من الأسئلة الشائكة التى تعرض لها الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي والدراسات القبطية، الراحل، كيف ولدت السيدة العذراء السيد المسيح وبتوليتها مختومة، برغم العوامل الطبيعية التى تسبق الولادة ، وهل يصدق القول أنها ولدته من جنبها؟ الجواب: تلك معجزة يصعب تفسيرها بمنطق القوانين الطبيعية، وهي البرهان على أن المولود من العذراء مريم لم يكن إنسانًا، إنها واقعة لم يحدث لها نظير من قبل ولم تتكرر، ولن تتكرر. وقد قال آباء الكنيسة فى ذلك، إن المسيح عندما قام من بين الأموات خرج من القبر وهو مغلق، وكذلك دخل العلية وأبوابها مغلقة (يوحنا 20 : 19) ليثبت أنه خرج من بطن العذراء وختوم البكارة مصونة. إن المعروف بالنسبة لكل عذراء أنها إذا ولدت فلابد أن تزول بكارتها بفعل الجنين عند نزوله من رحمها، أما العذراء مريم فهي وحدها من بين جميع العذارى التى ولدت رب المجد يسوع المسيح، ولم يخدش بنزوله منها بكارتها وذلك مرده إلى قدرة لاهوته المتحد بناسوته، لأن المولود لم يكن مجرد إنسان، بل كان كلمة الله المتجسدة (يوحنا 1 ك 14) الله الظاهر فى الجسد (1 تيموثاوس 3 : 16). ولقد قال الرب بفم حزقيال النبى هذا الباب يكون مغلقًا لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا ( حزقيال 44 : 2 )، وقال آباء الكنيسة إن هذه النبوءة قيلت عن العذراء مريم التى خرج الرب يسوع منها طفلًا ولم يثلم بكارتها ولم يجرح علامة عفتها. وقد جاء فى صلاة القسمة التى تتلى فى القداس فى صوم الميلاد المجيد: «أيها السيد الرب إلهنا الخالق غير المرئى وغير المحوي غير المتغير الذى لا تدرك أعماقه الذى أرسل نوره الحقيقى ابنه الوحيد يسوع المسيح الكلمة الذاتي الكائن فى حضنه الأبوي كل حين، أتى وحل فى الحشا البتولي غير الدنس ولدته وهى عذراء وبكارتها مختومة». وتؤكد مصادرنا الكنسية، أن ولادة العذراء مريم للسيد المسيح كانت ولادة طبيعية بمعنى أنها ولدته بالمخاض والطلق وإن كان من غير ألم. قال القديس أثناسيوس الرسولي عن ولادة العذراء للمسيح، إنها «ولادة بلا دنس» طلقة بلا وجع. وجاء فى ميمر للقديس كيرلس، رئيس أساقفة أورشليم فى القرن الثالث، إنه «عندما شعرت العذراء بقرب وضع الجنين حالا، أخبرت يوسف فأسرع إلى البلدة ليستحضر قابلة لمساعدتها، ولما وصلا المغارة ودخلا فيها، وجدا أن العذراء ترضع ابنها الحبيب.. وسألتها القابلة بقولها: «يا أيتها السيدة ألم ينزل الخلاص (المشيمة) المعتاد للنساء؟ فلم تجاوبها قط، بل ظلت ساكتة ترضع الطفل فوضعت القابلة يديها لتنظر، فلم تجد سوى عذراء بكر بتول كما هي، فتعجبت تلك المرأة وتركتها، وقامت مسرعة لتدخل بيت لحم، وقد صادفتها سالومة القابلة الشهيرة فقصت عليها الخبر من أوله، فقالت: إنى فى شك وعدم تصديق لذلك الخبر الغريب حتى أتوجه وأنظر بعيني، وقد كان وعادت الاثنتان مسرعتين وبوصولهما نظرت سالومة الطفل وأمه، وقد تهورت بجسارة ومدت يديها تريد أن تكشف العذراء فوقفت يدها ونشف دمها وصارت تستغيث وصرخت بصوت عظيم وقالت: «يا إلهى ذنبى عظيم أغفر لي، وسجدت أمام الطفل ووضعت يدها عليه فشفيت فى الحال»، ولعل هذا مصداق ما قاله الوحى الإلهى بفم أشعيا النبي: «قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا (أشعيا 66: 7).