شهدت مكتبة الإسكندرية ضمن فعاليات مؤتمر "الثقافة العربية استحقاقات مستقبل حائر"، والذي يشارك فيه ما يزيد عن 300 مثقف مصري وعربي، جلسة بعنوان "إشكالية الثقافة والدين.. السؤال القديم الجديد"، وتحدث فيها كل من الدكتورة منى فياض؛ الكاتبة والأستاذة الجامعية، والشيخ محمد يحيى الكتاني؛ عالم الأزهر، والدكتور محمد جلال؛ أستاذ الرياضيات وتاريخ العلوم، والأستاذ الجزائري الدكتور خالد عمر. أدار الجلسة الأديب الدكتور بن سالم بن حميش، الذي أكد أن هذه الجلسة تحاول الإجابة على عدة أسئلة، أهمها حول العلاقة بين الدين والسياسة، هل هي علاقة تضارب أم تعايش وتكامل؟ وما هي امكانية الاحتكام الديمقراطي لوضع نوع من التكامل والتعايش بين ممثلي الدين وممثلي السياسة؟ وفي كلمتها، تحدثت الدكتورة منى فياض عن علاقة الدين بالسياسة، مبينة أن الدولة الوطنية هي التي استعانت بالدين بسبب عدم ثقتها في شرعيتها، وفشلها على مستوى الأمن القومي والاجتماعي والتنموي، واللجوء لقمع الحريات. وأكدت أن الدولة الوطنية لجأت للدين ورفعت شعار "الإسلام هو الحل" دون وجود إستراتيجية أو فكر أو برامج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للتطبيق. وأضافت أن الدين أعطى الدولة الشرعية، ومن هنا امتزج دور الدولة بالشريعة، وانقطعت التجربة الإسلامية التقليدية وظهر الإسلام السياسي الذي لا يعرف التمييز بين الديني والسياسي. وأكد أن هذا الفصل أدى إلى التمييز وفشل التنمية ونهب الثروات واستبداد الدولة وعدم اعترافها بالآخر. ولفتت إلى أن الثقافة هي رؤية للعالم وطريق للتعامل مع الآخر، وهي تعبر عن جوانب المجتمع بما فيه نظامه السياسي، مؤكدة أن الدين هو جزء من المعتقدات التي تشكل بدورها الثقافة، إلى جانب الديمقراطية والتعددية التي تعد أحد شروط التنمية. وقالت إن فصل الدين عن الدولة ليس ضد الدين لكن لإعطائه مكانته المستحقة وعدم تلويثه بالسياسة. من جانبه، قال الشيخ محمد يحيى الكتاني إن الثقافة لها أكثر من 150 تعريفًا، مبينًا أن الإسلام هو الدين الذي يصنع الثقافة، فالدين الذي جاءت "أقرأ" في أول آيات كتابه هو دين قادر على صنع الثقافة وبناء الأمة وتكوين الحضارة. وأكد أن الدين ليس بديلًا عن الثقافة، فهو يوجه الدعوة للإنسان بالنهوض والتهذيب. ولفت إلى أن الثقافة هي ثمرة المعارف جميعًا، وأساس كل الثقافة هو الدين بمعناه العام، فالدين هو أصل الثقافة، لأن العقائد مغروزة في فطرة الإنسان، سواء كانت فطرية أو مكتسبة، مشيرًا إلى أن أعمدة الثقافة هي الإيمان والعمل والانتماء. وأضاف أن الثقافة تعد إرث تاريخي لكل أمة، وأنها غير قابلة للعولمة، فكل محاولات عولمة الثقافة تسعى لبسط الهيمنة على الثقافات الأخرى بطمسها أو تحييدها. وأشار إلى أن الثقافات والحضارات لا يمكن أن يكون بينها صدام أو صراع، فالقرآن الكريم حث على الحوار والتعارف بين الحضارات. وأضاف أن مصطلح الثقافة العالمية المشتركة هو تدليس يراد به شيوع سيطرة أمة غالبة على أمة مغلوبة، فالثقافات المتباينة تتحاور وتتناقش لكنها لا تتداخل. وأكد أن القصور المعرفي الشديد هو سبب التوهم أن هناك فصل بين الدين والثقافة، مبينًا أن الإصلاح يبدأ من نقد الذات وإصلاحها وتوجيه الأفكار. ودعا مكتبة الإسكندرية أن تتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف لتثقيف الدعاة تثقيفًا حقيقيًا يستطيع مواكبة العصر. وفي كلمته، قال الدكتور محمد جلال إن كل المشاريع الفكرية في الوطن العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن انصرفت إلى مشروع واحد؛ وهو زرع الحداثة في التربة العربية أو التوفيق بينهما. ولفت إلى وجود محاولات لدمج الثقافة العربية في الإنتاج الثقافي الغربي، وزاد من هذه الإشكالية الجهل باللغة العربية في أوساط النخب، مما أحدث شرخًا في مثلث المعرفة واللغة ونظرة العالم. وأكد أن الثقافة العربية في حالة غيبوبة مسئول عنها النخب التي تحاول أن تعمم النظرة الغربية للعلم، أو الفكر الديني الذي يتجاهل التاريخ وآليات عمل الثقافة