يتعاظم شييء فشىء دور الدبلوماسية الثقافية في تعزيز علاقات الدول فى عالم يزداد ترابطا في تشكيل التفاهم بين المجتمعات ، وفي الوقت نفسه تقوم بدعم تعاون تفضيلي مع دول بعينها ، وتقدم العلاقات بين الصينوجنوب افريقيا نموذجا جيدا على ذلك من خلال برنامج " 2015 عام الصين في جنوب أفريقيا". بدأت المبادرة فى الأساس عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ جنوب أفريقيا في عام 2013، وأكد الجانبان على ضرورة زيادة المشاركة الفعالة بين شعبى الدولتين، وفي وقت لاحق ، أقامت جنوب أفريقيا مجموعة من الفعاليات الترويجية في الصين مثل معرض نيلسون مانديلا بمنطقة الفنون العصرية في بكين عام 2014 ، وفي عام 2015 جاء دور الصين لإقامة سلسلة من الأحداث في جنوب أفريقيا ، والتي إفتتحتها الحكومة الصينية مؤخرا في مسرح الدولة في جنوب أفريقيا. ووفقا لمعهد الدبلوماسية الثقافية، فإن تعريف الدبلوماسية الثقافية هو "تبادل الأفكار والقيم والتقاليد وغيرها من جوانب الثقافة أو الهوية، بهدف تعزيز العلاقات، وبالتالى زيادة التعاون الاجتماعى والثقافى أو دعم المصلحة الوطنية". وبالمثل ، اعترف نائب الوزير السابق لجنوب افريقيا للعلاقات الدولية والتعاون، ماريوس فرانسمان ،أن مثل هذا النوع من الدبلوماسية يعنى أكثر من"الثقافة" في حد ذاتها حيث أنه يمتد ليعنى "مشروعات السلطة الوطنية في مجال الأفكار". كما وصفت وزارة الخارجية الأمريكية مصطلح الدبلوماسية الثقافية بأنه"محور الدبلوماسية العامة" ، بمعنى تواصل السياسة الخارجية مع الشعوب في الخارج بمثابة كشف عن روح الأمة. ويبدو أن هناك تزايد فى الاهتمام العالمي بالدبلوماسية الثقافية، فبعض الدول مثل فرنسا تقوم بتكريم دول معينة من خلال إقامة سلسلة من الأحداث أو "المواسم الثقافية" منذ عام 1985، كجزء لا يتجزأ من سياسة فرنسا بدعم التنوع الثقافي. كما يحظى التفاهم الثقافي أيضا باهتمام عالمي،حيث تم تأسيس تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة لمواجهة الاستقطاب والتطرف بين الثقافات والأديان في إطار الحرب العالمية على الإرهاب. وعلاوة على ذلك، تزايد اهتمام الدول الناشئة بالدبلوماسية الثقافية كمجال دراسة جديد، كما ظهر في تنظيم جامعة جنوب كاليفورنيا مؤتمرا عام 2014 تحت عنوان: "عهد جديد في الدبلوماسية الثقافية: ارتفاع القوة الناعمة في الأسواق الناشئة ". وفي الآونة الأخيرة أكد العلماء الزائرون من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ،في إحدى فعاليات مجلس أبحاث العلوم الإنسانية الجنوب أفريقى، أن طريق الحرير البحرى فى القرن 21، كان مبادرة استراتيجية من الصين للإستفادة من هذا الطريق التاريخي ، ليس فقط فى مجال التجارة أو السلع ولكن أيضا فى مجال التعاون الثقافي . وصرح رئيس إدارة العلاقات الدولية في وزارة الفنون والثقافة بجنوب أفريقيا ، فى مقابلة لصحيفة تشينافريقيا، بأن هناك مجموعة فريدة من المصالح والقوى المحركة التي ستنتج عن مبادرة الصينوجنوب افريقيا الحالية ، وأكد فى مقابلة خاصة أن الفعاليات الخاصة بكل دولة يمكن أن تساعد فى رفع مكانة الصين في جنوب أفريقيا والعكس بالعكس ، وخلق أرضية خصبة للعلاقات الدبلوماسية العامة والثقافية بين الدولتين من أجل تعزيز العلاقات الثنائية،ودعم التعاون فى قطاعات متعددة. وتؤكد أهداف المبادرة الصينية - الجنوب أفريقية على الوصول إلى تعاقدات ثقافية تكون بمثابة قنوات لتحقيق مزيد من المصالح الاستراتيجية طويلة الأجل ، في حين أن تعزيز هذه المبادرات التى تقتصر على الجانبين فقط يسلط الضوء أيضا على الأهمية الملموسة للعلاقات الثنائية فى