الرواية للنسائى عن أنس، رضى الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «حبب إلىّ النساء والطيب، وجعلت الصلاة قرة عينى». في كلماته «مفتاح» لحياته الخاصة، هو إنسان لم تجرده النبوة من بشريته فأحب، وأنى له أن يجبر عواطفه على غير ما تحب: «اللهم هذا قسمى فيما أملك، فلا تلمنى فيما لا أملك». كان يقصد بالأولى العدل بين نسائه فيما يملك من مبيت ونفقة، أما ما لا يملكه فهو الحب الذي لا يستطيع أن يخضعه ل«موازين العدل». تزوج عليه الصلاة والسلام خمس عشرة امرأة –وفق روايات معتبرة– هن: خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبى بكر الصديق، وسودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم سلمة (هند بنت أبى أمية)، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب، وزينب بنت جحش، وصفية بنت حيى بن أخطب، وميمونة بنت الحارث، وامرأة من بنى كلاب بن ربيعة يقال لها النشاة بنت رفاعة، والشنباء بنت عمرو الغفارية، وغزية بنت جابر، وأسماء بنت النعمان، وزينب بنت خزيمة. دخل بثلاث عشرة امرأة، وعقد على اثنتين ولم يدخل بهما، وجمع بين إحدى عشرة، وتوفى عن تسع، وتوفيت في حياته زوجتان هما: خديجة، وزينب بنت خزيمة. أقف بالقرب من مساحة خاصة في حياة الرسول، أقصد 3 من النساء (من بين خمسة) خطبهن عليه الصلاة والسلام ولم ينكحهن، ولكل منهن قصة تستحق أن تروى. كنت قد عزمت أن أعرف كل شيء عن الحياة الخاصة للنبى عليه الصلاة والسلام، فقرأت «نساء النبي» لبنت الشاطئ الدكتورة عائشة عبدالرحمن، و«محمد في حياته الخاصة»، لأستاذ الفلسفة نظمى لوقا، و«زوجات الرسول بين الحقيقة والافتراء»، للدكتور نبيل لوقا بباوى، و«محمد رسول الحرية»، لعبدالرحمن الشرقاوى. قبل أيام أعدت قراءة «تاريخ الرسول والملوك»، المعروف ب«تاريخ الطبرى»، وهو كتاب في التاريخ من تأليف محمد بن جرير الطبرى، المتوفى في 310 ه، و«سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد»، وهو كتاب لمحمد بن يوسف الصالحى، وهو من مؤرخى القرن العاشر الهجرى. كان الاثنان هما الأهم بالنسبة لى، فقد كشفا جانبًا لا يعرفه كثيرون عن حياة النبى، عليه الصلاة والسلام، بالتحديد عن نسائه، حيث جمعا كل من عرفهن الرسول، سواء من زوجاته، أو من تزوجهن ولم يدخل بهن، أو من خطبهن ولم ينكحهن، أو سريراته، أو ما ملكت يمينه. أم هانيء بنت أبي طالب يعتقد جل المسلمين أن السيدة خديجة بنت خويلد هي الأولى في حياة النبى، لم لا وهو قد قال عنها: «إنى لأحب حبيبها». مع «خديجة» تجلت ل«محمد» آية الله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً». هل نزيد؟ كانت هالة بنت خويلد أخت «خديجة» قادمة لزيارة النبى فسمع عليه الصلاة والسلام صوتها وكان يشبه صوت زوجته الأولى، فهتف: «اللهم هالة». ما ملكت السيدة عائشة، وهى «الخالصة» الوحيدة بين زوجاته، نفسها، فصاحت: «ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرًا منها». تغير وجهه عليه الصلاة والسلام، وزجر عائشة: «والله ما أبدلنى الله خيرًا منها، آمنت بى حين كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بما لها إذ حرمنى الناس، ورزقنى منها الله الولد دون غيرها من النساء». لا تكفى المساحة هنا للحديث عن مكانة السيدة خديجة في نفس النبى عليه الصلاة والسلام، فهى الأم، والحبيبة، والمسلمة الأولى، غير أن الرواية الموجودة في كتاب «سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد»، حول خطبة النبى ابنة عمه أم هانئ بنت أبى طالب، واسمها «فاختة»، وقيل هي «هند»، تنفى كونها السيدة الأولى في حياة النبى. متى خطبها النبى على وجه الدقة؟ الجواب الأول، كان موجودًا في «سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد»، حيث يذهب «الصالحى» إلى أن النبى عليه الصلاة والسلام كان قد خطب ابنة عمه «أم هانئ» قبل زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد. ينقل «الصالحى» عن «ابن عباس» أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب إلى «أبى طالب» ابنته «أم هانئ» في الجاهلية، لكن «أبو طالب» اعتذر منها، وزوجها هبيرة بن أبى وهب. ذهب محمد عليه الصلاة والسلام إلى عمه: «يا عم زوجت هبيرة وتركتنى»، فقال: «يا ابن أخى إنّا قد صاهرنا إليهم والكريم يكافئ الكريم». أعود إلى «الطبرى»، حيث يذكر رواية مخالفة ل«الصالحى»، فيشير إلى أن النبى خطبها بعد الإسلام، لكنه لم يتزوجها، لأن لها ولدا. في التفاصيل أن «أم هانئ» أسلمت ففرق الإسلام بينها وبين زوجها «هبيرة»، الذي فر إلى اليمن بعد فتح مكة -لم يذكر الطبرى هذه النقطة وإنما تذكرها أكثر من رواية تاريخية- وقيل: إنه قتل في معركة الخندق. لما علم النبى بأمرها وفرار زوجها تقدم إليها ليخطبها فقالت: «والله إنى كنت أحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام، لكنى امرأة مصبية (لدى صبيان) وأكره أن يؤذوك» فقال لها: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل: أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده» (البخارى). هذه الرواية لا ينفيها محمد بن يوسف الصالحى، لكن يذكر أنها كانت «الخطبة الثانية»، حيث تقدم النبى لخطبتها مرة أخرى بعد الإسلام، فاعتذرت له: «يا رسول الله لأنت أحب إلى من سمعى وبصرى، وحق الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلت على زوجى أن أضيع بعض شأنى وولدى، وإن أقلبت على ولدى أن أضيع حق الزوج». نحن إذن أمام رواية تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد عرف النساء قبل خديجة، وأحب ابنة عمه، وتقدم إلى خطبتها، لكن الأقدار وقفت بينهما لعلة تعرفها. ضباعة بنت عامر لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ومع ضباعة بنت عامر، يزيد الجدل حول كون السيدة خديجة هي الأولى في حياة النبى. في رائعته «محمد رسول الحرية»، يذكر عبد الرحمن الشرقاوى، أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى في الكعبة امرأة شابة جميلة تطوف.. كان اسمها ضباعة بنت عامر، فخطبها محمد لنفسه وشغفت المرأة به حبًا. كان ذلك قبل الإسلام بسنوات طويلة، ويقول «الشرقاوى»: إن الرسول لما علم أنها حين كانت تطوف بثوبها ألقت شعرًا فاحشًا متغزلة في فتوته، ثم ذكر له عنها ما جعله يتركها ففسخ الخطبة. بحثت وراء اسم ضباعة بنت عامر، فكان ذكرها في كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة»، إذ يذكر ابن حجر العسقلانى في الجزء