انتهت فعاليات مهرجان وهران للفيلم العربي في دورته الثامنة يوم الجمعة الموافق 12 يونيو 2015م بحفل الختام الذي أُعلن فيه عن الأفلام الفائزة بالجوائز الكبرى والذي انحازت فيه لجان التحكيم للمشاعر الإنسانية التي انتصرت على القضايا الكبرى، بعيدا عن الأيديولوجيات والمشاكل السياسية التي تسود العالم العربي؛ ليتأكد للجميع أن الفن، لاسيما السينما أرقى كثيرا من كل ما يسود العالم من صخب وعنف، وقبح. رغم أن الفنان المصري نور الشريف اعتذر عن حضور هذه الدورة لأسباب صحية إلا انه كان الحاضر الغائب على مدار أيام المهرجان التي استمرت من اليوم الثاني من يونيو حتى الثاني عشر منه، وطوال هذه الأيام كان لنور الشريف حضورا قويا، وهو ما تم تتويجه بفوز الفنان المصري بجائزة أفضل ممثل عربي في المهرجان عن دوره المتميز في فيلمه "بتوقيت القاهرة" للمخرج المصري أمير رمسيس، الذي حقق أعلى مشاهدة وإقبال على مدى أيام المهرجان العشرة، وكان دوي التصفيق وصيحات الفرحة تتويجًا لجائزة "الأسد الذهبي" الذي حصل عليها النجم المصري بجدارة عن أدائه المدهش في الفيلم الذي منحته لجنة التحكيم أيضًا جائزة السيناريو، وهو السيناريو الذي كتبه مخرج الفيلم أمير رمسيس الذي قال عقب تسلمه للجائزة: "أشكر لجنة التحكيم على هذه الجائزة، كما أشكر اللجنة على جائزة الأستاذ نور الشريف اللي كان نفسي يبقى بيستلمها معانا النهاردة"، أما جائزة أحسن ممثلة فلقد ذهبت إلى الممثلة الجزائرية صباح الجزائري عن دورها في الفيلم السوري "الأم" للمخرج باسل الخطيب رغم أن الفيلم دار حوله الكثير من الخلاف بين الجمهور والمشاهدين بسبب أسلوب الفيلم المباشر، ولغته التي حملت جانبا كبيرا من الدعائية، وهو ما يتنافى مع فن السينما ويقربه أكثر من لغة المسرح. ذهبت الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم للفيلم الطويل إلى الفيلم الجزائري "راني ميت" IM DEAD لياسين بن حاج الذي دارت أحداثه عن عمر سارق السيارات الذي يطلب منه ابنه ذات يوم شراء قناع غوريلا من أجل مسرحية في المدرسة، ولأن عمر لا يمتلك المال من اجل ذلك يقوم بسرقة سيارة يجد بداخلها حقيبة ممتلئة بالنقود، ولكن المفارقة التي تحيل حياته إلى جحيم ان صاحب هذه السيارة هو قاتل معروف يظل مطاردا له، وتوج الفيلم القصير "وتزوج روميو جولييت" للمخرجة التونسية هند بوجمعة بجائزة "الوهر الذهبي" للأفلام القصيرة، وهو الفيلم الذي ركز على غياب الرومانسية في الحياة الزوجية بعد سنوات من العيش المشترك ومعترك الحياة اليومية التي يعتمد فيها الرجل على المرأة في كل شيء؛ الأمر الذي يجعل علاقة الحب باهتة لا معنى لها، وقد نجحت المخرجة في تصوير ظلال الحب الباهتة التي اختفت حينما استسلم هذا الحب لإدارة الوقت، وحال كل ما كان جميلا إلى عبء نفسي مرهق. أما الجائزة الخاصة للجنة التحكيم للفيلم القصير فذهبت للفيلم الجزائري "ممر" PASSAGE A NIVEAU للمخرج أنيس جعاد، الذي يحكي عن شيخ أرمل يعمل في حراسة السيارات من خطر ممر سكة حديد منذ مدة تزيد على الثلاثين عاما حتى اعتاد هذا العمل وباتت حياته لا يمكن لها أن تكون بغير هذا الشكل، كما ذهبت الجائزة التشجيعية الخاصة للفيلم القصير "ماء ودم" للمخرج المغربي عبدالإله الجوهري، وهو الفيلم الذي حاول المقاربة بين عنصري الماء والدم من خلال طقس