الإطار العالمي المشبع بالتجمعات الجديدة والشراكات الاستراتيجية. تجدر الإشارة إلى أن الفعاليات المقترحة بالمبادرة تظهر أيضا إدراكا لأهمية تحسين عملية الاتصال والتفاهم بين المجتمعات المعنية ، فمنذ إقامة العلاقات الثنائية الرسمية بين جنوب افريقيا والصين عام 1998 ، أحرزت جوانب معينة مثل الأعمال أو الدبلوماسية التي هي صميم العلاقات ، تقدما أكبر بكثير من الفهم الحقيقي للقيم والثقافة والناس. ولذلك فإن التركيز المتزايد على الاتصالات الثقافية بين الصينوجنوب افريقيا سوف يتطلب أيضا التوصل إلى تفاهم مع بعض الحقائق الواقعية ، فقد أدركت الدولتان أن المستوى الأول والأكثر أهمية هو الحاجة للتبادل البشرى كأساس لخلق الثقة. التساؤل الأخر هو من هم الجمهور المستهدف من تنظيم "عام الصين "في جنوب أفريقيا؟ والأهم من ذلك أن جنوب أفريقيا ستشهد مجموعة من الأحداث المتزامنة فى نفس الوقت ، حيث تستضيف أيضا قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة والمنتدى السادس للتعاون الصينى الأفريقى. ولذلك ، فإن "عام الصين "فى جنوب أفريقيا يمثل فرصة لتسليط الضوء على صورة الصين والاندماج والاختلاط بجمهور أكبر من الجمهور في جنوب أفريقيا ، يمتد ليصل إلى المنطقة بكاملها. والواقع أن المهمة الحقيقية المطروحة هي ضمان ألا تقتصر المشاركة في الحدث على الدوائر السياسية ، بل أن تمتد لتشمل التواصل بين الأجيال،ومشاركة المتشككين فى العلاقة بين الدولتين ، وتنقية الأجواء على قدر المستطاع من نقاط الخلاف بين الجانبين. وبطبيعة الحال ، فإن ترويج الثقافة الصينية ليست مجرد ممارسة حكومية. فقد مثلت الجالية الصينية الموجودة فى جنوب أفريقيا لفترة طويلة قنوات هامة في إقامة جسر بين ثقافة جنوب أفريقيا والثقافة الصينية. حيث أن المناسبات الرسمية هي أقل انتظاما مما هو متصور فضلا عن أنها تقام في بعض الأحيان من قبل جمعيات لها أهداف معينة أو مصالح إقليمية ، وعلى الرغم من ذلك فإن مثل هذه المبادرات تثير تساؤلات حول توفير الموارد. يذكر أن جهود جنوب أفريقيا في تعزيز الدبلوماسية الثقافية متواضعة بالمقارنة مع الصين. حيث أن الصين لديها القدرة على إدارة مبادرات أكبر و أكثر طموحا، مثل قيامها بإنشاء معاهد كونفوشيوس ووكالات إعلام في الخارج، فضلا عن إنشاء أقسام للدبلوماسية العامة في السفارات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك،تشارك الصين في التعاقدات الخاصة بتوسعة البلاد. جدير بالذكر أن عام الصين في جنوب أفريقيا يتزامن مع السنة الصينية للتبادل الثقافي مع المملكة المتحدة. ومع ذلك ، أبرزت نفس المقابلة الصحفية لجريدة "تشاينافريقيا" الصينية ، أن حكومة جنوب افريقيا تسعى لتطوير سياسة الدبلوماسية الثقافية الرسمية كتوجه فى علاقاتها الخارجية ، ويمكن أن يسهم ذلك بدوره في حشد الموارد أكثر استهدافا لمثل هذه المبادرات. الأهم من ذلك، هو أن ننظر في كيفية تطوير العلاقة بين الصينوجنوب افريقيا إلى أبعد من مبادرات الترويج الخاصة بكل بلد كل منهما. يذكر أنه بعد الزيارة الرسمية لجاكوب زوما للصين في أواخر عام 2014، أعلنت وسائل الإعلام المستقلة في جنوب افريقيا وشركة التلفزيون الدولية الصينية عن التوصل لمذكرة تفاهم مشترك لاستكشاف إنشاء منبر إعلامي جديد لأفريقيا. ومن المثير للاهتمام أن هذا التطور يحدث ضد مجموعة الدول التي لها مصلحة في وسائل الاعلام الحكومية لترويج وجهات نظرهم ومصالحهم عالميا ، بما في ذلك الصين. ومع تطور هذه القصة بالذات ، سيكون من المثير للاهتمام أن نشهد أى من المصالح أو الدبلوماسية العامة التي سيتم الترويج لها في القارة الأفريقية.