وصفته قناة «العالم» الإيرانية الناطقة باللغة العربية بأنه الرجل الأقوى فى الشرق الأوسط، أما صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فوصفته بأنه واحد من أهم صناع السياسة الخارجية الإيرانية، إذ يمتد مسرح العمليات التى يشرف عليه الجنرال قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، مرورا بمنطقة الخليج الذى يوليها اهتماما خاصا، نظرا لطبيعة العلاقات المعقدة بين إيران ودول الخليج. ولمن لا يعرف، فإن «فيلق القدس» هو الذراع العسكرية الإيرانية لتنفيذ العمليات العسكرية فى الخارج، وسبق أن اتهمته عدة دول عربية بإعداد وتنفيذ عمليات إرهابية بها كان آخر تلك العمليات ما أعلنته السلطات الأردنية فى يوليو الماضى عن اكتشاف مخطط إيرانى لارتكاب عمليات إرهابية فى المملكة. سليمانى الجنرال الغامض الذى يفضل الابتعاد عن الأضواء ويتجنب وسائل الإعلام، تولى منصبه منذ 15 عاما، وكان مهندس توطيد العلاقات السورية الإيرانية بهدف وصول النفوذ الإيرانى إلى سواحل البحر المتوسط. ولد عام 1957 فى مدينة قُم، وهو ينحدر من جذور متواضعة من محافظة كيرمان، والتحق بالحرس الثورى الإيراني أوائل عام 1980. وشارك فى الحرب العراقيةالإيرانية، ثم تمت ترقيته ليصبح واحدًا من بين عشرة قادة إيرانيين مهمين فى الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود، وتعتقد مصادر استخباراتية أمريكية أن سليمانى قام بتدريب المقاتلين العرب فى البوسنة بهدف إرسالهم عبر الحدود الإيرانية الأفغانية فى عامى 1996 و1997 وسط تصاعد التوتر بين إيران وحركة طالبان خلال حكمها لأفغانستان، وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن سليمانى يلعب دورا كبيرا فى السياسة الخارجية لإيران، إذ يتولى سليمانى اختيار سفراء طهران فى عدة دول عربية من بينها لبنانوالعراق. وتصاعد دور سليمانى بعد اندلاع الأزمة السورية فى 2011، وكان الداعم الرئيسى للتدخل الإيرانى فى سوريا لمساندة نظام الرئيس بشار الأسد، ويعتقد أن سقوط النظام السورى سيكون بمثابة الخسارة الاستراتيجية لإيران، حيث تعتبر سوريا أحد أضلاع مثلث طهراندمشق حزب الله، وعن طريق الأراضى السورية تصل الأسلحة والأموال إلى الحزب اللبنانى الذى أصبح أحد أطراف المعادلة اللبنانية بفضل الدعم العسكرى والمالى المقدم من إيران. أما فى العراق، فقد ظل سليمانى المحرك الرئيسى للأحداث منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، ولعبت الفصائل التابعة للحرس الثورى دورا رئيسيا فى تعظيم نفوذ الأحزاب والحركات السياسية الموالية لطهران، وكان صعود رئيس الوزراء السابق «نورى المالكى» لسدة الحكم فى بغداد سببا رئيسيا لتعاظم الدور الإيرانى فى العراق، ونجحت طهران فى طرد جماعة «مجاهدى خلق» اليسارية المعارضة للنظام الإيرانى من العراق بعد أن ظلت لسنوات طويلة تتخذ من الأراضى العراقية منطلقا لتواجدها السياسى والعسكرى، وشنت العديد من الهجمات ضد الأهداف الإيرانية انطلاقا من العراق، وبعد اجتياح تنظيم داعش الإرهابى لمحافظات عراقية واستيلائه على معدات عسكرية تابعة للجيش، ظهر بقوة دور الجنرال سليمانى، حيث قام بقيادة العمليات المضادة للتنظيم، وتشكيل ما عرف ب «ميليشيات الحشد الشعبى» التى خاضت معارك ضارية ضد داعش، غير أن هذه الميليشيات اتهمت بارتكاب جرائم حرب ضد مواطنى المناطق التى استطاعت طرد داعش منها. فى مطلع عام 2008 وخلال سلسلة من المعارك بين القوات والأمريكيةوالعراقية من جانب وميليشيات الصدر الشيعية من جانب آخر، تسلّم الجنرال دافيد بتريوس، قائد القوات الأمريكية فى العراق، آنذاك، رسالة نصية من الجنرال الإيرانى، قائد «فيلق القدس»، الذى تحوّل فيما بعد إلى خصمه اللدود. الرسالة، التى سلّمها قائد عراقى بارز، تقول، حسب الصحيفة: «أنا، قاسم سليمانى، أتحكم فى السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراقولبنان وغزة وأفغانستان، والسفير الإيرانى لدى بغداد عنصر من عناصر فيلق القدس، والسفير الذى سيحل محله عنصر أيضاً». وفى اليمن وبعد شن «التحالف العربى» بقيادة المملكة العربية السعودية الحرب ضد ميليشيات الحوثى، وصل سليمانى إلى صنعاء الجمعة 27 مارس، ليفتح ثالث جبهة عسكرية فى الشرق الأوسط، تشارك فيها إيران بعد العراقوسوريا، تعدد الجبهات التى يقودها سليمانى جعلت البعض يصفه بالأسطورة، فالرجل يتنقل بين عدة دول ويشرف على عمليات عسكرية تختلف مسارحها الجغرافية والاستراتيجية بشكل كبير. سليمانى يتلقى دعما مباشرا من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية «على خامنئى»، الذى وصف جنراله المفضل ب «الشهيد الحى»، وفى يوليو 2014 وأمام حشد كبير من السياسيين والجنرالات، قال سليمانى: «ليعلم العالم أجمع أن نزع سلاح المقاومة هرطقة باطلة، ووهم لن يتحقق، وأحلام يقظة لن تمر، بل كلها أمنيات جائرة كاحلة مآلاتها المقابر»، فى إشارة واضحة إلى حزب الله الذى يعتبره سليمانى امتدادا للفيلق الذى يتزعمه، وكان لسليمانى دور بارز فى حرب حزب الله مع إسرائيل عام 2006 إذ زار سليمانى لبنان، واطلع على تطورات المعركة، وشارك فى وضع الخطط العسكرية لمقاتلى الحزب اللبنانى.