يسيطرون على 250 مسجدًا و11 زاوية.. وقياداتهم تصعد المنابر بحرية كاملة لديهم أماكن خاصة ل«المحاضرات» وعقد حفلات القرآن شاركوا في «اعتصام الشرعية» بميدان المحطة تأييداً ل «مرسي» اكتسحوا الأحزاب فى الانتخابات البرلمانية الماضية وأعدادهم بالآلاف تعد محافظة مرسى مطروح من أكبر معاقل «الدعوة السلفية» على مستوى الجمهورية. «عاصمة السلفيين».. هو الاسم الذى أطلق على مطروح فى أعقاب ثورة 25 يناير، بعد أن تصدرت المحافظة نتيجة التصويت ب«نعم» فى الاستفتاء على تعديلات دستور 71 فى مارس 2011. فى هذه الفترة، خرجت قيادات «الدعوة السلفية» من مساجد المدينة لمباشرة الحياة السياسية، وأخذوا فى توجيه أبناء القبائل نحو الأفكار الأكثر تشددًا. هنا نرصد وجود السلفيين فى مرسى مطروح، وكيف خرجوا من الظلام إلى النور، وإلى أين وصلوا الآن. العمل السياسي اتخذت «الدعوة السلفية» بمحافظة مطروح قرارها دخول «المعترك السياسى» بعد «25 يناير»، حيث خاضت الانتخابات البرلمانية عام 2012، التى حقق فيها مرشحو الدعوة وذراعها السياسية حزب النور فوزا ساحقا على منافسيهم. بعد فترة قصيرة نشبت خلافات بين مجلس إدارة الدعوة فى مطروح و«المجلس الأم» فى الإسكندرية، حيث أصدر مجلس إدارة الدعوة بمطروح، بيانا مطولا فى الأول من يوليو 2014 بعنوان: «لماذا شاركنا؟ ولماذا امتنعنا؟»، أعلن فيه عدم مشاركته فى الانتخابات البرلمانية المقبلة مع العودة إلى «العمل الدعوى». وجاء البيان موضحا موقف الدعوة بمطروح من العمل السياسى، حيث ذكر أن «الأصل فى المشاركة السياسية هو المنع منذ نشأتها وحتى ثورة 25 يناير 2011، ثم حدث تغيير فى الفتوى لتغير الحال والواقع، ومع تطور الأحداث وحدوث تشابه كبير للحالة الآن والواقع الذى كان قبل ثورة يناير لزم الوقوف مع أنفسنا وقفة تأمل ومراجعة التراث المكتوب للدعوة السلفية وتذكير أنفسنا به من باب (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وعليه فقد شكلت الدعوة بمطروح لجنة علمية قامت بمراجعة كتابات وتنظير مشايخ الدعوة فى هذه المسألة قبل الثورة وبعدها، وقارنا بين الواقعين فوجدنا عدم وجود تغير عما كان قبل الثورة». وأضاف البيان أن «قرار الدعوة بمطروح جاء تقديرا للمصالح والمفاسد، حيث إننا نعيش واقعا ومجتمعا متشابكا قائما على القبلية والجوار والنسب والمصاهرة، ما يجعل المشاركة السياسية ومزاحمتهم على الانتخابات البرلمانية المقبلة فى ظل أجواء ضبابية تحيط بالدولة المصرية، وعدم استقرار ما يؤثر بالسلب على الواقع الدعوى الذى خسر كثيرا بالمشاركة فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى السابقين». وذكر أنه «من خلال تجربتنا السياسية السابقة لم نجن منها إلا التفرق والمنافرة بين السلفيين، ولو دخلنا سيزيد الانقسام والتناحر بيننا فى ظل الوضع الراهن، وكل أصحاب اتجاه، سيرشحون نوابا بعينهم، وستكون جاهلية أكثر من جاهلية القبائل، وهذا كله دون أدنى فائدة للدعوة فرأينا الامتناع عن المشاركة فى المرحلة الحالية لتلك الاعتبارات». الأزمة مع الإسكندرية الخلاف الذى بين الدعوة السلفية بمطروح والمدرسة الأم فى الإسكندرية، والذى نتج عنه انسحاب فرع مطروح من العمل السياسى يبدو ظاهريًا خلافا فى الرؤى ووجهات النظر، غير أن المدقق فى البيان الصادر عن فرع مطروح يكتشف أن الخلاف أعمق بكثير، فقد ذكر البيان أن دخول معترك السياسة بعد ثورة 25 يناير جاء لتغير الظروف والمناخ، وأن قرار الانسحاب فى 2014 جاء بسبب عودة الوضع إلى ما كان عليه أثناء حكم «مبارك»، وهو ما يعنى ضمنا