تاريخ العرض: 1973 إنتاج: أفلام التليفزيون إخراج: نور الدمرداش تأليف: إبراهيم الورداني، معالجة تليفزيونية: شريف المنباوي تمثيل: محمود يس، نيللي، يوسف فخر الدين، محمود عبد العزيز، نادية الجندي، محمد توفيق، هياتم قبل أن تظهر الكاميرات الرقمية بربع قرن، وقبل ظهور التليفزيون الملون بخمس سنوات، وقبل حرب أكتوبر بأسابيع، هلّ مسلسل «الدوامة» على التليفزيون المصري، فأدهش المشاهدين وجذب اهتمامهم بموضوعه ونجومه وشكله المختلف. أول ما يلفت الانتباه في «الدوامة» هو أنه لم يصور بكاميرات الفيديو، المحدودة الإمكانيات، وسطحية التعبير، والمتعبة في عمليات ما بعد التصوير من مونتاج وميكساج، ولكنه صور بكاميرا وأسلوب السينما، وهو يبدو مثل فيلم سينمائى طويل. موضوع المسلسل أيضًا يختلف عن الموضوعات التليفزيونية التقليدية وقتها، وهو أقرب لموضوعات أفلام هذه الفترة، خاصة التي يصنعها الشباب، حتى أنه يمكن مقارنة المسلسل بفيلم «زوجتى والكلب» لسعيد مرزوق، و«بئر الحرمان» لكمال الشيخ، و«السراب» من حيث تركيزها على العقد النفسية لأبطالها، والتي تتحكم في مسار الدراما ومصائر الشخصيات. يتناول «الدوامة» قصة طبيب ناجح اسمه محمود (محمود يس)، مصاب بعقدة نفسية بسبب خيانة أمه لأبيه وهجرها لزوجها وأطفالها، وهو بعد أن يتزوج من فتاة عصرية جميلة (نيللي) وتحمل زوجته يستعيد ذكريات عقدته القديمة، ويشك في وجود علاقة بين زوجته وأقرب أصدقائه (يوسف فخر الدين)، مما يدفعه إلى الإدمان ثم ارتكاب جريمة قتل والهرب إلى أحد الجبال، حيث ينضم إلى عصابة من المطاريد من بينهم راقصة شابة تقع في حبه (نادية الجندي).. قبل أن تكتشف مكانه زوجته وأصدقاؤه والشرطة، وهو يطل على شفا جرف على البحر تحته دوامة قاتلة، تتجسد فيها كل مشاعره بالحيرة والدوار والرغبة في الموت. المسلسل، كما ذكرت، يبدو كما لو كان فيلمًا سينمائيًا طويلًا من ثلاث عشرة حلقة (لم تكن مسلسلات الثلاثين حلقة على الأقل قد ظهرت بعد)، وبالرغم من أن الفكرة كان يمكن اختزالها في فيلم مدته ساعتان، إلا أن نور الدمرداش يحافظ على إيقاع العمل، خاصة في نصفه الثاني، عن طريق المونتاج المتوازى بين معاناة الزوجة المصدومة في زوجها ورحلة الزوج في أرض الضياع. محمود يس الذي يلعب دور الطبيب هو نجم سينما السبعينيات بلا منازع، وهو أشهر وأكثر من لعب أدوار المريض نفسيًا والمأزوم، والتي سادت السينما عقب هزيمة 1967 وفترة السبعينيات بما احتوته من تغييرات كبيرة واستقطاب هائل بين القفز إلى قطار الحريات الأوربية وبين القفز إلى قطار التخلف والعودة للوراء. يطرح مسلسل «الدوامة» جوهر هذه الأزمة الذكورية التي انفجرت في السبعينيات، والتي تمثلت في شخصية الرجل المتعب نفسيًا الحائر بين التقاليد المحافظة والتحرر الغربي، أو الذي يشك في حبيبته أو زوجته، أو المجروح في رجولته بسبب الخيانة، أو بسبب تعرض حبيبته للاغتصاب... بجانب الأسلوب السينمائى والموضوع الساخن، يضم «الدوامة» كتيبة من الممثلين الشباب الذين أصبحوا نجوم السينما بعد المسلسل، وعلى رأسهم محمود يس، ونيللي، ونادية الجندي، ومحمود عبد العزيز الذي يمثل هنا لأول مرة في حياته، بجانب عدد آخر من نجوم التليفزيون والسينما. حظى مسلسل «الدوامة» بنجاح غير مسبوق لمسلسل تليفزيوني، وأحدث نقلة في مفهوم الدراما التليفزيونية، مهدت الطريق أمام أعمال أكثر تنوعًا وثراء بصريًا ودراميًا.