرنسيين.
أما في إسبانيا، وفى القرن الخامس عشر تحديدًا، فقد كان موضوع غرناطة والعرب والمسلمين عمومًا سببًا في ميلاد نوع جديد من الرواية، كان له دوره في تغيير رواية الفروسية برسمه صورة لمجتمع يظهر فيه «المورو» كأنهم الأمة الأكثر نقاء في العالم، وبفضل كثافة العلاقات الثقافية بين إسبانيا وفرنسا انتقل ذلك الصنف الروائى من الأولى إلى الثانية، وكان هذا النوع مقروءًا من قبل جمهور كبير في إسبانيا، وذلك مثل «تاريخ بنى سراج والجميلة جاريفا»، مجهولة المؤلف، التي تمت ترجمتها إلى الفرنسية مع رواية «ديانا» لمونتى مايور عام 1592م، ثم أُعيدت ترجمتهما مرة أخرى بشكل منفصل عام 1603م، ثم «حروب غرناطة الأهلية» التي ترجمت إلى الفرنسية عام 1608م بواسطة الشاعر الفرنسى «فورتان»، وأُعيدت معالجتها مرة أخرى عام 1683م بمعرفة «مدام دى لاروش جيلين»، وبعيدًا عن الترجمة المباشرة فإن الأعمال الإسبانية أوحت للكتاب الفرنسيين بالكثير من الكتابات، ففى عام 1623م كتب «ألبير كاموس» روايته «أوجين»، وفى عام 1637م كتب «جومبرفيل» روايته «بوليكساندر»، وفى عام 1670م كتبت «مدام دى لا فايت» روايتها «زايد»، وفى عام 1673م كتبت Mme de Villedieu روايتها «الغزل الغرناطى»، كما أن هناك أعمالا أخرى تمت ترجمتها ثم فرنستها بعد ذلك، أي ترجمة رواية إسبانية، وكتابة أخرى تشبهها بالفرنسية ولكن بشخصيات وأحداث تلائم المجتمع الفرنسى بشكل أكبر، ومثال هذه الأعمال: «إكليل الإخلاص» للأديب الفرنسى «لانسلو» 1620م، وهى النسخة الفرنسية لHistoria deOsmin y Darache لمؤلفها Mateo Aleman، و«قصة انفصال فاطيما وابن عمار» لمواطنته «كاترين برنار» 1696م.
ويؤكد لنا الباحثون في هذا الكتاب أن الأوروبيين من خلال هذه الروايات والآداب التي كانوا يحاولون كتابتها إنما كانوا ينسجون تاريخهم الذي يرغبونه هم بعيدا عن الوقائع التاريخية التي حدثت، محاولين أن ينسجوا من خلال هذه الأعمال الأدبية أساطيرهم التي يرونها حول الشرق الذي كان قد اعتدى عليهم، ومن ثم فهم يحاولون مرة أخرى صياغة هذه العلاقة ولكن من خلال منظورهم هم عن الشرق، وليس من خلال الواقع والأحداث التاريخية التي سبق أن حدثت، ولذلك نرى المؤرخ الفرانكو إسبانى «مارسيل باتايون» يقر أيضًا بصعوبات فصل المُبهمات والوقائع غير الحقيقية عن تاريخ الأندلس، وذلك في خطاب أرسله لصديقه المؤرخ «أميركو كاسترو»، في لحظة تفكير في جهد بحثى قاد كاسترو إلى القول بأن تاريخ إسبانيا يُعد حالة خاصة وفريدة من نوعها، فهو «غامض وساحر، مأساوى ومثير للجدل، نموذجى ومثير للوجدان»، هذا فضلًا عن كونه نقطة التقاء بين الثقافتين الشرقية والغربية، فيرد عليه مارسيل بقوله: في الوقت الذي كنت أكتب فيه «إيراسموس وإسبانيا» كنت أعيش وهم الاعتقاد بأن التاريخ من الممكن أن يكون موضوعيًا، وكان يبدو لى أن الغوص في الوثائق الأصلية سواء كانت كتبا، أو خطابات، أو محاضر قضائية أننى بذلك دخلت حياة أنصار «إيراسم» وخصومهم، ولكن منذ ما يقرب من اثنى عشر عامًا وتحديدًا بعد قراءتى ل«مقدمة في فلسفة التاريخ.. دراسة على حدود الموضوعية التاريخية» التي نال عليها رايمون آرون الباحث الفرنسى المعاصر درجة الدكتوراه عام 1938م بدأت آخذ في اعتبارى تصاعديًا أن رؤيتى لذلك الماضى كانت بوصاية بحاضرنا، وبوضعى في ذلك الحاضر، لذا يجب على كل باحث تجاوز الخوف والحب ليعترف كيف أنه استحوذ ذاتيًا على موضوعه التاريخى، فنحن نعمل من أجل زمننا وطبقًا لما يمليه علينا، وأخيرًا ألا يُعد رفضنا رؤية الماضى بعدسة حاضرنا، قبولًا لا شعوريًا برؤيته بعدسات آبائنا وأجدادنا.
من خلال كتاب «مرآة الشرق» الذي ترجمه عن الفرنسية محمد عبدالفتاح السباعى يتضح لنا أن العلاقة بين الشرق والغرب كانت مبنية في الأساس - حتى من خلال الكتابات الأدبية - على منطق المنتصر الذي يكتب التاريخ، ومن ثم استطاع هذا الأدب الذي اهتم بهذه الفترة التاريخية كتابة أسطورته الخاصة التي شكلت العلاقة بين الشرق والغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.