الثامن من كتابه (ص 222)، أن «ضباعة» كانت متزوجة من عبداللَّه بن جدعان، ورغب فيها هشام بن المغيرة، وكان من رجال قريش، فقال ل«ضباعة»: «أرضيت لجمالك وهيئتك بهذا الشّيخ اللئيم، سليه الطّلاق حتى أتزوّجك». سألت «ضباعة» ابن جدعان الطلاق فقال: «بلغنى أنّ هشامًا قد رغب فيك، ولست مطلقا حتى تحلفى لى أنك إن تزوجت أن تنحرى مائة ناقة سود الحدق بين إساف ونائلة، وأن تغزلى خيطا يمدّ بين أخشبى مكّة، وأن تطوفى بالبيت عريانة». أتاها «هشام» فأخبرته، فقال: «أمّا نحر مائة ناقة فهو أهون على من ناقة أنحرها عنك، وأما الغزل فأنا آمر نساء بنى المغيرة يغزلن لك، وأما طوافك بالبيت عريانة فأنا أسأل قريشا أن يخلو لك البيت ساعة، فسليه الطّلاق، فسألته فطلّقها وحلفت له». حتى هذه اللحظة لا وجود لاسم النبى عليه الصلاة والسلام، لكن ما يكشفه «العسقلانى» بعد قليل «يفك طلاسم ما ذكره عبدالرحمن الشرقاوى» حول المرأة التي رآها الرسول وهو صبى (ضباعة أكبر منه بنحو عشرة أعوام) تطوف حول الكعبة. ينقل «العسقلانى» في كتابه عن «ابن عباس»: «أخبرنى المطّلب بن أبى وداعة السهمي، وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم رفيق صبا: لما أخلت قريش لضباعة البيت خرجت أنا ومحمد ونحن غلامان، فاستصغرونا فلم نمنع، فنظرنا إليها لما جاءت، فجعلت تخلع ثوبا ثوبا، وهى تقول: «اليوم يبدو بعضه أو كلّه.. فما بدا منه فلا أحلّه» حتى نزعت ثيابها، ثم نشرت شعرها فغطّى بطنها، وظهرها حتى صار في خلخالها، فما استبان من جسدها شيء، وأقبلت تطوف، وهى تقول هذا الشعر». مع «الطبرى» مرة أخرى، لكنه يشير إلى أن النبى خطبها بعد الهجرة من ابنها سلمة بن هشام بن المغيرة، فقال له (أي سلمة للنبى): حتى أستأمرها. ذهب «سلمة» إلى والدته فقال: «النبى خطبك»، فقالت: «ما قلت له»، قال: «قلت له حتى أستأمرها»، فانتفضت: «وفى النبى يستأمر.. ارجع فزوجه». لما عاد «سلمة» سكت عنه النبى عليه الصلاة والسلام، وذلك أنه أخبر أنها كبرت، وقيل له: «إن ضباعة ليست كما عهدت قد كثرت غضون وجهها وسقطت أسنانها من فمها». أم حبيب بنت العباس المرأة الثالثة المجهولة في حياة النبى عليه الصلاة والسلام هي أم حبيب بنت العباس بن عبدالمطلب، ولها قصة خاصة مع «محمد» جلبت عليه اتهامات كثيرة. الحديث رواه أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أم حبيبة بنت عباس وهو فوق الفطيم فقال: «لئن بلغت بنية العباس هذه وأنا حى لأتزوجها». اتخذ أعداء النبى عليه الصلاة والسلام من هذه الكلمات وسيلة لاتهامه بأنه اشتهى طفلة فوق الفطيم، فيما رد فقهاء المسلمين، بأنه إذا افترضنا صحة الرواية فإن الرسول لم يشتهها، بل قال: «أتزوجها بعد أن تبلغ». ومن بين الردود أيضًا، أن النبى عليه الصلاة والسلام ذكر هذه الكلمات تكريمًا ل«العباس»، فهو تزوج عائشة بنت أبى بكر، وحفصة بنت عمر، وبالمثل كان يتمنى أن يفعل مع بنت العباس. قبض النبى قبل أن تبلغ «أم حبيب»، ويذكر الطبرى أن الرسول الكريم وجد العباس أخاه في الرضاعة، فقد أرضعتهما ثويبة مولاة أبى لهب. وتزوجها «أم حبيب» الأسود بن سفيان بن عبد الأسد، وهى أخت عبد الله، والفضل، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد بنى العباس.