هذا بالنسبة لى هو الكتاب الأهم عند أنيس منصور، بل لا أتردد فى أن أضعه بين أهم مائة كتاب صدرت باللغة العربية فى القرن العشرين، إنه «كانت لنا أيام فى صالون العقاد». لم يكن هذا الكتاب الذى صدرت طبعته الأولى فى العام 1983، ونشره أنيس فى البداية على شكل حلقات فى مجلة أكتوبر، مجرد كتاب ذكريات، يعيد فيه أنيس أيامه التى عاشها فى صالون العقاد، الذى كان واحدا من أشهر الصالونات الفكرية فى النصف الأول من القرن العشرين، بل كان تأريخا واضحا ومفصلا للحياة الثقافية والفكرية والفنية والاجتماعية للمجتمع المصرى خلال هذه الفترة. ولأن أنيس كان يعرف أن كتابه هذا هو الأهم فى حياته، ربما أهم من كتابه الأشهر «حول العالم فى 200 يوم»... فقد أهداه إلى زوجته، كتب يقول لها «إلى التى لولا تشجيعها ما كان السطر الأول فى هذا الكتاب، ولولا تقديرها ما اكتملت هذه الصفحات، امتنانا عميقا وحبا أعمق، إلى زوجتى»... وحتى تعرف قيمة وأهمية الإهداء، فقد كان هذا هو الكتاب الوحيد الذى أهداه لها، من بين كتبه ال 260، التى أصدرها على امتداد حياته الصحفية والثقافية والفلسفية الطويلة. لا أستطيع أن أكذب أنيس فأقول إنه لم يكن يتردد على صالون العقاد فإذا كان لم يتردد على الصالون فمن أين له بكل هذه الحكايات التى ربطت بينه وبين العقاد كل الصور التى نشرها أنيس منصور فى الكتب توحى بأن صاحبها التقطها وهو يقوم بعمل صحفى عن العقاد قبل وفاته لا يحتاج العقاد، وهو من هو فى قامته وقيمته ومكانه ومكانته، لمن يخلده، تكفيه أعماله، وتكفيه موسوعيته، لكنه كان يحتاج إلى كاتب وصحفى وأديب مثل أنيس منصور، سهل العبارة رشيقها، يستطيع أن يصل بإنجاز العقاد الفكرى إلى القارئ العادى الذى يقبل على أنيس ويقرأ له، وأعتقد أن العقاد لو ظل حبيسا فى كتبه وحده، ما حصل على سمعته الفكرية عند أجيال كثيرة، لكن أنيس مكنه من أن يصل إلى كثيرين متعددى الثقافات والاهتمامات، وعلى امتداد فترة زمنية طويلة. أدرك أنيس ما فعله من أجل العقاد، فى كتابه «وأنت ما رأيك» وتحت عنوان «صالون العقاد»، كتب: إنها ظاهرة تستحق الدراسة أن يختار الشباب المثقفون كتابى «كانت لنا أيام فى صالون العقاد» كأحسن كتاب سنة 1983» وهى ظاهرة لأن الكتاب دراسة وذكريات أدبية وفلسفية وسياسية ودينية لجيل كامل فى مثل سنى، عاش حائرا فى الخمسينات والستينات بين المذاهب السياسية والفلسفية والدينية، وكان يتردد على أعظم الناس فى زماننا لطفى السيد وطه حسين وعبدالرحمن بدوى وشوقى ضيف وعبدالرحمن صدقى وأحمد حسن الزيات وأحمد أمين والشيخ حسن البنا والدير الدومنيكى والجماعات الماسونية وشهود يوه، ثم الأستاذ العقاد.