رحل عن عالمنا، اليوم الثلاثاء، الروائي والناقد والمترجم الكبير إداور الخراط عن عُمر ناهز التاسعة والثمانين، بعد عدة أيام قضاها في مستشفى الأنجلو، إثر متاعب صحية شديدة. وتستعد الآن كنيسة الدوبارة لاستقبال جثمانه وإقامة القداس لروحه -حيث يُنقل بعدها للدفن في مقابر برج العرب بالإسكندرية- بعد رحلة أدبية أسفرت عن العديد من الأعمال النقدية والإبداعية التي شارك بها في تأسيس تيار الحداثة في القصة والرواية العربية، وحفر بها اسمه كواحد من أهم مُبدعي جيل الستينيات. ولد الخراط في مدينة الإسكندرية في 16 مارس عام 1926 لعائلة قبطية ترجع أصولها إلى الصعيد؛ وبعد أن حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية في عمر العشرين عاما، بدأ العمل في مخازن البحرية البريطانية في الكباري بالإسكندرية، ثم موظفًا في فرع البنك الأهلي بالمدينة نفسها، وانتقل بعدها للعمل موظفًا بشركة التأمين الأهلية المصرية وهو في التاسعة والعشرين من عمره، حتى انتقل إلى القاهرة ليعمل مترجمًا بالسفارة الرومانية. كان الخراط ثوريًا، انخرط في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946، وتم اعتقاله في مايو 1948، ليقبع فترة في معتقلي أبو قير والطور، وخرج بعدها ليعمل في منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية في منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين، واستمر في عمله إلى أن جاء عام 1983 الذي قرر فيه أن يتفرغ لكتابة القصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة؛ وجاءت أعماله ممثلة لتيار يرفض الواقعية الاجتماعية التي جسّدتها أعمال الأديب الراحل نجيب محفوظ في الخمسينات، ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر لل"حساسية الجديدة" في مصر بعد نكسة يونيو. كانت أول مجموعة قصصية للخراط "الحيطان العالية" والتي صدرت عام 1959 تُشكل منعطفًا حاسمًا في القصة العربية، والتي ابتعد فيها عن الواقعية السائدة آنذاك وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، وهو ما أكدته مجموعته الثانية "ساعات الكبرياء" لتصل هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط في عالم مليء بالظلم والاضطهاد والفساد؛ بينما شّكلت روايته الأولى "رامة والتِنِّين" التي تأخر في إصدارها حتى عام 1980 حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، فتبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية من التاريخ، وتتنوع بين فرعونية ويونانية وإسلامية. ثم أعاد الخراط الكرة ب"الزمان الآخر" بعدها بخمس سنوات، لتتوالى العديد من القصص والروايات التي جاءت متحررة من اللاعتبارات الإيديولوجية التي كانت سائدة من قبل. وأصدر الخراط أكثر من خمسين كتابًا تنوعت بين القصة والشعر والنقد منها "حيطان عالية، رامة والتنين، الزمن الآخر، أضلاع الصحراء، يقين العطش"، كما قام بترجمة أربعة عشر كتاب إلى اللغة العربية، إضافة إلى عدد من المسرحيات والدراسات. وحصد إدوار الخراط عدة جوائز منها جائزة الدولة عن المجموعة القصصية "ساعات الكبرياء" عام 1972، وجائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1973.