شهدت الآونة الأخيرة تناميًا لنبرة «الذكورية» فى العديد من الأغانى المصرية والعربية، وكان الفضل للشهرة الكاسحة التى اكتسبتها تلك الأغانى فى أن أغلبها لنجوم الجيل من الوسط الفنى، ولهم ملايين المريدين، وانتشرت بين طبقات الشباب كالنار فى الهشيم، ولم يقتصر رواج تلك الأغانى التى تحمل صفات الذكورية بين أوساط الشباب فحسب، بل شهدت رواجًا أيضًا بين الإناث، وأصبحن يرددن تلك الأغانى رغم أنها تحمل صيغة عنيفة ضد المرأة، إذ أن أغلب تلك الأغانى تدور كلماتها حول تحجيم دور المرأة، وتبرير تعصب الرجل باسم الحب، وتبرير غيرته المرضية على الزوجة أو الحبيبة، بحجة أنها كاذبة أو خائنة، أو عزمه على وضعها فى البيت كقطعة أثاث لا فائدة مرجوة منها سوى القيام بواجباتها الزوجية من «جنس»، والاهتمام بأمور المنزل كأنها «أمينة سى السيد»، ليكون شغلها الشاغل ترسيخ الثقافة البدوية الغاشمة القاهرة للمرأة، ضاربين عرض الحائط بحقوق المرأة كإنسان حر يمكنه الحياة بحرية دون وصى يملي عليها ما يمكنها فعله، باعتبارها «ضلعًا أعوج» يجب الإشراف عليه ومتابعته أولًا بأول لتقويمه، والفاجعة هنا تكمن فى أن ما تبذله الجمعيات والمنظمات المدنية الحقوقية المعنية بشئون المرأة فى سنوات تمحوه هذه الأغانى فى لمح البصر بمجرد انتشارها بالوسائل المرئية والمسموعة. ولعل أشهر هذه الأغنيات كانت «انت معلم» للمطرب المغربى «سعد لمجرد»، والتى تخطت نسبة مشاهدتها على موقع اليوتيوب حوالى 250 مليون مشاهدة، فى فترة لم تتجاوز الخمسة أشهر، ما يُعد رقمًا كبيرًا مقارنة بمشاهدات الأغنية العربية بشكل عام، وكلمات الأغنية تحمل نغمة ذكورية لم تشهدها الساحة الغنائية العربية من قبل، والتى يصفها فى كلمات الأغنية بأبشع الصفات وكأنه ينعتها لا يتجمل فيها، فيقول لها «لمجرد»: «انتى باغية واحد، يكون دمو بارد، ساكت ديما جامد، تغلطى ما يدويش، تلعبى عليه العشرة ما يعاودش الهضرة، يكون راجل لمرا بزاف عليك درويشا»، ومن شدة شهرتها استغلها شباب المناطق الشعبية، ووضعوا عليها اللمسات الخاصة بهم، وتحولت إلى الأغنية الأكثر رواجًا فى الأفراح الشعبية وبين سائقى الميكروباصات. وهناك أيضًا أغنية «جمهورية قلبي» التى غناها المطرب اللبنانى محمد إسكندر، وهو من أشهر المطربين فى بلاد الشام، ويحظى بشعبية كبيرة، وانتشرت الأغنية فى كل الوطن العربى ونجحت نجاحًا منقطع النظير، وتتضمن كلمات الأغنية تحجيمًا وتقليصًا لدور المرأة، وأحد مقاطعها يقول «نحن ما عنا بنات تتوظّف بشهادتها عنا البنت بتدلل كل شيء بيجى لخدمتها»، وحينها شهدت لبنان احتجاجات نسائية عارمة، لما تضمنته الأغنية من معان تهاجم عمل المرأة خارج المنزل. ولم تقتصر تلك النبرة الذكورية على المطربين العرب فحسب، بل أيضًا كان للمطربين المصريين نصيب منها، حيث ظهرت أغنية الفنان تامر حسنى «سى السيد»، والتى تضمنت ترسيخ فكرة الذكورية بالأغنية، وتضمنت كلماتها تعبيرات توحى بإذلال المرأة والتقليل منها، بل استعان بنجم عالمى وهو «سنوب دوج»، ليساعد أكثر فى دعم فكرته، وبالفعل حظيت الأغنية بشهرة واسعة ودعمها بفيديو كليب يصور فيه شريكته بالمقهورة الخاضعة، على الرغم من أن الفنان العالمى الذى استعان به تامر حسنى، يحيا على أرض تنعم نساؤها بحريات وحقوق تسبقنا بملايين السنين الضوئية. واللافت للنظر، أن صناع الأغانى لم يكتفوا بالاستعانة بالمطربين الذكور لترسيخ تلك الثقافة بل نجد من يساعدهن من المطربات، فنجد الفنانة المصرية أنغام فى أغنية «أنا ساندة عليك»، تتعامل مع شريكها بأنه الملاذ والسند، ومعرضة للضياع فى غيابه، ولا حول لها ولا قوة، وتمتلك حالة من التواكل حال مفارقتها للحبيب، على الرغم من أن المطربة الشهيرة قامت بطرح أغنية جديدة من الواضح أنها علمت أن لا أحد يسند على أحد سوى نفسه فكانت أغنيتها الأشهر خلال عام 2016 «تعهد» والتى لقت رواجًا كبيرًا وتقول فيها أنغام: «إنى أكمل باقى عمرى ولكن أكمله باحترام» فالكلمات لمست نساء كثيرات، خاصة فى مجتمع يتهم رجاله باستخدام العنف ضد النساء. ولأنه فى العادة يسعى بعض الرجال لقتل طموح النساء، وهذا ما ظهر جليًا فى النماذج السالف ذكرها، فإن الفنانة اللبنانية الكبيرة «جوليا بطرس» كرست الكثير من أغانيها لهذه المسألة، ومن بين أغانيها الأكثر لمسًا لمشاعر النساء «اتنفس حرية» وهى الأغنية التى تهدد فيها «بطرس» شريكها بالانسحاب أو الموت إذا استمر فى تضييق الخناق عليها فتقول: «ما بتقدر أبدًا تلغينى، بدك تسمعنى وتحكيني»، كما كان للمطربة اللبنانية إليسا ما يمكن أن نعتبرها من الأغانى التى كان لها السبق فى مناهضة العنف الزوجى، وهى الأغنية التى حصلت على إعجاب الكثير من النساء «بدون مناسبة»، وتحكى عن زوجة ترفض العودة لزوجها بعد أن قام بضربها رغم اعتذاره كثيرًا عن هذه الوحشية، وكأنها تشجيع من الفنانة للزوجات بعدم الاستمرار فى هذه النوعية من الزيجات.