ربما كان فرج فودة ومقتله بسبب ما يكتبه من الأمثلة الصارخة التى تُدلل على أن المجتمعات الإسلامية هى مجتمعات ثابتة غير قابلة للتغيير، أو تقبل الفكر الآخر الذى يُناقش، ويُحلل، ويحاول الوصول إلى نتيجة صحيحة، ومن ثم يكون مصير من ينهج هذا النهج، هو التكفير ومن ثم القتل بشكل مباشر؛ بسبب اجتهاده. أصدر فودة الكثير من الكتب التى تأمل فيها فى التاريخ الإسلامي، وحاول كذلك نقاش العديد من القضايا السياسية، بل ومحاولة التصدى وفضح تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية التى تتستر خلف الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية، وربما كان كتابه «نكون أو لا نكون» من أهم الكتب التى أثارت الكثير من الضجيج حوله، ووصل به الأمر إلى حد مُطالبة الأزهر بمصادرة الكتاب، رغم أنه لم يكن سوى تجميع للعديد من المقالات التى سبق له أن كتبها ونشرها فى العديد من الدوريات المصرية. لعل من أهم ما ناقشه فودة فى كتبه المهمة فكرة الخلافة، وهل كان نظام الخلافة إسلاميا حقا، وهو هنا يخلص إلى الإجابة «بلا»؛ لعدة أسباب كثيرة يُجملها فى: «قتال أبى بكر الصديق للممتنعين عن دفع الزكاة لبيت المال ودفعها للمحتاجين مباشرة»، و«رفض عثمان بن عفان القصاص من عبيد الله بن عمر بن الخطاب بعد قتله ثلاثة من الفرس المسلمين انتقاما لمقتل أبيه رغم عدم اشتراكهم فيه، ومن بينهم الهرمزان صاحب المقولة الشهيرة «عدلت فأمنت فنمت يا عمر»، و«رفض على بن أبى طالب القصاص من قتلة الخليفة عثمان»، و«قتل معاوية بن أبى سفيان للصحابى حجر بن عدي»، و«قتل يزيد بن معاوية للحسين بن على وآله، واستباحته المدينة ثلاثة أيام بعد موقعة الحرة؛ ما أدى إلى مقتل 4500 من الصحابة الأنصار وأبنائهم وفض بكارة 1000 بكر من بناتهم، وذلك انتقاما لآبائه ممن قتلهم بنو هاشم والأنصار فى غزوة بدر فى عهد الرسول»، و«قيام عبدالملك بن مروان حين أفضى إليه الأمر والمصحف فى حجره، بإطباق المصحف قائلا: «هذا آخر العهد بك» وهذا ما ذكره السيوطي، و«استخراج هشام بن عبدالملك جثة زيد بن على بن الحسين «زين العابدين»، وقطع رأسه وصلب جثمانه عريانا ثم حرقه وذرّه فى الرياح»، و«انصراف كثير من الخلفاء إلى الشراب والمجون والخلاعة مثل يزيد بن عبدالملك، وابنه الوليد من الأمويين، أو الإفراط فى التسرى بالإماء كالمهدي، وولده الرشيد، والمتوكل من العباسيين»، و«انتشار اللواط لدى بعض الخلفاء مثل الوليد بن يزيد من الأمويين، والذى راود حتى أخاه عن نفسه، كذلك الأمين، والواثق من العباسيين»، و«ضرب الوليد بن يزيد الأموى المصحف بالسهام وقوله: أتوعد كل جبار عنيد.. فها أنا ذاك جبار عنيد.. إذا ما جئت ربك يوم حشر.. فقل يا رب مزقنى الوليد»، و«نبش السفاح أول خلفاء الدولة العباسية قبور خلفاء بنى أمية وتمثيله بجثثهم»، و«قتل السفاح أمراء بنى أمية بعد تأمينهم، وبسط الطعام على أجسامهم المحتضرة وهى تنازع الموت»، و«قتل السفاح وزيره أبا سلمة الخلال»، و«قتل المنصور عمه عبدالله بن على ثم قائده أبى مسلم الخراسانى صاحبى الفضل الأكبر فى تأسيس الدولة العباسية وإسقاط دولة بنى أمية»، و«تحالف المنصور مع شارلمان ملك الفرنجة ضد عبدالرحمن الداخل خليفة الأندلس المسلم»، و«قتل المنصور لمحمد النفس الزكية وآله بعد تعذيب»، و«تعذيب المنصور لأبى حنيفة، وجلده لمالك بن أنس وهو عارى الجسد غير مستور العورة، وقتله لعبد الله بن المقفع الكاتب بتقطيع أطرافه وشيّها وإجباره على أكلها»، وتعذيب المعتصم لابن حنبل، وقتل الواثق لأحمد بن نصر الخزاعى أحد كبار رجال الحديث بقطع رأسه بنفسه». هنا يخلص فرج فودة من هذا العرض إلى «أن الخلافة التى نعتوها بالإسلامية هى فى حقيقتها خلافة عربية قرشية، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم»، وإلى أن «الإسلام دين لا دولة، بل إننا نعتقد أن الدولة كانت عبئا على الإسلام، وانتقاصا منه وليست إضافة إليه». يقول فرج فودة فى كتابه المهم «نكون أو لا نكون» مواجها جماعة الإخوان الإرهابية محاولا فضح زيفهم وحقيقتهم للجميع تحت عنوان: «أبشر بطول سلامة يا برتا»، وهو المقال الذى سبق نشره فى مجلة المصور عام 1987م (أما «البرتا» فهى نوع من المسدسات يُفضل الإخوان المسلمون استخدامه فى حوادث الاغتيال، وأما البشرى فقد زفتها لنا صحيفة حزب العمل، حين أعلنت علينا ما أسمته «التحالف التاريخي» بين العمل والإخوان والأحرار، وهو تحالف تاريخى فى تقديري؛ لأنه سوف يُدخل بأصحابه فى ذمة التاريخ غير مأسوف عليهم، وسوف يكون مدخلا إلى انهيار أوهام كثيرة وأقوال أثيرة لدى أصحابه، ولدى غيرهم». الوهم هو أن الإخوان المسلمين أبرياء مسالمون، وُدعاء صابرون على العنف، مواجهون «بفتح الجيم» من أعدائهم بالعنف والتصفية الجسدية، ومواجهون «بكسر الجيم» لأعدائهم بالابتسام والدعاء بالهداية، وهى كلها مقولات تتجاوز عدم الدقة إلى عدم الصحة، ودليلى لا أسوقه من منطلق الخلاف الفكري، وهو وارد وقائم وأصيل، وإنما أسوقه على لسان قادتهم، فصالح أبورقيق قد اعترف فى آخر ساعة بأنهم كانوا وراء اغتيال النقراشى بعد طول إنكار، وحامد أبوالنصر كتب فى مذكراته المنشورة فى الأحرار عن لقائه الأول بحسن البنا الذى لمعت عيناه حين أخرج أبو النصر مسدسه، وحين ذكر له أنه السبيل الوحيد، ثم كيف بايعه البنا على المصحف والمسدس، والمبايعة على المصحف مفهومة، أما المبايعة على المسدس فلا معنى لها فى الدين، ولا منطق لها فى السياسة، ولا وجود لها إلا فى عصابات المافيا وجماعات الإخوان.