في أحدث رواياته "الأزبكية"، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، يستدعي الكاتب ناصر عراق الماضي، وتحديدا فترة اعتلاء محمد علي عرش مصر؛ ليحاول تفسير ما يحدث في الحاضر، وإلقاء ضوء على بعض تفاصيله التي قد يقف أمامها بعضنا غير مدركين أنها ليست غير قبس من الماضي، أو امتداد له، بشكل أو بآخر. فالرواية تنفخ في روح اللحظة التاريخية واقعا يجعلها أكثر بهاء وحيوية؛ وإيقاعا يستدعيها من ماضيها إلى حاضرنا، دون أن تفقد نضارتها، أو تتضاءل دهشتها، وتأخذ بتلابيب اللحظة الواقعية فتلمس روحك، وتمر بباب قلبك، حتى تشعر بنفسك وكأنك تجاوزت متاهات الزمان، وعبرت مفازات المكان، ودخلت إلى عالمها؛ لتعيش أحداثها مع أبطالها، فتشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وتقاسمهم أحلامهم وكوابيسهم، وتلتقي بين سطورها، وفي ثنايا جملها، أسماءً شهيرة، مثل محمد علي، وعبدالرحمن الجبرتي، ونابليون بونابرت، وأخرى لن تلتقيها إلا في هذه الرواية، مثل أيوب، وشلضم، والخواجة شارل، ومسعدة حجاب، وكلها شخصيات أكسبتها الأحداث روحا خاصة، ومنحها السرد المتقن لحما ودما. وقد أجاد الكاتب في غزل ثوبه الروائي، وإقامة بنائه الدرامي؛ لتتصاعد الأحداث، وتتداخل المواقف، وتتقاطع الشخصيات، دون ترك فرصة لتسلل الرتابة أو الملل إلى نفس القارئ، الذي يظل مشدودًا بحبال السرد، وخيوط اللغة، من لحظة البداية، التي تأتي على لسان أيوب، متحدثًا عن ليلة زفافه، يوم 12 مايو 1805، حيث يقول: "النعيم كله بين يدي.. الجسد الممتلئ والملمس الناعم والبشرة الصافية والعينان السوداوان.. وبعد قليل سأجوب بستان الأنوثة أقطف ما أشاء من الفواكه اللذيذة والورد اليانع". بهذا المشهد الحميم، في ليلة العمر، تبدأ الحكاية، وتزداد الكلمات دفئا بمرور الوقت، حتى تصل إلى درجة السخونة: "وفي ثوان غمرتها بقبلاتي، وهي بين يدي تستجيب بخفرٍ وتلين بسهولة، وحين صرنا عاريين تماما، وقبل أن يكتمل ضوء الحب، وقبل أن يلتحم الجنون المقدس".