كشف فشل رئيس الوزراء التركي المكلف أحمد داود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية مع أحد الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر يونيو الماضي، أن الأتراك لم تترسخ لديهم ثقافة تشكيل حكومات ائتلافية على غرار التحالفات الناجحة التي أجرتها العديد من الدول الغربية مثل ألمانيا وبريطانيا، وأن ثقافة التحالف لم تترسخ بعد في أذهان الأتراك. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع نوفمبر القادم موعدا لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، بعد فشل الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة ائتلافية عقب انتخابات 7 يونيو الماضي، وأفاد أردوغان بأنه سيستخدم كافة صلاحياته الدستورية من أجل الإعلان الرسمي عن قرار إجراء الانتخابات المبكرة. وأسفرت الانتخابات التي جرت في السابع من يونيو الماضي عن حصول حزب العدالة والتنمية (محافظ)، الحاكم منذ 2002، على 258 مقعدا بالبرلمان، وحل ثانيا حزب الشعب الجمهوري (يساري علماني) ب(132 مقعدا)، بينما حصد حزب الحركة القومية (يميني) 80 مقعدا، وحزب الشعوب الديمقراطي (كردي) 80 مقعدا أيضا. وأظهرت هذه النتائج أن خيار الناخب التركي في المرحلة الراهنة هو خيار تعددي، لذلك لم يمنح حزب العدالة والتنمية الحاكم فرصة أخرى ليحكم البلاد بمفرده وبات خيار الحكومة الائتلافية مطلوبا بقوة، منعا لدخولها مرحلة من عدم الاستقرار السياسي الذي سيؤثر بالضرورة على اقتصاد البلد ومعيشة ناسه. وكان في حال نجاح العدالة والتنمية في تشكيل حكومة ائتلافية أن يؤدي إلى معالجة الاستقطاب السياسي الحاد الحاصل في المجتمع التركي، الذي خلقته الممارسات السياسية للأحزاب، وتحول إلى استقطاب مرضى لا علاج له سوى الخيار الائتلافي، القائم على إرساء مبادئ التفاهم والتوافق والتصالح في تركيا. ولم يكن تشكيل حكومة ائتلافية بالمهمة السهلة أو بالطريق المليء بالورود، بالنظر إلى أطروحات وتوجهات الأحزاب التركية، وتصريحات قادتها، حيث طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، (ثاني أكبر الأحزاب التركية) بأن يكون نظام رئاسة الوزراء تناوبيا، واعتبر أن هنالك إمكانية لتشكيل حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطية، الحكومة الجديدة، على اعتبار أن هذه الأحزاب الثلاثة مجتمعة حصلت على نحو 60% من أصوات الناخبين، كما أن حزب الحركة القومية (القريب أيدولوجيا) من العدالة والتنمية يرفض علانية "مسيرة السلام"، الهادفة إلى حل المسألة الكردية. ومن المعلوم لدى الجميع أن من أهم أسباب فشل التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري الاختلاف الحاصل بين وجهات نظر الحزبين فيما يخص قضية السياسة الخارجية المتبعة وأن معظم الخلافات تتمحور حول قضايا الشرق الأوسط والسياسة التركية المتبعة تجاه هذه المنطقة. فالحزب التركي الحاكم (العدالة والتنمية) يؤكد أن سياسته الخارجية التي يتبعها تجاه المنطقة، هي السياسة الصحيحة فهو على سبيل المثال يدافع بكل قوة عن سياساته تجاه المنطقة. بينما يؤكد حزب الشعب الجمهوري أن سياسة الانحياز المبنية على الأيديولوجية، قادت الدولة التركية إلى العزلة والانكفاء على نفسها في الشرق الأوسط. والمتتبع لتاريخ الحكومات الائتلافية في تركيا يري أنه في سبعينيات القرن الماضي عرفت تركيا حكومات ائتلافية عديدة، لكنها غالبا ما كانت تنتهي بتدخل الجيش، وسيطرته على مقاليد الحكم. وكان من أشهر تلك الحالات الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 سبتمبر 1980، بقيادة كنعان إيفريل، وأنهى الحكومة الائتلافية، برئاسة سليمان ديميرل، في ذلك الوقت. وبعد هذا الانقلاب، أجريت أول انتخابات تشريعية في عام 1983، وأفضت إلى قيام حكومة أغلبية، شكلها حزب الوطن الأم منفردا، لكن الحكومات الائتلافية عادت للحياة السياسية أكثر من مرة، بعد ذلك، حيث انتقلت تركيا إلى عهد الائتلافات بعد انتخابات عام 1991، وشكل "حزب الطريق القويم" بزعامة، سليمان ديميرل، ائتلافا مع حزب "الشعب الديمقراطي الاشتراكي" بزعامة أردال إينونو. وبعد انتخابات 1995، فقد تشكل ائتلاف حكومي بين حزب "الرفاه"، بزعامة نجم الدين أربكان، وحزب الطريق القويم، بزعامة تانسو تشيلر، لكنه لم يستمر طويلا، حيث أنهى التحالف بانقلاب عسكري "ناعم" في 28 فبراير 1997، ثم شكل حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد حكومة ائتلافية مع حزب العمل القومي وحزب الوطن الأم. وخلال تاريخ تركيا الحديث؛ لم تستمر الحكومة الانتقالية التي شكلها رئيس الوزراء السابق مسعود يلماز أكثر من 6 أشهر، واستمرت حكومة رئيس الوزراء السابق بولنت أحمد 5 أشهر فقط، في حين شكل رئيسا الوزراء السابقان، بولنت أجاويد، وكذلك تانسو تشيلر، ثلاث حكومات خلال عامين اثنين؛ منها حكومتان تم تشكيلهما خلال شهر واحد هو أكتوبر 1995. ولم تكمل أي حكومة ائتلافية، أو حكومة أقلية، خلال مراحل تطور الدولة التركية الحديثة، ولايتها، وكثيرا ما كانت البلاد تشهد أزمات سياسية واقتصادية، بعد انحلال تلك الحكومات قصيرة العمر، جراء الخلافات السياسية بين الشركاء في الائتلاف. لكن تركيا عادت إلى حكومة الحزب الواحد، بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في 2002، وفوزه في انتخابات 2007 و2011، قبل أن يفقد غالبيته في الانتخابات الأخيرة، ويفتح الباب أمام عودة الخيار الائتلافي مرة أخرى. ويتسم تاريخ الحكومات الائتلافية التركية بعدم الاستقرار والجمود السياسي وفشل معظمها في تمرير إصلاحات أو قوانين مهمة، وأنها لم تكن مستقرة وعاشت لفترات قصيرة جدا وتسببت في خلق اضطرابات انعكست على الأوضاع الداخلية ومعيشة المواطن.