«الرحلة انتهت، فلا تعاندوا القدر».. بتلك الكلمات الشجاعة، أو المستسلمة، أنهى الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل مسيرته مع الكلمة، مكتوبة ومنطوقة، ليلوذ بالصمت فى محطة اللاعودة. فاضت روح الرجل إلى بارئها، ليبقى مقعد «الأستاذ» شاغرًا من بعده، وهو المقعد الذى ارتقاه بمبايعة جموع الصحفيين ليس فى مصر فحسب، وإنما فى العالم العربى بأسره، إلى درجة أن عالم الاجتماع السياسى الخليجي، الدكتور محمد المسفر يقول: «إذا اجتمع صحفيان فى أى مكان من الوطن العربي، وتفوه أحدهما بلفظة الأستاذ معرفة بالألف واللام، فإنما هو هيكل من دون شك، فى حين أن هناك أساتذة بالعشرات من غير التعريف». الكاتب الصحفى عبدالله السناوي، المعروف بقربه الشديد من الأستاذ، لم يتمالك نفسه إزاء الموقف، واكتفى بالقول: «عاش صحفيًا حتى الرمق الأخير، كلما كانت تتحسن حالته، كان يسأل: إيه الأخبار؟.. كان متوحدًا بشغف الكلمة، مخلصًا للمهنة التى أعطاها وأعطته». ويضيف «سؤاله عن الأخبار لم يكن غريبًا على المقربين منه، فهم يعلمون أن الأستاذ يتنفس الصحافة، لا أستطيع التعبير عن مدى حزني». وتقول الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي، «من سوء حظى أنى لم أكن بالقرب من الأستاذ فى الساعات الأخيرة، وقد اتصلت فور معرفتى بالخبر الصادم بنجله الدكتور أحمد هيكل، فأبلغنى أن والده طلب ورقة وقلمًا، قبل وفاته بساعات، وكتب 9 أسماء من دائرته المقربة، وأوصى ابنه إبلاغهم رسائل خاصة. وتضيف «لم يدل أحمد هيكل بالمزيد، ولم أستفسر منه نظرًا للموقف الصعب، يبدو أن الأستاذ شاء أن يترك وراءه كلمات ما، تتعلق بالوطن ومستقبله، هذا على الأرجح، فالذين يعرفون هيكل يدركون جيدًا أنه رجل مسكون بالوطن طوال الوقت». ويقول الكاتب الصحفى جمال فهمى، أحد الأصدقاء المقربين للكاتب الراحل الكبير، «أبلغنى أحمد هيكل بأن أباه استقبل الموت بشجاعة، كان واعيًا إلى أنه فى المحطة الأخيرة، ولذلك طلب من ذويه ألا يعاندوا القدر، وأن يثبتوا أمام الأمر، مشيرًا إلى أنه كعادته تعامل بموضوعية وربما حيادية مع موقف ينهار أمامه أقوى الأقوياء».