الأضحية في عيد الأضحى ونظرة كل من يرى هذا المشهد إلى دلالة الماء في هذه اللحظة، فبينما يرى الجد والجدة هذا الطقس باعتباره طقسا دينيا واجتماعيا يراه الابن والحفيد برؤية أخرى، حيث تتناسل لديهم الذكريات المؤلمة. حصد الفيلم الوثائقي "أنا مع العروسة" الذي أخرجه المخرج الفلسطيني خالد سليمان الناصيري بالاشتراك مع الإيطاليين جابريل ديل جراندي وأنطونيو جوجليارو جائزة "الوهر الذهبي" للأفلام الوثائقية، وهو الفيلم الذي تحدث عن اجتماع شاعر فلسطيني وصحفي إيطالي في ميلانو مع خمسة فلسطينيين وسوريين دخلوا أوروبا عبر جزيرة "لامبيدوسا" الإيطالية بعد فرارهم من الحرب في سوريا، وهنا يقرران مساعدتهم على استكمال الرحلة إلى السويد- على أمل أن لا يقبض عليهم كمهربين-، عن طريق حفل زفاف مزور مع صديق الفلسطيني المتنكر كعروس وما يقارب العشرة أشخاص من الأصدقاء الإيطاليين والسوريين كمدعوين إلى حفل الزفاف، وهنا يعبرون نصف أوروبا في رحلة من ثلاثة آلاف كيلو متر تدوم مدة أربعة أيام. أما جائزة "الوهر الذهبي" لأفضل فيلم روائي طويل فلقد ذهبت إلى الفيلم المغربي "جوق العميين" للمخرج محمد مفتكر كأفضل فيلم روائي طويل في الدورة الثامنة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي الذي عرف مشاركة 12 فيلما طويلا من مختلف البلدان العربية، وهو الفيلم الذي يُعد سيرة ذاتية للمخرج، ونوستالجيا للزمن الماضي حيث يستعرض فيه رحلة صعود أحلام أبطاله للقمة، ثم استيقاظهم على وقع ارتطام مؤلم لتلك الأحلام، وتدور القصة حول فرقة موسيقى شعبية تتخفى أحيانًا كثيرة خلف النظارات السوداء لتتمكن من العمل في بيوت العائلات المغربية المتحفظة، ويتناول السياق الدرامي مجموعة من العلاقات الإنسانية والمشاعر العاطفية التي تجمع والد الطفل وعائلته بأفراد الفرقة التي يقودها، واستطاع مخرج الفيلم الحاصل على جائزة "الأسد الذهبي" أن يدير الممثلين باقتدار، وبدا ذلك واضحًا في أداء الطفل "إلياس الجيهاني" الذي يُعد البطل الحقيقي للعمل، ووقف بثبات وقوة أمام نجوم المغرب الكبار، كما أن الأحداث كانت في السنوات الأولى من حكم الملك المغربي الحسن الثاني، حيث يعيش الحسين- الذي أدى دوره الممثل المغربي يونس ميقري- برفقة زوجته في منزل عائلتها، وفي تصريح مقتضب للصحافة عقب الإعلان عن الفائزين في المنافسة لهذه الدورة قال محمد مفتكر: "أنا فخور جدا بالظفر بالجائزة الكبرى"، واعتبر أن تتويجه في مهرجان سينمائي في الجزائر "شرف كبير" له شخصيا ويحمل رمزية كبيرة خاصة، كما أشار المخرج إلى أنه يطمح في إنجاز عمل مشترك مع مخرجين جزائريين؛ للمساهمة في تطوير وترقية الصناعة السينمائية في المغرب العربي. أوضح مفتكر أن سيناريو الفيلم 50% منه قصة واقعية تخصه شخصيا، مُضيفا أن قصة الفيلم عبارة عن سيرته الذاتية عندما كان طفلا، فما كان يقوم به الطفل "ميمو" هو واقع عاشه، كما أن الطفلة "شامة" موجودة بالفعل، وعن حمل الطفل على أداء بعض المشاهد الجريئة في الفيلم مقارنة بسنه قال المخرج: أن الأمر عادي، وكل المشاهد جاءت في سياق السيناريو، مضيفا بأنه يجب التفريق بين الجرأة والوقاحة، كما أكد أنه كان متخوفا من ردة فعل الجمهور؛ نظرا لاختلاف الواقع السوسيوثقافي، ولكنه شعر بالسعادة لرد فعل الجمهور الذي ظهر راضيا عن الفيلم. شاركت في الدورة