المُجتمع الاستثمارى يترقب مولد الشباك الواحد. أسابيع قليلة ويتم الانتهاء من ربط هيئة الاستثمار إلكترونيًا بمختلف الهيئات والمصالح الحكومية، وذلك الربط سيُنهى إجراءات اللف على الهيئات للحصول على موافقتها، وسيختصر وقتًا وجهدًا ومالًا كان يتم إهدارها فى سبيل تأسيس مشروع جديد. كان قانون الاستثمار قد نص على إنشاء شباك واحد لكافة التراخيص يتعامل معه المستثمر بدلًا من ذهابه إلى كل جهة على حدة للحصول على موافقتها. ورغم ذلك، فإن كثيرًا من المُستثمرين ورجال المال والأعمال يرون أن الشباك الواحد وحده لن يجذب استثمارات جديدة، سواء أجنبية أو محلية، وأن مناخ الاستثمار ما زال يحتاج إلى عوامل جذب. فى الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الولاياتالمتحدة دار حديث موسع بينه وبين عدد من رؤساء وممثلى الشركات العالمية الكبرى، مثل «أباتشى وبيبسيكو وجنرال إليكتريك وباك أند فيتش»، حول الاستثمار فى مصر. وكانت المفاجأة أن أحدًا من المُستثمرين العالميين لم يلتفت إلى الشباك الواحد للموافقات والتراخيص باعتباره محفزًا للاستثمار فى مصر، وسألوا الرئيس عن أمور أخرى اعتبروها ضارة بالاستثمار. لقد ذكر أحد رؤساء الشركات العالمية أن تذبذب سعر صرف الدولار وعدم استقراره عامل طارد للاستثمار الأجنبى، الذى يضع دراساته المبدئية طبقا لسعر الصرف، الذى سرعان ما يتغير من عام لآخر نتيجة ارتفاع الطلب على العرض للعملات الصعبة فى السوق المصرية. وقال آخر للرئيس إنه ما زالت هُناك مُشكلة فى توفير كامل احتياجات المصانع والمنشآت الاستثمارية من الغاز والطاقة، وهو ما يُكبد كثيرًا من الشركات خسائر فادحة. وجاء رد الرئيس على ممثلى الشركات العالمية مُطمئنًا وموضحًا أن هناك استراتيجية للطاقة تستهدف توفيرها لكافة المشروعات، خاصة أنه سيتوفر خلال شهور قليلة إنتاج للطاقة المتجددة عن طريق الرياح والطاقة الشمسية. كما أن البنك المركزى المسئول عن تنفيذ السياسة النقدية تعهد بتحقيق الاستقرار فى سوق الصرف خلال عام 2016 لتراجع الطلب على الدولار بعد سداد كامل الوديعة القطرية البالغة 6 مليارات دولار. وعلى الرغم من ذلك فإنه ما زالت هُناك مشكلات وعقبات تواجه الاستثمارات الجديدة فى مصر، بما يعنى أن قانون الاستثمار الجديد وحده ليس مُجدياً، وأن الشباك الواحد فقط ليس كافيًا لجذب استثمارات جديدية وتوليد فرص عمل إضافية. محمد جنيدى، نقيب المستثمرين الصناعيين ورئيس جمعية مستثمرى 6 أكتوبر، يرى أن الشباك الواحد فقط ليس ما يتمناه المستثمرون لأن هناك بيئة تشريعية تحكم منظومة الاستثمار تحتاج إلى تعديلات وتغييرات واسعة. وفى رأيه فإن الحفاظ على الاستثمارات القائمة ومنع تعثرها ومساعدتها على التوسع والتمدد أهم كثيرًا من جذب استثمارات جديدة. ومن هُنا فإنه يرى ضرورة البحث فى أسباب تعثر وتوقف عشرات المصانع فى المدن الصناعية الجديدة، مؤكدًا أن علاج تلك الأسباب لاشك سيمثل إضافات إيجابية لمناخ الاستثمار. ويتفق محمد البهى، رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات، مع الرأى القائل بأن مناخ الاستثمار لا يقتصر على فكرة منح التراخيص وتيسيير تعامل المستثمر مع شباك واحد فقط. ويقول إن تقديم موافقات الجهات الحكومية من خلال شباك واحد أمر مهم وضرورى، لكن هناك كثيرًا من القضايا التى تحتاج