قبل خمس أو ست سنوات، تحصلت علي معلومة، تفيد أن الكاتب الصحفي عبدالله كمال، ينوي تقديم برنامج علي قناة الحياة، وأنه بعد أن قام بتسجيل حلقة مبدئية من البرنامج، لم يجد محمد عبد المتعال رئيس القناة وقتها، أن حضور وكاريزما عبدالله كمال يؤهلانه للظهور كمذيع علي الشاشة، واقترح عبد المتعال أن يحاور عبدالله مذيعة سياسية، لتستفيد القناة من رؤياه وتحليلاته السياسية، ولكن عبدالله كمال رحمه الله رفض الفكرة وأغلق ملف ظهوره كمذيع واكتفي بما يكتبه فى جريدة ومجلة روزاليوسف. وقتها باندفاع الشباب، قمت بنشر القصة، وللأسف أضفت إلي القصة بعض التوابل الصحفية الساخرة، خصوصاً أنه كان هناك خصومة بين الجريدة التي يرأس تحريرها عبدالله كمال والجريدة التي كنت أعمل بها ويتراشقان بين الحين والآخر، وللأسف حقق المقال انتشارا كبيرا بعد نشره، وتداوله مجموعة كبيرة من النشطاء علي موقع الفيس بوك، شعرت وقتها بانتصار لي ولجريدتي ولرئيس تحريرها، واعتقدت أنني هزمت عبدالله كمال بالضربة القاضية، ولكنني فوجئت بمجموعة كبيرة من اصدقائي الذين يعملون مع عبدالله كمال فى صحيفة روزاليوسف، يعتبون علي بشدة، ويؤكدون لي أن كل كلمة كتبتها ضد عبدالله كمال ليس لها أساس من الصحة، وأخبروني كيف يتعامل عبدالله كمال معهم بروح الأخ الكبير، يمنحهم وقته كاملاً ليستشروه فى كل كبيرة وصغيرة، سواء فى عملهم أو حياتهم الشخصية، وكيف كانت تقفز الفرحة من عينيه عندما يتابع نجاح أحد تلاميذه، لم يحقد عليهم يوماً، لم يتراشق معهم، ولم يتمن لهم سوي الخير، ولم يحول جلساته واجتماعاته لجلسات نميمة عنهم ووصلات سب وقذف ضدهم، كان يحترمهم وكانوا يحبونه.. هذا ما تيقنت منه، عندما وجدت تلاميذه بالعشرات ينتظرون تشييع جثمانه لمثواه الأخير وهم يبكون بحرقة وصدق علي أستاذ أخلص فى تعليمهم فنون المهنة والحياة. قبل رحيل الكاتب الصحفي عبدالله كمال بشهور قليلة، وجدت نفسي واقفاً أمامه وجه لوجه فى إحدى المولات التجارية بإمارة أبوظبي، حاولت الهروب من هذا المشهد معتقداً أنه سيعاتبني أو سيعنفني علي ما كتبته ضده، فوجدته يبتسم لي ابتسامته الشهيرة، فتشجعت واقتربت منه وصافحته، سألني عن ما أفعله فى ابوظبي، فقلت له مازحاً، أبحث عن عمل، وكنت وقتها أتابع فاعليات مهرجان أبوظبي السينمائي، فشد علي يدي وقال لي: مصطفي أنت صحفي كويس وليك أسلوب ما تخليش حد يستغلك. أعترف الآن أنني لم أفهم رسالته فى حينها، ولكنني فهمتها فيما بعد، وتعلمت الدرس القصير الذى منحه لي عبدالله كمال لدقائق معدودة، وفى المساء عدت للأوتيل الذى كنت أقيم به، وعرفت من صحفي عربي صديق لي، أن عبدالله كمال فى أبوظبي لعقد اجتماع من أجل إطلاق مشروع صحفي كبير فى مصر بتمويل إماراتي، ولم يكن الإخوان قد سقطوا بعد.. وسوس لي الشيطان كعادته مع أبناء هذه المهنة بنشر الخبر عند عودتي، ولكنني قررت أن أبتعد بنفسي عن الصراع القائم بين عبدالله كمال والصحيفة التى كنت أعمل بها، وتجاهلت الخبر، وهو ما جعل رئيس التحرير يعاتبني وهو يسخر من عدم معرفتي بخبر مثل إصدار عبدالله كمال لموقع صحفي إلكتروني، باعتبار أنني كنت متواجد فى أبوظبي أثناء فترة تواجده، وكانت المفاجأة عندما اعترفت بمعرفتي بالخبر ولكنني تجاهلت نشره، لأنه لن يفيد الصحيفة فى شىء! بدء عبدالله كمال بعدها اختبارات موقع "دوت مصر" بنفسه، وعندما كان يقابل أي صحفي متقدم للعمل معه، ويخبره بأنه كان عمل معي سواء فى جريدة الفجر أو موقع البوابة الإلكتروني، كان يبتسم فى وجوههم ويقول لهم.. وأنتم شطار زى مصطفي عمار! كانت تصلني تعليقات عبدالله كمال، وفى كل مرة كنت اشعر فيها بخجل شديد من نفسي، لأنني تجرأت علي شخصية إنسانية وصحفية بحجمه وقيمته من أجل لا شيء، حتى استيقظت فى يوم علي خبر رحيله المفاجئ، ولم أترجم حتى الآن سر الحزن الكبير الذى سكن قلبي علي رحيله، مثل أى شخص من تلاميذه وأصدقائه، ولكنني بعد متابعة مدي الحزن الذى كسي وجوه تلاميذه، تيقنت أن عبدالله كمال شخصية من الصعب أن تنتهي أسطورتها برحيلها، لأن اللي علم ما ممتش.