منذ قيام ثورة 25 يناير فى عام 2011 ونحن نسمع ونقرأ عن تطبيق نظام التصويت الإلكترونى فى الانتخابات، تبرز المطالب بتطبيق هذا النظام قبل كل انتخابات ثم لا تلبث أن تخفت وتيرة هذه المطالب مرة أخرى عقب الانتخابات. وصراحة نحن الآن فى أمس الحاجة لوجود تصويت إلكترونى لا يساعد فقط على تخفيف الزحام أمام صناديق الانتخاب، كما لا يساهم فقط فى سرعة اعلان النتائج بل أيضا يتغلب على حالة الانفلات الأمنى الموجودة فى بعض المحافظات والتى يمكن أن تعرقل مسار العملية السياسية فى المرحلة الانتقالية بالكامل. نظام التصويت الالكترونى سيساعد على مرور أى انتخابات قادمة بسلام، خاصة فى ظل محاولات جماعة الاخوان المسلمين المستمرة لفرض حالة العنف وعدم الاستقرار السياسى فى البلاد، وبالتالى ليس مستبعدا ان تقوم الجماعة بتحذير المواطنين من الذهاب إلى مراكز الاقتراع، أو أن تقوم بمنع الأقباط فى بعض محافظات الصعيد من الذهاب للتصويت مثلما حدث فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضيتين، كما أنه من المحتمل أن تقوم الجماعة بمعاونة التيارات الاسلامية المتطرفة بمحاولة الاعتداء المسلح على اللجان الانتخابية فى الأماكن المضطربة أمنيا مثل شمال سيناء أو بعض المناطق فى الصعيد. بالتالى ستكون الرسالة الموجهة للخارج بأن الفوضى أصبحت تعم مصر وأن البلاد غير جاهزة الآن لاستكمال العملية الديمقراطية. بداية لابد من التفريق بين نوعين من التصويت الالكترونى الأول، وهو الأكثر انتشارا، يتم عن طريق أجهزة الكترونية تشرف عليها لجان الانتخابات داخل مراكز الاقتراع وتقوم هذه الأجهزة بإدخال أصوات الناخبين الكترونيا، بالتزامن مع عملية الاقتراع التقليدية لمن لا يرغب أو لا يستطيع التعامل مع هذه الأجهزة. هذا النظام من الاقتراع مطبق بشكل موسع فى الولاياتالمتحدة، كما أنه مطبق بشكل كامل فى الهندوالبرازيل ويساهم بصورة كبيرة فى التعجيل بإعلان النتائج النهائية للانتخابات فنجد أن المؤشرات الأولية للنتيجة تعلن خلال ثلاث أو أربع ساعات من انتهاء عمليات الاقتراع فى حين تتحدد النتائج النهائية فى أقل من 24 ساعة من عمليات الفرز. ونذكر هنا أن الهند عرضت المساعدة التقنية على مصر لتوفير هذه الأجهزة، وتتمتاز الأجهزة المستخدمة فى الهند بأنها الأكثر أمانا نتيجة عدم توصيلها بشبكة الانترنت أو أى شبكة داخلية، كما أنه لا يمكن لأى شخص إعادة برمجتها أو محاولة التلاعب فى نتائج الفرز. أيضا تمتاز هذه الأجهزة بالقدرة على العمل فى ظل الظروف المناخية السيئة من حرارة عالية ورطوبة، كما أنها مصممة للعمل بالبطاريات فى حالة انقطاع الكهرباء داخل اللجنة الانتخابية. أما النوع الثانى من التصويت الإلكترونى- وهو الذى قد يفيدنا أكثر فى مصر- يتمثل فى التصويت عبر الانترنت والذى يقوم به الناخب من أى مكان عبر جهاز الكمبيوتر الشخصى وبكامل إرادته الحرة دون أى تدخل من أعضاء اللجان المشرفة على الانتخابات. وهناك تجارب محدودة لدول طبقت التصويت عبر الانترنت مثل بريطانيا واستونيا وسويسرا اضافة إلى الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهورى والديمقراطى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. فى بريطانيا بدأ استخدام تصويت الانترنت عام 2002 فى اقرار قانون الضرائب لمجلس مدينة بريستول، وتحاول بريطانيا رفع نسبة المشاركة فى الاقتراع بين من يحق لهم الاقتراع بإستخدام وسائل جديدة مثل تصويت الانترنت او التصويت عبر البريد، خاصة بعد الانخفاض المتواصل لنسبة المشاركين فى الانتخابات البرلمانية والتى وصلت إلى 65% عام 2010 بعد أن كانت تصل إلى نحو 84% عام 1950. أم التجربة التى انتهجتها استونيا فهى جديرة بالدراسة. بداية استونيا تعد احدى الديمقراطيات الناشئة وهى تصنف فى المستوى الثانى للديموقراطية مثلها مثل البرازيلوالهند وجنوب أفريقيا واسرائيل واليونان طبقا لمؤشر الديمقراطية التابع لوحدة مجموعة الايكونوميست. وبدأت تجربة استخدام الانترنت فى التصويت فى استونيا عام 2005 من خلال الانتخابات المحلية وصوت خلالها نحو 2% عبر الانترنت، وحققت التجربة نجاحا باهرا خلال السنوات الماضية ليصل عدد المصوتين عبر شبكة الانترنت فى الانتخابات البرلمانية لعام 2011 إلى 24.3 %. وتقوم فكرة التصويت عبر الانترنت فى استونيا على قيام الناخب باستخدام بطاقة مميكنة خاصة به – تشبه بطاقة الرقم القومى – لمزيد من الخصوصية ويدخل بياناته الشخصية ثم يقوم بالتصويت الالكترونى من جهازه الخاص أو من أى مكان يسمح له بالاتصال بشبكة الانترنت، وبمجرد ادلاء الناخب بصوته الكترونيا يحذف اسم الناخب من لجنة الاقتراع المخصصة لإدلاءه بصوته حتى لا يقوم بالاقتراع مرة أخرى بالطريقة التقليدية ويوضح الرابط التالى كيفية ادلاء الناخب هناك بصوته عبر الانترنت: ختاما يمكن القول أن التصويت عبر الانترنت هو المستقبل فى اى انتخابات وتجرى دراسات وتجارب عديدة الآن فى دول مثل الولاياتالمتحدة واليابان والسويد لاتاحة مزيد من الاحكام الأمنى قبل اقرار مثل هذا النوع من التصويت. وفى مصر نحن فى أشد الحاجة لوجود التصويت الالكترونى ليس فقط من أجل زيادة أعداد الناخبين ولكن أيضا من أجل حل أزمة البلطجة والعنف داخل اللجان ومنع بعض الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بشكل ممنهج. الفكرة ليست مستحيلة ولنتذكر كيف كان مئات الآلاف من طلاب الثانوية العامة ينتظرون اعلان النتيجة فى طوابير طويلة بالمدارس قبل سنوات، والآن يستطيعون معرفة النتيجة فى ثوان معدودة عبر شبكة الانترنت.