قواعد وتيسيرات واضحة للمستثمرين، مثل قواعد تخصيص الأراضى، وكيفية ترفيقها، وسبل توفير الطاقة اللازمة لها، وسبل إلحاق العمالة بها، وكيفية التشغيل والمواصفات الحاكمة لعملية التشغيل، وبعض التضارب فى المنشورات الخاصة بالمحاسبة الضريبية، وكل ذلك يستلزم التعامل مع الاستثمار كمنظومة واحدة تختص بها وزارات الاستثمار والتجارة والصناعة والمالية من خلال لجان للتنسيق بحيث تعمل الوزارات فى هذا الملف كمؤسسة واحدة. ويؤكد أن الشهور الماضية شهدت كثيرًا من التخبط من جانب الحكومة فى التعامل مع قضايا الاستثمار والقطاع الاقتصادى، وهو ما تمثل فى إعداد عدة قوانين للاستثمار والتأرجح عدة أشهر بين إصدار قانون جديد أو إجراء تعديلات على القانون القديم، ثم تأخير إصدار اللائحة التنفيذية للقانون، ثم تعديلها، فضلًا عن إعلان الحكومة تنفيذ الشباك الواحد فى مدة زمنية تصل إلى 18 شهرًا. كذلك الأمر فيما يخص الضرائب حيث تعددت تصريحات مسئولى الحكومة حول إصدار قانون للقمة المضافة كبديل لقانون ضريبة المبيعات، ثم عودة الحكومة للاكتفاء بإجراء تعديلات على قانون ضريبة المبيعات، ثم عودتها مرة أخرى للحديث عن تشريع جديد للقيمة المضافة. وكل هذا التأرجح وعدم الاستقرار على قرار يُساهم فى نظر محمد البهى فى زيادة مخاوف رجل الأعمال أو المستثمر خاصة لو كان أجنبيًا. فى نفس السياق فإن المهندس حمدى عبدالعزيز، رئيس غرفة الصناعات الهندسية، يؤكد أن البيروقراطية ما زالت حاكمة لقطاع الاستثمار الصناعى فى مصر. ويرى أن المنظومة تحتاج تغييرًا جذريًا للقواعد والأسس الحاكمة، مُشيرًا إلى أن الحديث عن تيسيرات للمستثمرين لا يتجاوز التصريحات الإعلامية، ومؤكدًا أن الواقع أسوأ كثيرًا لأن موظفًا صغيرًا قد يتسبب فى تكبيد شركة استثمارية عشرات الآلاف نتيجة تعسفه، وهو ما يتسبب فى إحجام كثير من الشركات العالمية عن الدخول إلى السوق المصرية. ويؤكد أنه على الرغم مما أحدثه المؤتمر الاقتصادى، الذى عقدته مصر فى مدينة شرم الشيخ خلال شهر مارس الماضى، من رواج لاسم مصر، إلا أن أحدًا من الشركات الاستثمارية الكُبرى لم تضُخ أموالا فى مشروعات جديدة خاصة فى قطاع الصناعة الذى يعد القطاع الأكثر تشغيلًا للعمالة. ويرى أن استمرار تدنى مرتبة مصر فى مؤشر التنافسية سبب مباشر فى ذلك. ويضيف داعيًا إلى ضرورة تطبيق نماذج الاستثمار فى دبى بمصر من خلال تقليل تعامل المستثمر مع أفراد الجهاز البيروقراطى بقدر الإمكان. وفى تصور المهندس محمد حنفى، الخبير الصناعى، فإن القيود التى يفرضها البنك المركزى على تداول العملات الأجنبية تمثل سببا مباشرا فى عدم استقبال مصر أى استثمارات جديدة فى مجال الصناعة خلال الشهور الماضية. ويؤكد «حنفى» أن كثيرًا من الشركات الصناعية متوقفة جزئيا أو كليًا عن الإنتاج بسبب عدم وجود خامات ومستلزمات إنتاج، والتى يتم استيرادها من الخارج. ومن المعروف أن البنك المركزى يضع أولويات لفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع من الخارج، وهو ما يؤدى إلى تعطيل دخول خامات ومستلزمات المصانع المستوردة من الخارج. كذلك فإن منع الشركات العاملة فى مصر من تحويل أكثر من مبلغ محدد من أرباحها بالعملات الأجنبية يُشعر تلك الشركات بوجود قيود على الاستثمار فى مصر، ويدفعها دفعًا إلى البحث عن فرص أخرى فى أسواق بديلة.