رفض ثورة 30 يونيو وما ترتب عليها من إزاحة جماعة الإخوان المسلمين، ومحاربة تمدد التيارات المتطرفة فى أرجاء البلاد. ورغم الهدوء الظاهر فى العلاقات بين دعوة الإسكندرية ونظيرتها فى مطروح إلا أن الجدل لم ينقطع، فقد وصف الشيخ على طه غلاب، رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية بمحافظة مطروح عضو مجلس الشورى العام سابقا، أن قرار تجميد أعمال مجلس إدارة الدعوة بمطروح الصادر عن الدعوة الأم بالإسكندرية، بأنه قرار كعدمه، ولا يملك أحد تنفيذه فى أرض مطروح، ف«نحن أصحاب الأرض ولا أحد غيرنا، ويبقى الود والاحترام والتقدير والأخوة لجميع شيوخ وعلماء الدعوة، وأن تفتيت الصف فتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وقد عرفتم جميعا مطروح رجلا واحدا وصفا واحدا، فنستحلفكم بالله ألا تتسببوا فى فرقة تضيعون بها مجهود السنين، تذكرون بها أبد الدهر، فلم يعد إلا مطروح بثباتها وقوتها وثقلها السند القوى لكم فتذكروا ذلك ولا تنسوه». وأعلن «غلاب» استقالته من عضويته بكل مناصبه، ردا على قرار الدعوة السلفية العام بالإسكندرية بتجميد مجلس إدارة مطروح، من أجل التفرغ للأعمال الدعوية، ولم يعد مسئولا عن إدارة الدعوة فى أى مركز من مراكز الدعوة بمحافظة مطروح. وقال لشيوخ وعلماء الدعوة إنه بعد كل هذه المحاولات التى بذلت، ورفعا لما أنتم فيه من حرج بخصوص قرار التجميد، أقول نحن نرحب برفع حمايتكم لنا، ووصايتكم علينا، فنحن نتحمل تبعات كل قرار اتخذناه وكل موقف وقفناه على واقعنا الذى نحن أدرى به فى مطروح، مؤكدا إن كانت عضويته بمجلس الشورى العام، ومجلس الإدارة العام، ومجلس شيوخ الحزب، لا تزال تسبب لكم حرجا، فاعلموا أنه لا حاجة لى فيها، واعتبروا هذه استقالة صريحة منى عن عضويتى فى كل هذه المجالس. استقالة «غلاب» الذى يحظى بمكانة كبيرة فى مطروح لم تمر مرور الكرام، فقد أعلنت لجان الدعوة بمطروح، تمسكها بغلاب رئيسا لمجلس إدارة الدعوة، حيث أعلنت لجنة طلائع الدعوة السلفية، ولجنة التخطيط والمتابعة، واللجنة الدعوية، ومسئول متابعة قطاع شرق، وإدارة الدعوة بمنطقة السلام والمغاربة، ومسئول الدعوة بمركز ومدينة النجيلة، رفضهم بيان «غلاب» الذى قرر فيه التخلى عن الأعباء الإدارية للدعوة بمطروح، مؤكدين أنهم متمسكون بوجوده فى منصبه. وكان «غلاب» قد تعرض لحملات تشويه قاسية، قادها سرا عدد من قيادات الصف الأول، ونفذها علانية عدد من قيادات الصف الثانى، وذلك فى أعقاب إعلانه لمبادرة المصالحة المجتمعية ونبذ العنف ووقف المظاهرات والمسيرات التى تخللتها أعمال شغب وتخريب لم تشهدها مطروح من قبل. ورغم مشاركة بعض أقطاب الدعوة فى صياغة المبادرة السلفية، لوقف العنف بالاشتراك مع المخابرات الحربية بمطروح التى أدارت مع هؤلاء الشيوخ مفاوضات تحت إشراف جميع الأجهزة الأمنية بالمحافظة من الجيش والشرطة، إلا أن هؤلاء الشيوخ ورطوا بقصد أو بدون قصد الشيخ على غلاب فى تحمل المسئولية عن هذه المبادرة أمام شباب الدعوة الذى يؤيد أغلبهم جماعة الإخوان الإرهابية والرئيس المعزول محمد مرسي، حيث فسرها بعضهم بأنها هروب من المسئولية وإعلان هزيمة للدعوة السلفية وخذلان لقضية «الشريعة والشرعية» على حد قولهم. أما نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، الدكتور ياسر برهامى، فقال إن الحوار هو السبيل الوحيد لرأب الصدع بين شقى الدعوة السلفية فى كل من مطروح والإسكندرية، معلنا رفضه لدعاوى قيادات الدعوة فى مطروح بعدم المشاركة فى انتخابات مجلس النواب القادمة، موضحا أن حزب النور