تعتبر العلاقات البريطانية - الإيرانية من أكثر العلاقات الدولية اضطرابًا خلال التاريخ الحديث، حيث أثبتت التجربة على أن التحسن في العلاقات بين الجانبين لا يستمر طويلًا وسرعان ما يتدهور. وشهدت العلاقات البريطانية الإيرانية تحولات مهمة خلال القرن الماضي، حيث لا يعتبر قرار إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران هي الواقعة الأولى في تاريخ العلاقات المضطربة بين الجانبين، التي شهدت غزو بريطانيالإيران، والقيام بانقلاب، وحصار السفارة البريطانية واقتحام السفارة الايرانية، وفرض عقوبات اقتصادية، وانهيار في العلاقات الدبلوماسية وقطع العلاقات بين البلدين. وبدأ الاضطراب في تاريخ العلاقات بين طهرانولندن في عام 1941، عندما غزت القوات البريطانية والروسية ايران معا خوفا من تحالف بينها وبين القوات النازية، بسبب العلاقات القوية بين ألمانياوايران في ثلاثينات القرن الماضي، مما اضطر الشاه رضا بهلوي للتنازل عن العرش، وبقيت القوات البريطانية في البلاد حتى عام 1946. وفي بداية الخمسينيات، أثار رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في ذلك الوقت حفيظة بريطانيا لمحاولته تأميم شركة النفط البريطانية الايرانية التي تملكها بريطانيا، وأطيح به في انقلاب اتهمت المملكة المتحدة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية بالوقوف وراءه، وبعد الثورة ألإسلامية في عام 1979، أغلقت بريطانيا سفارتها في طهران. وفي عام 1980 استولى مسلحون ايرانيون على السفارة الإيرانية في لندن، وأخذوا 26 رهينة، من بينهم موظفو السفارة وزائرون وضابط شرطة ، وخلال ستة أيام من الحصار ، قتل المسلحون أحد الرهائن وألقوا بجثته من أحد نوافذ السفارة، مما دفع القوات الخاصة لاقتحام المبنى، وقتل خمسة من بين المسلحين الستة ، لينقذوا جميع الرهائن باستثناء واحد فقط. وأعادت السلطات البريطانية فتح سفارتها في طهران في عام 1988 ، لكن بعدها بعام توترت العلاقات بين الجانبين مرة أخرى على خلفية فتوى المرشد الأعلى الإيراني وقتها، آية الله الخميني ، تطالب المسلمين قتل البريطاني سلمان رشدي بسبب كتابه "آيات شيطانية" ، وفي عام 1992 قررت المملكة المتحدة طرد ثلاثة إيرانيين ، من بينهم اثنان من موظفي السفارة ، بعد مؤامرة مزعومة لاغتيال رشدي. وغيرت طهران في عام 1998، موقفها من رشدي ، وقالت إنها لم تعد تؤيد الفتوى ولن تشجع أي شخص آخر للتصرف بموجبها ، حيث تم استعادة العلاقات الدبلوماسية بدرجة معينة. وأصبح وزير الخارجية جاك سترو في سبتمبر عام 2001 أول وزير خارجية بريطاني يزور ايران منذ عام 1979 ، حيث استمرت العلاقات بين الجانبين طبيعية ، إلى أن تصاعدت التوترات مرة أخرى في عام 2004 بعد اجتياح القوات الأمريكية والبريطانية العراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. واحتج إيرانيون خارج السفارة البريطانية في طهران في مايو 2004 على المعارك التي تجريها القوات البريطانية بجانب الأماكن الشيعية المقدسة في العراق. ومنذ شهر يونيو عام 2004 بدأت التوتر في العلاقات بين الجانبين في التصاعد تدريجيا، خاصة بعد اعتقال إيران ثمانية بحارة بريطانيين لمدة ثلاثة أيام بعد أن ضلت سفينتهم طريقها في المياه الإيرانية ، وفي الشهر ذاته ، قامت المملكة المتحدة بجانب ألمانيا وفرنسا بصياغة مشروع قرار ينتقد عدم استعداد طهران للتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني. ومع إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في عام 2009، زعمت المعارضة الإيرانية أن الانتخابات تم تزويرها ، وقال المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، إن "القوى المتعجرفة" في الغرب هي من شجعت تلك الاضطرابات، ووصف بريطانيا بأنها "الأكثر شرا بين تلك القوى". وأعلنت المملكة المتحدة في عام 2011 وبعد تقرير وكالة الطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني ، فرض عقوبات ضد البلاد وأوقفت تعاملاتها مع البنوك الإيرانية ، وفي 27 نوفمبر ، صوت البرلمان الإيراني بطرد السفير البريطاني لدى إيران ، وبعد ذلك بيومين ، هاجم المتظاهرون السفارة البريطانية في طهران ، ووصفت الحكومة البريطانية حادث حرق المباني وإلقاء القنابل الحارقة والحجارة ونهب المكاتب، بأنه هجوم "شائن"، وزعمت أن المتظاهرين يتلقون الدعم من الحكومة الإيرانية ، ولذلك أمرت الحكومة البريطانية بمغادرة جميع الدبلوماسيين الإيرانيين البلاد خلال 48 ساعة. وبعد سنوات من المفاوضات والعقوبات ، توصلت إيران في 14 يوليو الماضي إلى اتفاق حول الحد من قدرتها النووية مع الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين ، ووعدت إيران بتفكيك قدر كبير من البنية التحتية النووية ، في مقابل رفع العقوبات. وقررت الحكومة البريطانية إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران بعد أربع سنوات من إغلاقها ، حيث أصبح فيليب هاموند أول وزير خارجية بريطاني يزور طهران منذ عام 2003. ورغم ذلك فان تصريحات الوزير البريطاني في طهران، أكدت على أن الطريق لا يزال طويلا تجاه التطبيع الكامل للعلاقات بين الجانبين، وقال هاموند في تصريحاته إنه بالرغم من أن "تاريخًا صعبًا" جمع بريطانياوإيران، فإن العلاقات الثنائية أخذت تتحسن بخطى وطيدة، وأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين "خطوة معقولة نحو الأمام". وأضاف: "نعم، ينبغي أن نخطو بحذر. هناك تركة ثقيلة من عدم الثقة عند الطرفين، وهناك مجالات رئيسية نختلف فيها، لكن ذلك لا يعني ألا نتباحث معها". وشدد وزير الخارجية البريطاني على أن ضرورة التنسيق مع الجانب الإيراني لمنع تجارة الأفيون بين أفغانستان وأوروبا، إضافة الى مواجهة التحدي الخاص بانتشار تنظيم داعش.