جسدت فريدا كاهلوا فكرة تحويل المعاناة لإبداع، حتى وإن كان هذا الإبداع مؤلما، فاستطاعت أن تجعل المشاهد للوحاتها وكأنما أصابه ذات الألم، واستطاعت أن ترى في جسدها الجريح والمعذب والمنكوب طوال الوقت من الإعاقة وحوادث السير والخيانات جمالًا استثنائيًا، خطته في يومياتها، بريشتها تارة، وبقلمها تارة أخرى؛ وقد مثل دييجو رسامها وزوجها وحبيبها الخائن موضوعًا للعديد من اليوميات التي كتبتها، إذ تقول فيه "دييجو مرآة الليل عيناك سيوف خضراء داخل لحمي/ موجات بين أيدينا/ أنت كلك موجود في المكان مليء بالأصوات، في الظل والضوء". "أظن أنه يمكنني أن أحل مشاكلي وانجو، خطوة بخطوة". ولدت فريدا كاهلو في السادس من يوليو عام 1907، بأحد ضواحي كويوكان بالمكسيك، لأب يهودي وأم من أصل مكسيكي، وكانت زيجة والداها لا تتسم بالسعادة وكان ترتيبها الثالثة وسط أشقائها الأربعة، وأتسم منزلها بوجود الكثير من الفتيات به، كما أتسم بوجود والدها المتحاب، وعند بداية الثورة المكسيكية عام 1910 كانت فريدا وقتها لاتزال في الثالثة من عمرها، ولكنها أعادت كتابة تاريخ ميلادها ليكون 1910 لتجعل بداية حياتها مع المكسيك الحديثة؛ كما تزوجت زيجة سريعة من الفنان المكسيكي دييجو ريفيرا وهي في الثانية والعشرين من عمرها، بينما كان هو في الثانية والأربعي،ن وكانت صعبة المراس نتيجة لمشاكلها الصحية منذ الصغر إضافة إلى خياناته المتكررة، فانفصلا بعد فترة قصيرة، وعادا مرة أخرى منه بعد الطلاق عام 1940. لم تمتلك فريدا هبات ربانية إلا موهبتها في الرسم، فقد أصيبت بشلل الأطفال صغيرة وهذا سبب لها مشاكل نفسية جمة، حتى إنها كانت ترتدي الجوارب الصوفية صيفًا مع الفستان لتُخفي إعاقتها، ثم أصيت في حادثة مرور حينما كانت تركب حافلة، واضطرت لمدة سنة كاملة أن تستلقي على ظهرها، وحينها قامت والدتها برعايتها وتوفير مرآة لها في سقف الغرفة، وهنا بدأت تكتشف موهبتها في الرسم وهي التي لم تتلق تعليمًا أكاديميًا، بل تلقت تعليمًا خاصًا على يد أساتذة خصوصيين. ويمكن القول إنه لولا إصابة فريدا بالأمراض والحوادث تلك لربما ظلت مغمورة لا يدري عنها أحد شيء، فقد اشتهرت بقدرتها على تجسيد ألمها، وتأثرت أعمالها بالثقافة المكسيكية، والسكان الأصليين لأمريكا؛ وعاشت وتوفت في منزلها المُسمى ب"المنزل الأزرق"، والذي تحول إلى متحف فيما بعد، وتميزت أعمالها بالسريالية، رغم إنها في أقول لاحقة رفضت ذلك، وأكدت أن أعمالها تعكس واقعها وليس أحلامها. "ليس هناك ما هو أثمن من الضحك". وإذا ما نظرنا في أعمال فريدا، التي أنتجت أكثر من مائة وأربعين لوحة، مع عشرات الرسومات؛ وكذلك خمسة وخمسون لوحة ذاتية والتي دمجت معها عادة رمزية الجروح الفيزيائية، ولا يُمكن إغفال أنها تأثرت بطريقة دييجو ريفيرا الفنية؛ سنجد تأثير كبير من الحادثة التي أصابتها، وجعلت من المستحيل أن تنجب أطفالًا من رحمها، فخرجت الكثير من لوحاتها تعبر عن فشل الاستنساخ، ورسمت لوحة "مشفى هنري فورد" فور إجهاضها عام 1932 لتصور ذاتها وهي تنزف. "لوحاتي تحمل معها رسالة الألم". وفي السنوات الأخيرة من حياتها كانت فريدا تعاني من التهاب الرئوي، واضطرت إلى بتر ساقها اليمنى حتى الركبة بسبب الغنرغرينا، وتوفيت فريدا كاهلو في 13 يوليو 1954، وكان السبب الرئيسى وراء الوفاة هو انصمام رئوي، وقيل أنها ماتت نتيجة جرعة زائدة أو تسمم ولكن لم يتم تشريح جثتها ابدا، توفيت كاهلو، التي زخرت حياتها بعلاقات صاخبة وعاصفة شملت المفكر الشيوعي ليون تروتسكي والمغنية والراقصة الأمريكية جوزفين بيكر، عن عمر 47 عاما. وجثتنها أُحرقت، وتم حرق الجثة، والاحتفاظ برمادها في آنية بمنزلها الأزرق، ثم تم خلط رمادها مع رماد دييجو بعد وفاته نتيجة لمرض السرطان، وقد تحول منزلهما الآن إلى متحف باسم فريدا كاهلو؛ ويضم المعرض صور الملابس التي كانت ترتديها الفنانة المكسيكية، لإخفاء التشوه الذي لحق بجسدها، فضلا عن ساقها الاصطناعية المزينة بالنقوش الصينية وبجرس صغير. "أتمنى أن تكون النهاية مبهجة، كما أني أتمنى ألا أعود أبدًا". وبعد سنين من وفاتها، قامت المخرجة جوليا تيمور، في عام 2002 بإخراج فيلم سينمائي عن حياة كاهلو وسيرتها الذاتية، بعنوان "فريدا.. الحياة المتنافسة"، ويحكي الفيلم كيف حولت كاهلو حياتها المأساوية إلى عالم من الخيال السعيد لتنسى حياتها الصعبة؛ وقام ببطولته "سلمى حايك"، ورشح لنيل جائزة الأوسكار، وفازت حايك بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة؛ وكذلك تم عمل الكثير من الأفلام الوثائقية عنها في موطنها الأصلي المكسيك. https://www.youtube.com/watch?v=OvVtRTiuViU https://www.youtube.com/watch?v=7lXGW6-7vQc https://www.youtube.com/watch?v=45Z0keLaGhQ https://www.youtube.com/watch?v=GJK3XPax2Fg https://www.youtube.com/watch?v=9KvtdCOIdWA