تمثل البيانات العسكرية الرسمية دفتر أحوال تسجيليا لوقائع أيام المعركة فى وقتها، أما فيما بعد فتصبح وثيقة تاريخية لما جرى تتيح لمن يدرس تلك المعركة الاطلاع على تفاصيل ما جرى ومعرفة الحقائق مجردة من كل هوى وزيف، وقد أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة 64 بيانا عسكريا طوال أيام المعركة تتيح العودة إليها كشف الكثير من الحقائق والمفارقات التى منها أن البيان الأول الذى أذيع فى الثانية وعشر دقائق لم يكن موجها للشعب قدر ما كان موجها للرأى العام العالمى، وفيه خداع صريح على أننا لم نبدأ الحرب، ووأننا خضناها تصديا لعدوانه «المزعوم» حتى لا تتباكى إسرائيل من أنها تتعرض «لعدوان» يشكل خطرا على وجودها، حيث قال البيان: «قام العدو فى الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتى الزعفرانة والسخنة بخليج السويس بواسطة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربى للخليج، وتقوم قواتنا حالياً بالتصدى للقوات المغيرة». وبعد 15 دقيقة، أى فى الثانية والنصف إلا خمس دقائق استمعنا للبيان الثانى: «رداً على العدوان الغادر الذى قام به العدو ضد قواتنا فى كل من مصر وسوريا، تقوم حاليا بعض من تشكيلاتنا الجوية بقذف قواعد للعدو وأهدافه العسكرية فى الأراضى المحتلة». وكانت المدفعية المصرية تهدر فى ذلك الوقت على طول الجبهة وبمعدل 10 آلاف قذيفة فى الدقيقة الواحدة من مختلف الأعيرة، فيما كانت القوة الرئيسية لسلاحنا الجوى تغير على مواقع العدو الرئيسية ومراكز قياداته الميدانية ومخازن الأسلحة والوقود وقاعدتى المليز والعريش فى عمق سيناء، وفى الثالثة ودقيقتين صدر البيان الثالث: «إلحاقاً للبيان رقم (2) نفذت قواتنا الجوية مهامها بنجاح وأصابت مواقع العدو إصابات مباشرة وعادت جميع طائراتنا إلى قواعدها سالمة عدا طائرة واحد». بعد خمس دقائق فقط، أى فى الثالثة وسبع دقائق، صدر البيان الرابع الذى أشار لأول مرة لبداية «اقتحامنا» للقناة الذى تم فى الواقع قبل البيان بأكثر من نصف ساعة من خلال عبور الآلاف من جنود المشاة الميكانيكية على متن القوارب المطاطية صوب المواقع الحصينة لخط بارليف.. وقال البيان: «حاولت قوات معادية الاستيلاء على جزء من أراضينا غرب القناة وقد تصدت لها قواتنا البرية، وقامت بهجوم مضاد ناجح ضدها بعد قصفات مركزة من مدفعيتنا على النقط القوية المعادية، ثم قامت بعض من قواتنا باقتحام قناة السويس مطاردة للعدو إلى الضفة الشرقية فى بعض مناطقها وما زال الاشتباك مستمراً». فى الرابعة عصرا، أشار البيان الخامس لنجاحنا فى اقتحام قناة السويس وأكد مشاركة سورية فى الحرب: «نجحت قواتنا فى اقتحام قناة السويس فى قطاعات عديدة، واستولت على نقط العدو القوية بها، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة. كما قامت القوات المسلحة السورية باقتحام مواقع العدو فى مواجهتها وحققت نجاحاً مماثلاً فى قطاعات مختلفة». أما البيان السادس فتأخر حتى الخامسة إلا الثلث، وجاء فيه: «نتيجة لنجاح قواتنا فى عبور قناة السويس، قام العدو بدفع قواته الجوية بأعداد كبيرة، فتصدت