فى منزل لا صوت فيه يعلو على نبرات التزمت الدينى، نشأت «عائشة» بين أب لا يعرف إلا فرض القيود بحجة تنفيذ تعاليم الدين، و4 أشقاء عاشوا معها المعاناة ذاتها، ورغم أنها فى أواخر عقدها الثانى، إلا أنها حملت من الهموم ما أثقل كاهلها وقادها لساحات محاكم الأسرة. عائشة لم تعش طفولة كغيرها من الفتيات، بل كانت بائسة للغاية، إذ فرض عليها ارتداء النقاب فى سن مبكرة جدا، وحرم عليها وعلى أباها بيتها من النساء التعامل مع الرجال، لأن أباها يرى فى الاختلاط ما يشوب الإيمان، لذا كان يسعى طيلة الوقت إلى زواجهن لرجل يشبهه، يرتدى الجلباب الأبيض، ويطلق لحيته، ويمنع ويسمح باسم الله والشرع. التقينا عائشة فى ساحة محكمة الأسرة بزيها الفضفاض، جالسة أمام موظفة التسوية، لا أحد يعرف ملامحها لأنها ترتدى النقاب، وكل ما يمكن تمييزه هو صوتها فقط، وبدأت تروى تفاصيل معاناتها قائلة: «أنا صاحبة أصغر فترة زواج، ولدت داخل أسرة متدينة، الأب متشدد فى كل شيء، لدرجة أنه يمنع أهل بيته من الاختلاط والتعامل مع الآخرين، وأجبرنا على ارتداء النقاب فى سن صغيرة، وكان كل ما يشغل باله هو أن يزوجنا بأشخاص يطبقون شرع الله، وفى مرحلة الثانوية حضر أحد الأشخاص إلى المنزل، وطلب أن يتزوجنى من والدى، على الفور وافق دون أن يأخذ رأيى، لأن العريس نجل صديق له متزمت أيضا، وأسرته لا تختلف عن أسرتى كثيرا، وخلال أيام تمت الخطوبة وتحديد ميعاد عقد القران، بعد أن أنتهى من الثانوية العامة، أى بعد أن أتجاوز السن القانونية». وأضافت الفتاة: «انتقلت إلى منزل زوجى بعد الانتهاء من مراسم الفرح الإسلامى الذى أقامه أهل العريس، وهناك وجدت نفسى فى بيت عائلة، ولأنى غير معتادة على الوضع شعرت فى الأيام الأولى بأن الأمر غريب علىّ، وبدأ يتعامل معى زوجى باعتبارى أداة يحركها كما يشاء، وخلال الشهر الأول اكتشفت حقيقة زوجى، فهو عبارة عن شخص متسلط لا يحترم زوجته، دائما يعتدى عليّ بالضرب والسب، ولما حاولت أن أستنجد بأحد من أهله لم أجد من يرده، بل كان هناك من يحرضه دوما على ممارسة كل أنواع العنف معى، وبعد مرور 4 أشهر على زواجى، اكتشفت أننى حامل، وهنا صعقت، لم أعرف وقتها طعم الفرح لأننى سأكون أما، بل زادت مخاوفى بسبب ما أعيشه من معاناة أرفض تماما أن يكون طفلى ضحية جديدة لها، لذا قررت الصمت وهو ما اعتبره زوجى عجزا منى، وقرر أن يتزوج مرة أخرى، ولما واجهته لم ينكر، وقال إن الشرع سمح له بالزواج من أربعة، ورفض أن يطلقنى، لذا لجأت إلى محكمة الأسرة لرفع دعوى طلاق للضرر، وبالفعل استجابت المحكمة لرغبتى، ووافق الزوج على الطلاق شريطة التنازل عن الدعوى المقامة ضده».