منفصل إداريا عن الدعوة السلفية التى تقوم بدورها الدعوى. البحث عن ياسر برهامي فى كل ما يخص أمور الدعوة السلفية، بل فى كل ما يخص تحركات السلفيين السياسية والدينية فى مصر، فتش دائما عن ياسر برهامي، فرغم ادعاءات «برهامي» بفصل حزب النور ونشاطه السياسى عن الدعوة السلفية وتوجهاتها الدعوية إلا أن كل الخيوط تؤكد أن نهاياتها تصب فى خانة الدعوة. برهامى نائب لم يكن غائبا عن مشهد مطروح، فبعد أن كانت مساجد المحافظة من الحمام إلى السلوم حتى سيوة، بصحبة الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور السلفى، وعقد خلالها العديد من المحاضرات الدعوية وخطب الجمعة فى بعض المساجد، داعيا إلى عدم مقاطعة انتخابات مجلس النواب المقبلة، وكان يستقبله السلفيون بحفاوة كبيرة فى مسجد الفتح بمرسى مطروح، إلا أنه بعد قرار الدعوة الأم بالإسكندرية بتجميد أنشطة مجلس إدارة مطروح، لم يخط برهامى عتبة المسجد، وعندما يأتى إلى مرسى مطروح يذهب لمسجد التنعيم أو السنوسية، فلا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات وحصد مقاعد البرلمان. "الأوقاف" والسلفيون لا تتوقف وزارة الأوقاف عن إصدار تصريحات وبيانات تؤكد ضم المساجد والزوايا للوزارة، وأن كافة الأئمة يلتزمون بمنهج الوزارة والتوجه الوسطى للأزهر الشريف، غير أن الواقع فى محافظة مطروح يؤكد أن تلك التصريحات ما هى إلا حبر على ورق، وأن السيطرة الفعلية والخطاب الدينى فى مساجد المحافظة سلفى بامتياز. ويقدر عدد مساجد محافظة مطروح بنحو 788 مسجدًا منها 536 مسجدًا حكوميًا و250 مسجدًا أهليًا و11 زاوية، إذ يبلغ عدد مساجد عاصمة المحافظة 273 مسجدًا، وتبلغ مساجد مدينة الحمام 121 مسجدا، ومساجد العلمين 32 مسجدا، والضبعة 64 مسجدا، والنجيلة 50 مسجدا، وبرانى 45 مسجدا، والسلوم 26 مسجدا، فيما بلغت مساجد سيوة 77 مسجدًا. سلفيو مطروح يسيطرون على نحو 250 مسجدًا و11 زاوية تنتشر بأنحاء متفرقة من المحافظة، وتمتد من مدينة الحمام شرقًا حتى مدينة السلوم غربًا على الحدود المصرية الليبية، أى ما يقرب من 40٪ من مساجد المحافظة، ففى كل مدينة من المدن الثمانى وكل قرية يوجد مسجد يحمل اسم «مسجد الفتح» على غرار مسجد الفتح الإسلامى بمدينة مرسى مطروح وهو أول المساجد التى أسسها رجال الدعوة بالمحافظة. مسجد الفتح الإسلامى بمدينة مرسى مطروح العاصمة، هو أهم وأكبر معاقل الدعوة السلفية بالمحافظة وتم تأسيسه فى السبعينيات من القرن الماضى على مساحة صغيرة من الأرض كانت تستخدم كملعب كرة قدم، وبدأ المسجد يتسع شيئا فشيئًا حتى أصبح أكبر مساجد المحافظة ويتكون من 4 أدوار، يخصص جزء منها للنساء وجزء للاعتكاف فى شهر رمضان، ومكتبة تضم المئات من الكتب والمراجع الإسلامية، وتعقد به الندوات والمحاضرات، كما يعقد به مراسم الزواج وعقد القران، وتجمع به الزكاة والتبرعات التى تستخدم للإنفاق على أنشطة المسجد. شهدت ساحة المسجد عقب ثورة 25 يناير عقد المؤتمرات الانتخابية المؤيدة والداعمة للدستور وانتخابات مجلس الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية، حيث استقبلت هذه الساحة الرئيس المعزول محمد مرسى قبل انتخابات الإعادة مع الفريق أحمد شفيق، ومن قبلها استقبلت الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح، والعديد من قادة الدعوة على مستوى الجمهورية، من بينهم الشيخ سعيد عبدالعظيم، والشيخ عبدالمنعم الشحات، والدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور الحالي، وجلال مرة أمين عام الحزب، ورئيس حزب الوطن السلفى