قال قادة عسكريون، إن الهجمات الدموية التي يشنها منذ شهور تنظيم داعش في العاصمة العراقية وحولها قد تكون مؤشرا على أن القوات العراقية أنهكها انتشارها على مساحة كبيرة بعد ما حققته من انتصارات في الآونة الأخيرة في استرداد أراض من التنظيم. كانت القوات العراقية المدعومة بغارات جوية تشنها طائرات تحالف دولي بقيادة أمريكية قد استعادت مدينة بيجي الشمالية في أكتوبر وفي الرمادي الواقعة على بعد 100 كيلومتر إلى الغرب من بغداد في نهاية العام الماضي. لكن القادة العسكريين قالوا إن تصميم الحكومة على التحرك لاسترداد مدينة الموصل معقل التنظيم في شمال البلاد هذا العام حال دون تعزيز المكاسب العسكرية التي تحققت على المشارف الشمالية والشرقية لمدينة الرمادي. وقال القادة إن ذلك سمح لمقاتلي داعش بإعادة التجمع والاستمرار في إرسال الأسلحة من عمق "دولة الخلافة" إلى الفلوجة والكرمة غربي بغداد مباشرة اللتين قال مسئولون أمنيون إن منفذي الهجمات التي وقعت يوم الأحد انطلقوا منهما. وأسفر هجوم انتحاري مزدوج في حي مدينة الصدر في بغداد عن سقوط 78 قتيلا. كما أعلن تنظيم داعش أنه كان وراء هجوم على مواقع للشرطة والجيش في ضاحية أبو غريب الغربية أسفر عن مقتل 24 فردا من قوات الأمن وأتاح لمقاتلي التنظيم السيطرة على أكبر صومعة للحبوب في البلاد معظم ساعات اليوم. وقال مسئولون عراقيون ومتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة إن هجمات بغداد تهدف في المقام الأول إلى رفع الحالة المعنوية لمقاتلي التنظيم بعد ما خسروه من أرض في الرمادي قبل شهرين. لكن الهجمات أثارت تساؤلات عن الأمن في العاصمة التي يعيش فيها أربعة ملايين نسمة وقدرة الحكومة على خوض معركة الموصل هذا العام دون السماح للمناطق التي تم استردادها بالوقوع في أيدي التنظيم مرة أخرى. وأقرب مواقع داعش لبغداد هو مدينة الفلوجة الواقعة على مسافة 50 كيلومترا إلى الغرب والتي تحاصرها القوات العراقية منذ أشهر. وقال مسئولون إن منفذي الهجمات التي وقعت يوم الأحد تمكنوا من اختراق دفاعات الجيش في تلك المنطقة وفي محيط منطقة الكرمة. وقال اثنان من ضباط الجيش العراقي يرابطان قرب الرمادي لرويترز إن نقص القوات أدى إلى إبطاء تقدم الجيش بدرجة كبيرة في الضواحي الشمالية والشرقية للمدينة. وقد تم نشر معظم قوات مكافحة الإرهاب الخاصة التي كانت رأس الحربة في عملية استعادة المدينة في مواقع أخرى واستبدلت بها وحدات أقل كفاءة من الجيش والشرطة. وقال ضابط برتبة عقيد من الفرقة التاسعة مستخدما اسما شائعا لتنظيم داعش "بعد الاستيلاء على الرمادي خفتت العمليات العسكرية. وكان ذلك خطأ تكتيكيا لأنه أتاح لمقاتلي داعش الفرصة لالتقاط الانفاس وإعادة التجمع." وأضاف "نحن بحاجة لمزيد من التعزيزات لسد الفجوة التي تركتها قوات مكافحة الإرهاب إذا كنا نريد الحفاظ على الزخم." كما انتقد العقيد قرار الحكومة بحشد مئات الجنود هذا الشهر وإرسالهم إلى مخمور وهي قاعدة تقع جنوبي الموصل. وقال عبر الهاتف "كل جندي ضروري لتطهير جيوب داعش الباقية من المناطق الريفية حول الرمادي. وهذا ما أسميه تخبط تكتيكات الجيش." وقال فاضل أبو رغيف المحلل الأمني الذي يعمل في بغداد إن هجوما من جانب القوات العراقية استمر تسعة أشهر في الكرمة "لم يحقق أي نصر يستحق الذكر" ما سمح لمقاتلي الدولة الإسلامية هناك بشن هجوم أبو غريب. وقال