«بلدى بربيع وصباح.. ولسه فى صوتى هديل الينابيع.. لسه فى قلبى صهيل المصباح.. لسه العالم حى رايح جى.. بيفرق بين الدكنة وبين الضى». كلمات استهل بها ابن النيل، عبدالرحمن الأبنودى، صاحب الملامح المصرية الممزوجة بلون طمى النيل، وخضرة أرض مصر، رائعته «الأحزان العادية»، التى عبّر خلالها عن حلم الثورة، والخلاص بها، وهو نفسه صاحب جوابات «حراجى القط»، التى عبرّت عن معاناة العمال والفلاحين البسطاء خلال فترة بناء السد العالى. وهو صاحب كلمات «عدى النهار» التى تغنى بها عبد الحليم حافظ عقب نكسة 1967، ليزرع من خلالها الأمل فى نهوض مصر مرة أخرى، ويؤكد أنها قادرة على مواجهة أزماتها، كما كان صاحب مبادرة جمع وتدوين السيرة الهلالية، لتشهد له بالبراعة والقدرة على نسج السير الشعبية بالمفردات الشعرية، وليقدم ملحمة خالدة فى تاريخ الشعر العربى، لم يسبقه إليها غيره من الشعراء المصريين والعرب. ولد الخال عبد الرحمن الأبنودى فى 11 إبريل 1938 بقرية أبنود فى محافظة قنا، وحصل على ليسانس اللغة العربية من كلية آداب القاهرة، حيث توسعت معارفه الأدبية فى العاصمة، وقرأ لكبار الشعراء، كالمتنبى وأبى العلاء المعرى، وتزوج المذيعة نهال كمال، التى أنجبت له ابنتيه آية ونور. بدأ الأبنودى تجاربه الشعرية باللهجة العامية منذ صغره، ونظم عددا من القصائد الوطنية، حيث تمكن ببراعة فائقة أن يلتقط فى شعره الخواص التعبيرية البسيطة للسان أهل بيئته، من البسطاء فى صعيد مصر، وأن يجسد أحلامهم وأمانيهم، ووحدة مجتمعهم الصعيدى، الذى كان المجال الحيوى الملهم لمعظم قصائده، وعلى يديه شهدت القصيدة العامية تطورا مهما، فنجحت أن تفرض وجودها على الساحة الشعرية والثقافية، فيما أصبح أول شاعر عامية يفوز بجائزة الدولة التقديرية فى عام 2001. وعاصر الأبنودى جيل الحداثة فى مصر الذى شهدت البلاد على يديه تحولات سياسية واجتماعية عميقة، خاصة فى عهدى الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ورغم انتقاده للنظامين خلال قصائده، وتعرضه للاعتقال أكثر من مرة، بينها مرة فى عام 1966، ضمن تنظيم شيوعى، قضى فيها 4 أشهر داخل سجن القلعة، إلا أنه ظل متحمسًا لعبد الناصر. وقدم الخال العديد من الأعمال الأدبية والشعرية، أشهرها السيرة الهلالية، التى جمعها من شعراء الصعيد، كما كتب العديد من الأغانى لعدد من المطربين الكبار، منهم عبد الحليم حافظ، ومحمد رشدى، وفايزة أحمد، ونجاة الصغيرة، وشادية، وصباح، ووردة، وماجدة الرومى، كما استطاع من خلال أغانيه الوطنية مع عبد الحليم حافظ أن يخلق واحدة من علامات الكفاح الوطنى فى كل أنحاء العالم العالمى، فظلت خالدة حتى رحل عن عالمنا فى 21 إبريل الماضى، بعد مشوار إبداعى طويل.