سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اهتمام ثقافي بالقضية الفلسطينية في 2015.. "المؤرخين الجدد" في إسرائيل تطالب بحل إنساني للصراع.. "الاختراق والصدع" سرد شيق لجوانب الصراع الفلسطيني ووضع الحلول
حظيت القضية الفلسطينية باهتمام ثقافي واضح في مصر والعالم العربي ككل خلال هذا العام الذي يستعد للرحيل، باعتبارها "قضية مركزية" غير أن هناك حاجة لقراءة ثقافية عربية متعمقة في دلالات تصاعد الثقافة الصهيونية المتعصبة التي توفر حاضنة لتنامي التطرف في المنطقة ككل وتمنح ذرائع لجماعات الإرهاب التي تهدد الأمن القومي العربي. وكان الكاتب والروائي المصري جمال الغيطاني الذي رحل في الثامن عشر من شهر أكتوبر الماضي قد حذر مرارا من خطورة الانعكاسات الإقليمية لتكريس الطابع الديني لإسرائيل. وهذا الاهتمام الثقافي ليس بالجديد لقضية تفرض نفسها على المثقفين والمبدعين العرب منذ عقود فيما كان الروائي العربي الراحل عبد الرحمن منيف الذي قضى بدمشق في مطلع عام 2004 مهتما بصورة لافتة بأبعاد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وعمد عبد الرحمن منيف في هذا السياق لاستعارة مقولة الشاعر والكاتب النوبلي الهندي الكبير طاغور:"لن يصبح الخطأ صوابا إن هو أصبح أقوى" وكذلك مقولته:"يصير تاريخ الإنسان منتظرا نصر الإنسان المهان"، مضيفا " وسوف ينتظر التاريخ حتى يجد الإنسان المهان طريقة يستطيع بها أن ينتزع حقه وأن يفرض على الآخرين احترام هذا الحق". واذ أبدى منيف اهتماما ملحوظا بالتيار المعادي داخل إسرائيل لسياسات اليمين الشاروني المتشدد فإنها رأى أن إسرائيل ليس بمقدورها إلغاء حقيقة الشعب الفلسطيني مشيرا إلى إمكانية حل الصراع على أساس الاعتراف بوجود شعبين. أما المفكر الإستراتيجي والعالم الجغرافي المصري الراحل جمال حمدان فرأى أن "قبول العرب نهائيا بضياع فلسطين سيكون اعترافا بل إعلانا من العرب عن حل العروبة والقومية العربية إلى الأبد، بمعنى أن أمة قررت حل نفسها واعتبار ذاتها ليست أمة، تماما كما أعلن الاتحاد السوفييتي حل نفسه وإنهاء وجوده كدولة" وهو مايصفه "بالانتحار السياسي والقومي". ومن الكتب اللافتة حول هذا الصراع المزمن كتاب "الاختراق والصدع" الذي تناول مؤلفه أحمد الشايب العديد من أبعاده برؤية ثقافية وتاريخية تستشرف المستقبل وتتلمس سبل حل الصراع عبر صفحات الكتاب التي تتجاوز ال400 صفحة وتوزعت على تسعة فصول. ومنذ البداية يلاحظ أحمد الشايب في كتابه أن أقوى ردود الأفعال الفلسطينية حيال مخطط هيرتزل في أواخر القرن التاسع عشر لإقامة دولة يهودية في فلسطين كانت صادرة عن الفلاحين الفلسطينيين المرتبطين بأرضهم بصورة أكبر مما يعرف بالأعيان. ويستعرض أحمد الشايب في هذا الكتاب المقاومة الفلسطينية منذ البدايات عقب موجة الهجرة الاستيطانية الأولى عام 1882 ويلاحظ أن الموجة الاستيطانية الثانية التي تزامنت مع بداية القرن العشرين كانت أكثر خشونة، وأسفرت عن تأسيس منظمة "هاشومير" أو "الحارس" التي ظهرت في عام 1907 وكانت أول نواة للقوة العسكرية الاستيطانية في فلسطين. ويرى مؤلف هذا الكتاب الهام أن الصدام منذ بداياته كان "صداما ثقافيا"، موضحا أن المستوطنين كانوا يخططون لجعل ثقافتهم اليهودية هي