المتحدث العسكري العراقي العميد يحيى رسول، إن العراق لديه ما يكفي من القوات للعمليات على جبهات متعددة. وقال لرويترز "نحن لن نهمل شيئا. كل شيء مخطط. فهناك قيادة العمليات المشتركة ولجنة للتخطيط تضم ضباطا كبارا على مستوى عال من الكفاءة ونحن نعمل على وضع الخطط." ويقول فالح العيساوي نائب رئيس المجلس المحلي في محافظة الأنبار التي تقع فيها مدينتا الرمادي والفلوجة إن هجوم أبو غريب يجب أن يكون إنذارا للحكومة لمراجعة تأمين العاصمة. وأضاف "عندما يسيطر مقاتلو داعش على منطقة على بعد 15 دقيقة بالسيارة من بغداد فهذا يعني أن هناك أخطاء أمنية خطيرة تحتاج لمعالجتها." وقبل 20 شهرا هدد تنظيم داعش باجتياح بغداد خلال تقدمه عبر المناطق الشمالية والغربية من العراق بعد عبور الحدود السورية لكن العاصمة شهدت هدوءا نسبيا منذ ذلك الحين. وقالت السلطات هذا الشهر إنها تعيد تنظيم الحواجز الأمنية وتسد الثغرات في محيط العاصمة بغداد في محاولة لمنع وقوع مزيد من هجمات المتشددين. وفي هجوم أبو غريب قال مسئولون أمنيون إن المسلحين تسللوا إلى المدينة من الكرمة والفلوجة باستخدام سيارات رباعية الدفع حتى يستطيعوا استخدام الطرق الترابية وتفادي اكتشافهم من قبل القوات العراقية. وبحلول مساء الأحد كانت القوات العراقية قد استعادت السيطرة تقريبا على أبو غريب بما في ذلك صومعة الحبوب وجبانة تحصن بها مقاتلو داعش لساعات. وأشار العيساوي ومسئول بوزارة التجارة إلى أن من دوافع الهجوم رغبة داعش في الاستيلاء على القمح المخزن في الصومعة لتغذية السكان في المناطق المحاصرة في الفلوجة والكرمة لكنهما أضافا أن المقاتلين لم يتمكنوا من أخذ مؤن قبل فرارهم. وقال فاضل المحمداوي الضابط في الجيش برتبة مقدم إن الجيش واصل يوم الإثنين مطاردة المسلحين في المناطق الريفية حول أبو غريب ويتحرى وجود خلايا نائمة يشتبه في مشاركتها في الهجمات. وقال شاهدان يوم الإثنين إن داعش عرض جثث 12 جنديا عراقيا في شوارع الكرمة في الصندوق الخلفي لشاحنة بيك أب. وأظهر صور تداولها أنصار التنظيم عبر الإنترنت عدة جثث بالزي العسكري في خلفية شاحنة بيك أب بيضاء غطتها الأوحال إضافة إلى عربات همفي وشاحنات تابعة للجيش قيل أنه تم الاستيلاء عليها في هجمات يوم الأحد. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة الصور أو رواية الشاهدين. وقال الكولونيل كريستوفر جارفر الضابط بالجيش الأمريكي والمتحدث باسم التحالف إن القادة المحليين كانوا على حق في مخاوفهم بشأن الاحتفاظ بالأراضي التي تم استردادها في الآونة الأخيرة من تنظيم داعش، لكنه أضاف أن التخطيط يأخذ مثل هذه المخاوف في الاعتبار. وتابع أن التحالف قام حتى الآن بتدريب نحو 2000 شرطي من الأنبار حتى يكونوا القوة الرئيسية في الرمادي. وقال جارفر إن التشكيل الذي هاجم أبو غريب لم يكن "كبيرا بصفة خاصة" ويظهر أن التحالف والعراقيين يحققون نجاحا في منع داعش من تنفيذ عمليات كبرى للتزود بالمؤن والمناورة. وقال "لا يمكنك قط إحكام السيطرة بحيث لا يمكن لشخص مدرب تدريبا جيدا الدخول إلى منطقة والخروج منها." لكنه أضاف أن الجيش العراقي "يحافظ الآن على مواقعه وحتى إذا تراجع تكتيكيا كما شهدنا في بعض المرات فهو يعاود استرداد الأرض." وقال جارفر إن تحديد أفضل السبل لتعبئة الموارد المحدودة والتقدم صوب الموصل أمر متروك للحكومة العراقية.