اعتقدت جميع القوى الثورية والحزبية بأن إجراء الانتخابات الرئاسية هي نقطة الانطلاق نحو الاستقرار المفقود وإعادة الأمن مرة أخرى للبلاد، وأن الرئيس القادم لن يقوم بأي حال من الأحوال بالحكم منفردًا، كما أن الانتخابات هي نهاية حكم العسكر في مصر وتسليم السلطة لرئيس مدني منتخب سيعمل على إجراء حوار وطني حقيقي بين جميع فئات الشعب، وإعداد دستور توافقي يعبر عن روح ومبادئ وأهداف ثورة ال 25 يناير، بالإضافة إلى تلبية احتياجات الشعب وتحقيق تقدم على المستويات الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وعودة مصر إلى مكانتها ودورها الإقليمي الطبيعي، وأخيرًا استقلال تام في عملية صنع القرار ورسم السياسة الخارجية المصرية التي عانت من تدخلات دولية كثيرة قبل الثورة، وهو ما لم يحدث بعد انتخاب الدكتور مرسي الذي يعاني من التدخلات الخارجية والداخلية. وبدون الدخول في تفاصيل أكثر من ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هنا أيهما أجدى لجبهة الإنقاذ؟ مقاطعة العملية الانتخابية أم المشاركة فيها؟ وفي الحقيقة أشارت دراسة متخصصة ل“,”جوديت كيلي“,” من جامعة دورهام البريطانية حول دراسة السياسات المقارنة أجريت يوليو 2012 إلى أن “,”مقاطعة المعارضة أو الشعب للانتخابات قد تتقلص في حال تعزز دور المراقبين الدوليين للانتخابات بهدف ضمان نزاهتها وعدم تشكيك أي طرف فيها، وأنه ليس هناك مبرر واضح لمقاطعة الانتخابات إذا كانت السلطة لا تمنع مشاركة المعارضة فيها وأن مشاركتها في الانتخابات أفضل من مقاطعتها“,”. ويرى البعض أن المقاطعة مهمة، لأنها تقلل من جودة الانتخابات عن طريق الحد من الاختيار، وقد رأى البعض الآخر أنها قد تعرقل عملية التحول الديمقراطي مثل الكاتب شارلز ليندبرغ، وقد اعتبرت دراسة كيلي أن عواقب مقاطعة الانتخابات لها تبعات معقدة على مسار إرساء الديمقراطية، كما أن مقاطعة المعارضة تغير من طبيعة الانتخابات بوضوح، خصوصا على مستوى الطرق التي يحتمل أن تكون لها آثار مهمة للمنافسة السياسية. ويقول الكاتب الأمريكي ليندبرغ: لدى أحزاب المعارضة الدافع الكافي للمشاركة في الانتخابات لاكتساب الخبرة والرؤية واكتساب موطئ قدم في البرلمان حتى لو تضاءلت حصتها من الأصوات، وبين أنه على المدى الطويل العديد من أحزاب المعارضة هي أفضل حالا عند المشاركة في الانتخابات. وحول مقاطعة الانتخابات، أكد مركز التحليل السياسي الأوروبي على بوابة “,”أوروبا“,” على الإنترنت في ورقة له حول الانتخابات في العالم وفي مقاطعة بورما الصينية خصوصا 2010 (قاطع أو شارك)، أن “,”مقاطعة الانتخابات قد تؤدي إلى الصدام، وبالتالي إلى العنف وأن مشاركة المعارضة في الانتخابات تخلق الحوار، وقد تؤدي إلى التغيير السلمي“,”، وأظهرت الورقة الأوروبية حول مقاطعة الانتخابات أنه “,”لن يكون هناك أي حاجة لإجراء نقاش في حال المقاطعة، فهي من شأنها أن تظهر بوضوح أن العملية هي مجرد خدعة، وبذلك قد تتسبب في تدفق الغضب الشعبي في العالم بحجة استعادة الديمقراطية“,”. وقد خلصت دراسة أمريكية أعدها قسم السياسة في جامعة نيويورك تحت عنوان “,”نظرية المقاطعة الرسمية للانتخابات“,” في أكتوبر 2010 إلى أنه من الضروري التفكير مليا في التفاعل الاستراتيجي بين المعارضة والحكومة، نظرية اللعبة هي واحدة من أفضل الأدوات لفهم هذا التفاعل الاستراتيجي، ويقول الخبير القانوني الأمريكي جون براتون ضمن الدراسة إن مقاطعة المعارضة كانت وسيلة مؤكدة النجاح لجعل الانتخابات موضع شك، وأنه على الأقل مقاطعة المعارضة مؤشر على عدم وجود اتفاق كامل على قواعد اللعبة السياسية. من ناحية أخرى، يعتقد روبرت باستور بجامعة نيويورك في الدراسة نفسها، أن مقاطعة الانتخابات هي إشارة تدل على أن المعارضة ضعيفة تنسحب من الانتخابات خوفا من الهزيمة الانتخابية، وذكرت الدراسة أن “,”نتيجة الشرعية هو استقرار نظام معتبرة أن الشرعية تسمح للمواطنين بالتأثير في عملية التغيير، لكن ضمن قنوات مؤسسية للتغيير أو التغيير من خلال معارضة في البرلمان تسعى لبناء الدولة. والخلاصة، فإنه من الأفضل لجبهة الإنقاذ أن تحسم موقفها مبكرة بالإيجاب أو السلب من العملية الانتخابية، فإذا كان موقفها المشاركة، فعليها سرعة الاتصال بالجماهير في المحافظات المختلفة ومساعدة مرشحيها بعقد مؤتمرات يحضرها قيادات الجبهة، ولا مانع أن ترفع الجبهة شعار “,”الإسلام هو الحل“,”، وهو ما سنفرد له المقال القادم.