لها مقاتلاتنا، واشتبكت معه فى معارك عنيفة، وقد أسفرت المعارك عن تدمير إحدى عشرة طائرة للعدو، وقد فقدت قواتنا عشر طائرات فى هذه المعارك». وفى السابعة والنصف مساء، أى بعد أقل من ست ساعات على بداية المعركة، جاء البيان السابع الذى كان بمثابة البشرى بالنصر وتحقيق المستحيل قائلا: «نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس على طول المواجهة، وتم الاستيلاء على منطقة الشاطئ الشرقى للقناة، وتواصل قواتنا حالياً قتالها مع العدو بنجاح، كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد قامت بضرب الأهداف الهامة للعدو على الساحل الشمالى لسيناء وأصابتها إصابات مباشرة». ولمدة تزيد على الساعات الأربع، توقفت البيانات الجديدة مع تكرار للبيانات السابقة على مدار الساعة، مصحوبة بأغان وطنية قديمة مثل فدائى لعبد الحليم حافظ، وأغان من وحى المعركة تمت صياغة كلماتها ووضع ألحانها وأدائها على عجل فى مبنى الإذاعة والتليفزيون الذى ضم جميع مؤلفى الأغانى والمطربين والملحنين والموسيقيين، حيث تحول مبنى ماسبيرو إلى خلية نحل عملاقة يقودها المايسترو عبد القادر حاتم وزير الإعلام وقتذاك، وكان من بين تلك الأغانى التى رددتها الجماهير «حلوة بلادى السمرا» للمطربة الجزائرية وردة، وصارت بعد ذلك أيقونة أغانى المعركة. وانتظر الناس طويلا قبل أن ينطلق الصوت الوقور لصبرى سلامة، وهو أول من أذاع بيانا عن الحرب ليقرأ البيان رقم 8 فى الساعة الثانية عشرة وسبع وثلاثين دقيقة من صباح يوم السابع من أكتوبر وجاء فيه: «قام العدو بعد آخر ضوء اليوم بهجمات مضادة بالدبابات والمشاة الميكانيكية ضد قواتنا التى عبرت قناة السويس ومن اتجاهات مختلفة، وقد تمكنت قواتنا من صد جميع هذه الهجمات وتدمير العدو وتكبيده خسائر كبيرة فى الأفراد والمعدات، ولا زالت قواتنا تقاتل بنجاح من مواقعها على الضفة الشرقية للقناة». فى السابعة من صباح الأحد 7 أكتوبر صدر البيان التاسع الذى جاء مجملا الأوضاع على الجبهة تحت عنوان «مجمل قتال يوم 6-10-1973»: «فى حوالى الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 10 رمضان سنة 1393 هجرية الموافق 6 أكتوبر 1973 قام العدو الإسرائيلى بهجوم جوى غادر على كل من مصر وسوريا. نجحت قواتنا فى صد هذا الهجوم ببعض الخسائر فى الأفراد. وبعد أن اتضحت نية العدو، قرر القائد الأعلى للقوات المسلحة الرد بقوة على هذه الاعتداءات المتكررة، فقامت قواتنا بشن هجوم شامل على طول جبهة القتال، واقتحمت قناة السويس تحت ستر قذف الطائرات والمدفعية وبمساندة القوات البحرية والدفاع الجوى. نجحت قواتنا المسلحة فى عبور القناة والاستيلاء على معظم الشاطئ الشرقى، وواصلت قتالها لتدعيم مراكزها شرق القناة. فى ليلة 6/7 استمر قتال قواتنا مع العدو، ودارت معارك عنيفة قام العدو خلالها بهجمات مضادة محاولاً استعادة الموقف، ولكنه فشل وتمكنت قواتنا من صد هجمات العدو مع تكبيده خسائر كبيرة فى الأفراد والمعدات. كما قامت قواتنا البحرية بتدمير خمس قطع بحرية للعدو فى البحر الأبيض المتوسط، وقامت بقصف بعض المناطق