الثقافة الوحيدة في الأرض التي يريدون انتزاعها من الفلسطينيين، فيما اقترنت هذه النزعة للهيمنة الثقافية بتحركات حثيثة على الأرض للسيطرة سياسيا واقتصاديا وسكانيا وتهويد فلسطين بكل السبل والوسائل المتاحة. وألح قادة التيار الاستيطاني في فلسطين منذ البداية على أنهم "رواد الحضارة الغربية"، فيما عانى الفلسطينيون حينئذ من مشكلة غياب قيادات فلسطينية جديرة بالثقة و"الاعتماد على النوايا الطيبة لبريطانيا كقوة انتداب" حتى ظهرت قيادات في الريف الفلسطيني جاءت للمدن بثقافة المقاومة ورموز وايماءات ثقافية مثل "استبدال الكوفية بالطربوش كرمز لتأكيد الذات الفلسطينية". بمنظور تاريخي يمضي مؤلف كتاب "الاختراق والصدع" في سرد شيق لجوانب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والعمليات الإرهابية لتنظيمات يمينية صهيونية، مثل "عملية مالونتشيك" أو نسف فندق الملك دواود في القدس في صيف عام 1946 والتي تبناها تنظيم "أرجون" بقيادة مناحم بيجن تلميذ زئيف فلاديمير جابوتنيسكي مؤسس مايعرف "بالحركة التنقيحية"الذي قضى عام 1940. وهذه "الحركة التنقيحية" بأفكارها اليمينية المتطرفة حاضرة حتى الآن في رؤى كتلة الليكود اليمينية التي تمسك بزمام الحكم في إسرائيل وتتجه بها نحو ثقافة أكثر تشددا وعدوانية واقحاما للدين في السياسة كما تعبر عنها أيضا أفكار أحزاب مثل "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" و"شاس" و"التوراة" وبكل ماتعنيه هذه الثقافة اليمينية العدوانية من انعكاسات على أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها مع الاستمرار في المد الاستيطاني وإسقاط أي التزامات بإقامة دولة فلسطينية. وبلا جدال فإن مايحدث في إسرائيل من تصاعد لثقافة يمينية عدوانية يتطلب إعلاء ثقافة الاصطفاف العربي ودعم التضامن بين مكونات الجسد العربي ولعل جامعة الدول العربية - التي تجاوز عمرها ال70 عاما مدعوة الآن - لدور ثقافي أكبر ومقاومة ثقافية أكثر فاعلية للثقافة الصهيونية المتشددة بتجلياتها الاحتلالية وعمليات القولبة العقائدية المتعصبة ضد العرب. وقد تدعو الضرورة لقيام جامعة الدول العربية ببحث سبل تشجيع اتجاهات وتيارات داخل إسرائيل مناوئة للثقافة الصهيونية المتطرفة فضلا عن إقامة جسور حقيقية من التواصل البناء مع قوى وتيارات غربية في أوروبا والولاياتالمتحدة ترى أن تصاعد الثقافة الصهيونية المتطرفة يشكل تهديدا للسلام في العالم ككل. وهذه الثقافة المتطرفة تدفع في اتجاه إعلان إسرائيل كدولة لليهود وحدهم وإقصاء أي مكون عربي من هوية هذه الدولة باعتبارها باتت "الدولة القومية للشعب اليهودي" وتجسد القيم والمعتقدات الدينية اليهودية وبما يتضمنه ذلك من "فرض للرؤية اليهودية لتاريخ المنطقة". وفي المقابل فإن هناك تيارات سواء داخل إسرائيل أو بين اليهود في العالم ترى أن هناك حاجة للتخلص من سطوة "ثقافة الجيتو اليهودي" والتحرر من قيود الماضي الانعزالي من أجل الاندماج مع بقية البشر ولصالح اليهود انفسهم. وعلى سبيل المثال فان "حركة المؤرخين الجدد" في إسرائيل ومن إعلامها المؤرخ بني موريس تطالب "بحل إنساني للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني" وهي حركة مناوئة لما يعرف بأفكار "الصهيونية