الثامنة للمهرجان 17 دولة عربية قدمت 38 فيلما، وتم توزيع هذه الأعمال المتسابقة على 12 فيلما طويلا، و14 فيلما قصيرا، و12 وثائقيا، منها 8 أعمال جزائرية وأخرى من تونس ولبنان ومصر وسوريا والمغرب والإمارات العربية المتحدة والأردن و فلسطين، كما استضاف المهرجان في دورته الثامنة دولة تركيا التي حلت ضيفة شرف على دورة هذا العام. شهد المهرجان حضوراً كبيراً من نجوم وصناع السينما العربية والعالمية من أبرزهم الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي، والممثل المصري يحيى الفخراني، والمصري محمود حميدة، وخالد أبو النجا، وليلى علوي، والمخرج الجزائري لخضر حامينا. ومن ناحية أخرى انتهى ملتقى الرواية والسينما الموازي لمهرجان وهران للفيلم الدولي العربي بحضور العديد من الروائيين العرب، وهي الفعالية التي تم فيها تقديم العديد من الأوراق البحثية والروائية على مدار ثلاثة أيام عن علاقة السينما بالرواية، ومدى الاستفادة من كلا الفنين، والروافد التي من الممكن أن يستفيد كل منهما من الآخر. أُقيم الملتقى في دورته الأولى هذا العام باسم الروائية الجزائرية الراحلة آسيا جبار تكريما لها، ولدورها الثقافي والروائي الذي قدمته، كما تم تكريم الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، مع حضور الروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي أدار العديد من الفعاليات الثقافية، والأمسيات التي التقى فيها الروائيون العرب، وغيرهم من الأكاديميين من أجل تقديم أوراقهم البحثية وتجاربهم حول الرواية والسينما. حضر الملتقى عدد كبير من الروائيين العرب الذين قدموا العديد من الاسهامات في مجالي الرواية والسينما، منهم المصري وحيد الطويلة، والمصري محمود الغيطاني، والعراقي محسن الرملي، والجزائري بشير مفتي، والأردني مفلح العدوان، والفلسطيني إبراهيم نصر الله، والجزائري عبد الوهاب بن منصور، والكويتي طالب الرفاعي، والجزائري خالد بن صالح، والجزائري محمد جعفر، والفلسطينية رزان إبراهيم، وكان منسق الملتقى الروائي الجزائري سمير قسيمي. وقد أوصت اللجنة العلمية لملتقى السينما والرواية الذي اختتم فعالياته في مسرح عبد القادر علولة بتكريس ثقافة الصورة وتوثيق الفيلم السينمائي في المنظومة التربوية، كما تم الإجماع على ضرورة استمرارية الملتقى في دورات قادمة بعناوين جديدة، ومحاور مختلفة حسب تأكيد عضو الملتقى الروائي سعيد بن زرقة، الذي شدد على حتمة الاستفادة من خبرات بعض الروائيين والأدباء العرب والأجانب. وكانت الجلسة النهائية التي حضرها الروائي وحيد الطويلة قد شهدت إلقاء مداخلته عن مارسيل خليفة، كما تم عرض فيلم وثائقي عن الروائي الراحل الطاهر وطار بعنوان "آخر الكلام" للمخرج والصحفي محمد الزاوي، وهو الفيلم الذي تناول فيه المخرج الأيام الأخيرة من حياة وطار والذي شهدنا فيه الطاهر مُتحدثا عن ذكرياته القديمة منذ كان طفلا، ورحلته مع الأدب، والتيار الشيوعي ودفاعه وتمسكه بالأيديولوجية الماركسية، كما عرض الفيلم تحول الطاهر إلى طفل صغير حين التقائه مع الأطفال، وكيف أنه كان يُطلق على عصاه التي يتوكأ عليها اسم "أوباما"، ومدى حرصه طوال حياته على محاربة الكتابة باللغة الفرنسية من قبل روائيين جزائريين، ومحاولته الدائمة للحفاظ على اللغة العربية بتأسيسه لجمعية الجاحظية.