قبل ترك الرقيب الذي رفض تمثيليتى قال خافضا صوته «يعنى عاجبك اللى حاصل في البلد دلوقت واللى بيحصل فيها؟»! وراح يكيل النقد للأوضاع الجارية، ولكننى لم أجاره ولو بنص كلمة، فهو كان يريد أن يستدرجنى ليوقع بى. انشغلت بعملى بجريدة «العمال» وبجانب مسئوليتى عن صفحتها الأدبية وكتابتى مقالات بها وخواطر أدبية وسياسية وفنية أسند إلىّ بعدها فحص قصص القراء وكتابة نصائح لهم أو نشر ما أراه صالحا للنشر، فعملت مسابقة للقصة القصيرة، وأصبحت الصفحة مثار إعجاب القراء، خصوصا الأدباء الشبان من الأقاليم، بينما أنا ما زلت في السنة الثانية بمعهد الفنون المسرحية، وأواصل كتابة القصص والتمثيليات للتليفزيون والمسرحيات على أمل أن تجد فرصتها. وتقدمت بعدها بقليل بتمثيلية باسم ولو بعد «مصنع الحب»، وكما يبدو من اسمها تناقش موضوع الحب فقط. ولكننى كنت أضع يدى على قلبى خوفا من تكرار الرفض عموما، لكنها مرت من الرقابة مع بعض حذف لعبارات لا تُحذف، فالرقباء لا بد أن يشتغلوا! ونجحت التمثيلية، وكتب عدد من النقاد يمدحونها منهم الأستاذ لويس جريس وغيره. ونشرت أمى موضوعا ب«رزواليوسف» عن المرأة. أعجب إحسان عبدالقدوس، واقترح عليها أن تكمله كرواية على حلقات، ونشرت في كتاب باسم «اعترافات امرأة مسترجلة»، وأعجب المخرج سعد عرفة، فجاء ليأخذ القصة ويعرضها في فيلم. ولكن المخرج الذي أعجبه «مصنع الحب» لم يعجبه محاولتى لعمل معالجة للفيلم، ولم يعجبنى معالجته له، وظهر الفيلم وكان سيئا جدا من كل النواحى، وهذا لم يكن رأيى وحدى، وإنما أجمع عليها النقاد، بل تندروا عليه بسخرية. وهنا أقفز سنوات عندما أخذ منى عادل أمام سيناريو فيلم «بخيت وعديلة»، وجاء بالمخرج شريف عرفة -والد سعد عرفة المذكور- لإخراجه، فراح يقول أمامى إن بطلة الفيلم دورها أكبر من دوره، فقال عادل إنه موافق، ثم تحدث عن بعض مشاهد لم تعجبه فخالفه عادل. وانتهى الأمر بتركه الفيلم، وأعود ثانية إلى عام 1972 فقد كتبت اعترافات امرأة في سباعية للتليفزيون باسم «امرأة متمردة». أثناء هذا سجلت في مذكراتى في يونيو 68 أننى «غير راضٍ عن نفسى وأشك هل أصلح للكتابة؟!» وفى مرة أخرى أسجل «الكتابة للتليفزيون قد يكون فيها القضاء على وهم يحاربوننى هناك»، ولم أكن مضروبا بعقدة الاضطهاد، ولكنها كانت الحقيقة فسوف يرفض التليفزيون ثلاث تمثيليات لى في وقت واحد هي «لا وقت للخوف» وكان مخرجها هو «إبراهيم الصحن» المخرج القدير والمسئول عن إنتاج المسلسلات و«فرصة سعيدة»، وهى قصة قصيرة كنت قد نشرتها بجريدة «العمال»، ثم حولت قصة امرأة مسترجلة الذي عرض كفيلم إلى سباعية باسم «امرأة متمردة». ولكن الأعمال الثلاثة رفضت من قبل الرقابة دفعة واحدة، ولم يكن هناك أي مبررات لهذا الرفض، فكلها ليست بها رائحة السياسة من قريب أو بعيد. ولم يتدخل المسئول عن إنتاج المسلسلات المخرج القدير «إبراهيم الصحن» مع إنه كان يحضر لإخراجها بنفسه، والثانية كان تعليق الرقابة مضحكا بامتياز فعندما ناقشت الرقيب في سبب المنع قال إنه لا يوجد بها أي شىء يمنع، لكنهم يخشون أن يظهر عند عرضها شىء لم يكتشفوه من خلال النص. فسألت الرقيب ساخرا «شىء مثل ماذا؟ ديناميت مثلا أو مفرقعات؟ فرد بأنه لا يعلم لكنه يتمسك بالحيطة حتى لا يحاسب فيما بعد». كانت التمثيلية حول سيدة تلتقى شخصا كانت تحبه، لكن دبرت له جريمة اختلاس، وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما، ولما أفرج عنه لبراءته كانت قد تزوجت بضغط من أسرتها، والآن تراه من ظهره دون أن يراها فتتخيل ثلاثة مشاهد لما قد يقوله لها أو تقوله له. فمرة تراه غاضبا منها، لأنها تخلت عنه، ومرة محايدا ولطيفا لكنه لا يتحدث عن الماضى، وفى المرة الثالثة يقول إنه ما زال يحبها ويريد أن يتزوجها، فتعتذر له، لأنها متزوجة ولديها طفلان، وعندما يراها في الواقع يصافحها ويسأل عن حالها في جملة، ثم يعجز عن أن يضيف شيئا فينصرف مع شخص كان ينتظره. ورفض العمل الثالث وهو سباعية «امرأة متمردة»، لأن السيناريو لم يعجب الرقباء! كأنهم يعملون أسطوات في فن الدراما لا الرقابة! وأشتكى المخرج للمسئول عن النصوص من الناحية الدرامية الذي عين مؤخرا، ليكون حكما بيننا وبين الرقابة. وقبل الموعد عرفت أن الرجل كان ضابطا بالشرطة ثم تركها، لأنه فضل أن يعمل بكتابة المسلسلات والأفلام والتمثيليات، فتوجست خيفة، لأنه شرطى، ولأنه يكتب الأعمال الدرامية والمثل يقول «عدوك ابن كارك»، وعلمت أنه اسمه «ممدوح الليثى»!