المعادية بالشاطئ الشرقى لخليج السويس. ونتيجة لهذه المعارك، وصلت نتائج القتال منذ بدئه إلى الآتى: خسائر العدو: إسقاط 27 طائرة للعدو، تدمير 60 دبابة، تدمير 15 موقعا حصينا شرقى القناة، عدد من الأسرى جار حصرهم علاوة على تكبيده خسائر جسيمة فى الأرواح. خسائر قواتنا: 15 طائرة مقاتلة وبعض الطائرات الهليكوبتر كما تكبدت قواتنا بعض الخسائر فى الأفراد. ما زالت قواتنا تتدفق عبر القناة، وتواصل تقدمها شرقاً، والاشتباكات الأرضية والجوية مستمرة». وبعد ثلاثة بيانات صدر بيان بمجمل قتال يوم 7 أكتوبر، وكان يحمل رقم الثالث عشر فى العاشرة و53 دقيقة مساء: «استمرت قواتنا المسلحة فى تدفقها عبر قناة السويس، وهى تقاتل بنجاح قوات العدو على طول خط المواجهة فى سيناء. وقد قامت قواتنا البرية فى سيناء تعاونها قواتنا البحرية وقوات دفاعنا الجوى بصد وتدمير هجمات العدو المضادة التى حاول القيام بها ضد قواتنا وكبدته خسائر كبيرة فى المعدات والأرواح واضطرته إلى الارتداد شرقاً. كما قامت طائراتنا بقصف الأهداف المعادية فى عمق سيناء بالقطاعين الشمالى والأوسط، واشتركت مع قوات الدفاع الجوى فى التصدى لطائرات العدو التى حاولت الإغارة على بعض مطاراتنا صباح اليوم. وفى الوقت نفسه قامت قواتنا البحرية بتنفيذ مهامها القتالية، وتأمين شواطئنا بالبحرين الأبيض والأحمر، وقصفت مواقع العدو على الساحل الشمالى لسيناء. وقد حاول العدو بعد ظهر اليوم ضرب المعابر على القناة، وقد فشلت جميع محاولاته، وما زالت قواتنا من الدبابات والمشاة الميكانيكية والمدفعية تتدفق فى داخل سيناء بمعدل عال. ونتيجة للأعمال القتالية التى دارت طوال اليوم وصلت نتائج القتال للآتى: خسائر العدو: إسقاط 57 طائرة للعدو منها 27 طائرة أمس. تدمير 92 دبابة، منها 60 أمس، بالإضافة إلى عدد كبير من العربات المجنزرة للعدو. الاستيلاء على عدد من الدبابات والعربات المدرعة والمعدات بعد أن تركها العدو وفر هارباً. استسلام عدد من ضباط وجنود وحدات العدو المدرعة بدباباتهم وعرباتهم، علاوة على ما أسرته قواتنا من قوات العدو فى معارك اليوم..هذا، وقد تكبد العدو خسائر أخرى كبيرة فى الأرواح. خسائر قواتنا: 21 طائرة مقاتلة منها 15 أمس. عدد من الدبابات والعربات. كما تكبدت قواتنا بعض الخسائر فى الأفراد. هذا، وما زالت قواتنا تتقدم داخل سيناء مصممة على النصر». وجاء البيان الرابع عشر فى الواحدة وست وثلاثين دقيقة ظهر الثامن من أكتوبر: «تستمر قواتنا المسلحة فى التدفق إلى سيناء عبر الجسور القوية فوق القناة، ولقد حاول العدو خلال الليلة الماضية القيام بهجمات مضادة فى محاولات يائسة لصد تقدم قواتنا، ولكن قوبل بقصفات شديدة من الدبابات والمدفعية والأسلحة المضادة للدبابات، وفشلت هجماته المضادة تماما، وقد تم تدمير 20 دبابة للعدو، كما تكبد خسائر كبيرة فى المعدات والأرواح، ولقد أصبحت الضفة الشرقية للقناة قى أيدى قواتنا المسلحة تماما، واستسلم ما كان فيها من نقط العدو القوية، واستعادت قواتنا مناطق لسان بور توفيق والشط وجنوب البحيرات والإسماعيلية شرق والبلاح وجميع المنطقة