عماد عبد الغفور، وياسر برهامى، وأحمد فريد، ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومنهم من اعتلى منبره وخطب فى الناس الجمعة. ومن أبرز قادة الدعوة وأئمتها بمطروح الشيخ على طه غلاب رئيس مجلس إدارة الدعوة بمطروح، والشيخ دخيل حمد خطيب وإمام مسجد الفتح بمطروح، والشيخ فرج العبد من أكبر أقطاب الدعوة وعضو مجلس الشعب السابق عن حزب النور، والشيخ أبوبكر الجرارى مسئول الدعوة بمدينة الضبعة، والشيخ منصور قوية العقارى مسئول الدعوة فى العلمين وعضو مجلس الشعب السابق عن حزب النور، والشيخ عثمان القطعانى مسئول الدعوة بمدينة سيدى برانى وعضو مجلس الشعب السابق عن حزب النور، والشيخ محمد جويلى إمام وخطيب مسجد الفتح بمدينة الحمام. كما توجد مشايخ وقيادات أخرى، من بينهم الشيخ حمدى شعيب والشيخ نصر محمد نصر والشيخ فايز عبد رب الرسول العشيبي، والشيخ عبدالسلام راغب عضو مجلس الشورى السابق عن حزب النور بالضبعة، والشيخ محمد محسن، والشيخ محمد غلاب بمدينة النجيلة والشيخ فرج حسين بقرية رأس الحكمة، والشيخ ممدوح عبدالمولى بالسلوم. هؤلاء المشايخ والأئمة يجوبون المحافظة شرقا وغربا لإلقاء الخطب والدروس بالمساجد التى تخضع للدعوة ونهجها، ويتناوب غلاب ودخيل والعبد صعود منبر مسجد الفتح بمطروح، وإن كان الشيخ دخيل حمد يستحوذ على النصيب الأكبر من صعود هذا المنبر. ويتم عمل جدول بأسماء المشايخ والمساجد والمناطق التى يقع بها المسجد وتعلن ليلة الجمعة من كل أسبوع وتنشر بالمسجد الرئيسى وعلى الصفحة الرسمية للدعوة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، ويتحرك هؤلاء بحرية بين مساجد المحافظة، حيث يصعدون المنبر ويلقون الدروس عقب صلاة العصر أو العشاء، ويعقدون المسابقات الدينية، ولم تستطع مديرية الأوقاف أو الجهات التنفيذية التصدى لهم وتطبيق قانون الخطابة عليهم، والذى نص على منع صعود غير الأزهريين لمنابر المساجد الحكومية والأهلية بجميع محافظات الجمهورية، وذلك بسبب العجز الشديد فى عدد الخطباء والأئمة من خريجى الأزهر بالمحافظة من ناحية، وسيطرة التيار السلفى على عقول أبناء المحافظة من ناحية أخرى. من المساجد إلى الاعتصام منذ نشأة الدعوة السلفية على أرض مطروح فى السبعينيات من القرن الماضي، وموقفها من المشاركة السياسية هو المنع، وظلت هكذا حتى ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقد تبنت مواقف متباينة ومغايرة لما يعهدها سكان الصحراء من قبل، فحشدوا لدستور 19 مارس 2011 بكل قوة، واصطفوا وراء عبدالمنعم أبوالفتوح فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية فى 2012، وفى الجولة الثانية ساندوا مرشح الحرية والعدالة وجماعة الإخوان الإرهابية محمد مرسى رغم اختلافهم معه فى الكثير من المواضع والمبادئ والفكر. وبعد اندلاع ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان، شارك أعضاء الدعوة فى الاعتصام الذى أطلق عليه «اعتصام الشرعية» بميدان المحطة فى مدينة مرسى مطروح تأييدا لمرسى والإخوان، وقاد بعض قادتها وكبار رجالها المسيرات الحاشدة المؤيدة للرئيس المعزول، واستمرت حتى فض اعتصام رابعة العدوية. فى الثامن عشر من أغسطس 2013 شارك الشيخ على غلاب إمام الدعوة السلفية بمطروح، فى الاحتفال بعقد المصالحة المجتمعية بين جميع أطياف المحافظة، رغم استقالته من مجلس إدارة الدعوة ومجلس الشورى العام، غير أن هذه المصالحة لم تجد صدى حقيقيا على الأرض بعد أن اعتبرتها قواعد السلفية خروجا على النهج الصحيح وتخليا عن «الشريعة والشرعية».