الجديدة" كما تعبر عنها ليمور ليفانت وزيرة التعليم السابقة في حكومة بنيامين نتنياهو والتي تنزع نحو إنكار وجود الفلسطينيين معيدة للأذهان ماقالته جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية عندما تساءلت في بدايات سبعينيات القرن الماضي عما إذا كان هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني ؟!. ورغم تصاعد واضح في الثقافة الصهيونية المتعصبة والعدوانية فان للمثقف المصري والعربي أن يدرك أن الحكمة الإنسانية ستنتصر والأهداف النبيلة لابد وان تتحقق يوما ما في منطقة عانت طويلا من الظلم والخيارات المشوهة والايديولوجيات المتطرفة حتى بلغت الحيرة مداها واستبدت الفوضى في الإقليم. ولكن هناك مايدعو بالحاح لرصد دقيق وقراءة متعمقة في الصهيونية كثقافة احتلالية وعقيدة استيطانية وأيديولوجية للدولة العبرية تمر بمتغيرات بقدر ماتواجه تحديات وتفرز ظواهر وظواهر مضادة حتى بات السؤال يتردد اليوم:"الصهيونية إلى أين"؟!. ومن الأهمية بمكان قراءة الصهيونية في سياق عالمي يتفق كثير من المحللين على أنه يمر بلحظات تحول من نظام قديم يسقط لنظام جديد لم تتضح بعد كل ملامحه في عالم ملييء بالمتغيرات وقد لاتنفرد الولاياتالمتحدة بقيادته المستقبلية واذا كان مفكر سياسي مصري مثل الدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد وضع يوما ما طروحات بشأن إمكانية حل الصراع العربي - الإسرائيلي عبر تفريغ إسرائيل من ايديولوجيتها الصهيونية فان أحمد الشايب يذهب في كتابه "الاختراق والصدع" إلى أن "التشدد أثبت صلاحيته في إسرائيل حتى الآن أما دعاة المصالحة هناك فمازالوا أقلية صغيرة". فإسرائيل اليوم تبدو غير قادرة بنفسها على التخلي عن رسالتها أو تعديلها لأن القوى الصهيونية التي أنشأتها قد حبستها في هذا الطريق الذي هو طريق الصهيونية" كما أن قادة إسرائيل لا يريدون ذلك لأنهم هم انفسهم كانوا أعضاء في الحركة الصهيونية. وبالتالي فان أي مبادرة يجب أن تواجه وتعدل بشكل حاسم مايسمى "مهمة إسرائيل الصهيونية" والتخلي عما يسمى "بإسرائيل الكبرى" فيما يضيف أحمد الشايب في كتابه أن "هذا التشدد لايمكن أن يصح للأبد" مستشهدا بمقولة لوزير الخارجية الأمريكي السابق والأشهر هنري كيسنجر عندما قال للفيف من قادة إسرائيل في لحظة مواجهة ومصارحة:"أنه لمن المؤلم أن نرى أناسا يقودون انفسهم إلى تهلكة خطر لايصدق". ومن المأمول كما يقول مؤلف كتاب "الاختراق والصدع" أن يأتي وقت في نهاية المطاف يناضل فيه مزيد من الإسرائيليين إلى جانب الفلسطينيين وصولا للدولة الديمقراطية للشعبين معا بدلا من النزعة اليمينية المتشددة التي تعرف إسرائيل باعتبارها "دولة يهودية ذات خصائص صهيونية". واذ تتوالى الأنباء حول عزم السلطات الإسرائيلية تنفيذ مشاريع استيطانية جديدة وخاصة في القدسالشرقيةالمحتلة فيما تحدث رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو عن "تغيرات جوهرية " تشهدها منطقة الشرق الأوسط متمسكا بضرورة "اعتراف الفلسطينيين بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل" تبقى الحاجة لمزيد من الإسهامات الثقافية المصرية والعربية حول القضية الفلسطينية على نحو مافعل أحمد الشايب في كتابه "الاختراق والصدع".