جنوب بور فؤاد، وتم أسر أعداد كبيرة من أفراد العدو ومعداته، ووصلت قواتنا من المدرعات والمشاة الميكانيكى إلى مسافة متقدمة داخل سيناء، وفى صباح اليوم، قامت قواتنا الجوية بتوجيه ضربة مركزة ضد مطارات العدو فى المليز وبير تمادا وبطاريات الصواريخ الهوك ورادارات العدو، ومراكز قياداته فى القطاعين الشمالى والأوسط، وكانت نتيجة هذه الضربة الجوية قفل مطارى المليز وتمادا، وتدمير عدد من طائرات الهليكوبتر على الأرض فى مطار تمادا، وتدمير بطاريات الصواريخ الهوك فى بالوظة وسمارة والجدى ومركزى القيادة والتوجيه فى أم خشيب وأم مرجم، وقد حاول تشكيل معاد التعرض لطائراتنا أثناء عودتها بعد تنفيذ المهمة، فاشتبكت معه، وأسقطت له طائرة فانتوم، وقد تابعت قواتنا البحرية عملياتها فى البحرين المتوسط والأحمر، ووجهت ضربات قوية لمواقع العدو الساحلية، وأثناء أدائها مهمتها اعترضها تشكيل بحرى معاد ودارت معركة بحرية أغرقت فيها قطعة بحرية متوسطة، وانسحبت باقى القطع، وقد حاول العدو صباح اليوم التدخل بقواته الجوية ضد بعض جسورنا عبر القناة، فى محاولة يائسة لمنع تدفق قواتنا، فتصدت له وسائل دفاعنا الجوى، وأسقطت له خمس طائرات، وأسرت اثنين من الطيارين، وقد أفاد الأسرى بأن الروح المعنوية للطيارين الإسرائيليين منخفضة تماما نتيجة لكبر حجم الخسائر وضراوة مقاتلينا». ومع توالى أيام المعركة استمرت البيانات العسكرية الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة لتنقل للمصريين يوميات الدم والنار على الجبهة ولم تتوقف تلك البيانات إلا فى السابعة وعشر دقائق من مساء السادس والعشرين من أكتوبر، حيث مرت عشرون يوما كاملة على الحرب التى شهد تقلبات درامية، أهمها ثغرة الدفرسوار، ومحاولات العدو المستميتة لحصار مدينة السويس، وقال البيان الأخير: «تنكشف الآن أبعاد الادعاءات الكاذبة التى أطلقها العدو صباح اليوم حول ما أسماه بقيام قواتنا بإغراق إحدى ناقلات بتروله فى خليج السويس، وحول ما ادعاه بعد ذلك من أن مصر تستخدم الدبابات والمدفعية فى قصف المواقع الإسرائيلية غرب القناة، كتمهيد لإقامة معبر فوق القناة شمال السويس. فقد قام العدو بعد أن حاول تهيئة الأذهان بادعائه خرق قواتنا لقرارات وقف إطلاق النار بضربات جوية مركزة على مواقع قواتنا فى القطاع الجنوبى شرق السويس، وبدأت هذه الضربات فى الساعة الحادية عشر قبل ظهر اليوم، واستمرت على فترات متقطعة حتى ساعة إعلان هذا البيان، مما اضطر مواقعنا التى تتعرض للقصف إلى أن تتصدى لطائرات العدو بقوة وثبات، ولم تمكنها من تحقيق أهدافها». ومع تأكيد القيادة العامة لقواتنا المسلحة من جديد أن قواتنا صامدة وتقاتل ببسالة وشجاعة، كما أنها ملتزمة بقرار وقف إطلاق النار حتى الآن، فإنها تفسر تصرفات العدو اليوم بأنها تمهيد من جانبه للقيام بعمليات هجومية أخرى، يحاول من خلالها أن يكسب أجزاء جديدة من الأرض، منتهزاً فرصة استمراره فى وضع العقبات أمام مندوبى هيئة الرقابة الدولية، لعدم تمكينهم من احتلال مراكزهم فى منطقة القطاع الجنوبى وقبل وصول قوة الطوارئ الدولية إلى نفس المنطقة.