العربية والتركيز على الأحكام والتشريع وعدم مراعاة خصوصية الثقافة العربية من حيث الاختلاف والتعددية والاستقلال. وطرح مفهوم مغاير للثقافة العربية، مبينًا أنها تنقسم إلى جناحين: ثقافة عربية حضرية وثقافة أعرابية بدوية. فالثقافة العربية تنقل عن الثقافة الغربية من خلال الترجمة، والثقافة الأعرابية موجودة لكنها تصارع وسط الشعور بالغربة في الداخل والخارج. وتحدث الدكتور خالد عمر عن واقع الثقافة العربية، مبينًا أن الثقافة العربية تعاني من ثلاثة إشكاليات؛ وهي التقسيم، وطرح مسألة الدويلات، والفتنة التي تظهر في شكل مشكلة الأقليات. وجاءت الجلسة الثانية بعنوان "المؤسسات الثقافية في الوطن العربي"، تحدث فيها كل من الكاتب الكويتي الدكتور حامد الحمود؛ والدكتور طارق الشليل؛ نائب رئيس جمعية المكتبات والمعلومات السعودية، والدكتور شريف منجود؛ الشاعر ورئيس رابطة الخان الثقافية. أدار الجلسة الدكتورة أمل الصبان؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. وتحدث الدكتور حامد الحمود عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، مبينًا أنها تسعى إلى تحديد احتياجات التطوير والاحتياجات من الموارد البشرية للعناصر المختلفة لمنظومة العلوم والتكنولوجيا والابتكار، لافتًا إلى أنها تقوم بالعمل على نشر الثقافة العلمية من خلال نشر "مجلة العلوم" و"مجلة التقدم العلمي" وغيرها، كما أنها تسعى إلى إعطاء الفرصة للباحثين الكويتيين للمساهمة في المؤتمرات الدولية. وأضاف أن المؤسسة تدعم تنظيم المؤتمرات العلمية والبحوث في مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية والطبية، كما أنها أسست مركز صباح الأحمد للإبداع لتشجيع الاختراعات على مستوى طلاب المدارس. ولفت إلى أن المؤسسة تنظم دورات لتطوير أداء العاملين في القطاع الخاص. وفي كلمته، تحدث الدكتور طارق الشليل عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة كنموذج لمؤسسات المعلومات الثقافية، مبينًا أنها تضم عدد هائل من المقتنيات، استفاد منها أكثر من أربعة ملايين مستخدم منذ الإنشاء، وهي تنظم أنشطة ومشاريع ثقافية بلغ عددها 659 نشاط في العام الماضي. وأوضح أن المكتبة تقدم دور يختلف عن الدور التقليدي، منها مشروع رائد يخدم الثقافة العربية، مشروع مركز الفهرس العربي الموحد؛ وهو مشروع للفهارس العربية يتم بالتنسيق مع جميع المؤسسات الثقافية لإتاحة جميع مصادر الإنتاج الفكري العربي في قاعدة عربية موحدة. ولفت إلى أن المكتبة قامت مؤخرًا بمشروع "المكتبة الرقمية العربية" وهو قائم على نفس مواصفات الفهرس حيث يستطيع أي قارئ الاطلاع على محتوى الكتب المتاحة على المكتبة. وقدم الشليل مجموعة من التوصيات التي تساهم في تطوير مكتبات المعلومات؛ أهمها ضرورة العمل بروح الفريق الواحد حتى لا تتكرر الجهود، وتقديم الدعم الحكومي للمكتبات بالشراكة مع القطاع الخاص، والعمل على مشاركة المؤسسات الأكاديمية في عمل المكتبات، وعمل دراسات استطلاعية لمعرفة ميول المتلقين، وإبراز دور المؤسسات الثقافية، وتكييف المكتبات على الواقع الرقمي الجديد. وتناول الدكتور شريف منجود التحديات التي تواجه المؤسسات الثقافية، مشددًا على أهمية دور المؤسسات الثقافية في مجابهة التيارات الفكرية الدينية المتأصلة في المجتمع والتي استفادت من انعزال المثقف عن الشارع، بينما استطاعت المؤسسات الثقافية أن تصل للجمهور وتتواصل معه. ولفت إلى أننا في مصر نتبع النموذج الفرنسي في تنظيم المؤسسات الثقافية والذي يقوم على إعطاء الدولة دور في دعم المؤسسات الثقافية بعكس النموذج الأمريكي الذي يعتبر الثقافة منتج تتفاعل معه المؤسسات الخاصة بعيدًا عن الدولة. وأضاف أن المؤسسات في مصر تنقسم إلى مؤسسات تابعة للحكومة وأخرى خاصة. ويرى منجود أن المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة هي بعيدة كل البعد عن الشارع، بينما تحاول المؤسسات الخاصة تقديم نشاط ثقافي وخدمي للجمهور لكنها تواجه العديد من المشكلات؛ أهمها القانون، والإعلام، والدعم.