تشكل القمة الثالثة لتجمع التكتلات الأفريقية الثلاثة ( الكوميسا / سادك/ تكتل شرق افريقيا ) التي ستستضيفها شرم الشيخ خلال الفترة من السادس حتى العاشر من يونيو الجاري نقطة تحول فارقة في مسيرة التكامل الاقتصادي والتجاري بين الدول الأفريقية حيث ستشهد القمة إطلاق منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء بالتكتلات الثلاثة بهدف تعزيز التجارة البينية والاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية والتجارية للقارة السمراء والتي باتت بؤرة للصراع بين القوى الكبرى الباحثة عن الموارد الطبيعية . وستعد منطقة التجارة الحرة بين دول التكتلات الأفريقية الثلاثة خطوة محورية على طريق تدشين منطقة التجارة الحرة الأفريقية الكبرى والمقرر لها عام 2017 والتي ستعزز مكانة تلك القارة على الساحة التجارية العالمية وتقليص العوائق التجارية في ضوء تنامى الدور الذى تلعبه التكتلات التجارية على المستوى العالمى. وتعتبر منطقة التجارة الكبرى التى تزمع التكتلات الأفريقية الثلاثة إعلانها خلال قمة شرم الشيخ الأكبر على مستوى القارة الأفريقية حيث ستضم 26 دولة من بينها مصر ويمثل الناتج المحلي الإجمالي لها حوالي 60 % من إجمالي الناتج المحلي للقارة الأفريقية / حوالى 2ر1 تريليون دولار / وتضم أكثر من 56 % من سكان القارة . ونشأت فكرة إنشاء منطقة التجارة الحرة لتكتلات الكوميسا وسادك وشرق أفريقيا عام 2008 لمواجهة التحديات التجارية الناجمة عن التكتلات الاقتصادية الكبرى وتعزيز التبادل التجاري على المستوي إقليمي وحل المشكلات الناجمة عن تعدد عضويات الدول فى التجمعات الاقتصادية المختلفة وهو ما يؤدى إلى تضارب المصالح بين تلك الدول ، وأجرى زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء بالتكتلات الثلاثة مفاوضات عام 2011 استمرت حتى عام 2014 لبحث الأسس التي ترتكز عليها منطقة التجارة الحرة وسبل تعزيز المشاركة التجارية والاقتصادية . وركزت المفاوضات على تجارة السلع والخدمات مع التجمعات التجارية الأخرى وسياسات المنافسة وحقوق الملكية الفكرية ، وستوفر منطقة التجارة الحرة للدول الأعضاء بالتكتلات الاقتصادية الثلاثة فرصا غير مسبوقة للتعاون في مجال التجارة والاستثمار وزيادة معدلات التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة ، وسيستفيد مجتمع الأعمال من نظام التجارة الموحد والذي سيسهم في تقليص تكاليف المشروعات. وسيعد إطلاق منطقة التجارة الحرة للتكتلات الثلاثة المرحلة الأولى لتنفيذ "استراتيجية التكامل التنموي الإقليمي " والتي ستعطي الأولوية لقطاعات تنمية البنية التحتية والتصنيع وحرية انتقال رجال الأعمال والاستثمارات وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد بالدول الأعضاء بالتجمعات الثلاثة من خلال تعزيز النمو الاقتصادي الإقليمى وخلق بيئة مواتية للتجارة الحرة. ويركز مشروع اتفاقية التجارة الحرة للتكتلات الثلاثة على عدة محاور تتمثل فيما يلى: أولا: تطوير آليات التجارة الإقليمية بين دول التكتلات الثلاثة من خلال عدد من المحددات من أهمها إنشاء منطقة تجارة حرة تجمع بين تلك الدول. ثانيا : تشجيع آليات تيسير التجارة بين الدول من خلال تقليص الوقت الخاص بتجارة الترانزيت وتكاليف العمليات التجارية وإنشاء ممرات تجارية بين الدول. ثالثا : تنفيذ برامج مشتركة خاصة بالبنية التحتية من طرق وموانئ وخطوط طيران. رابعا : تهدف الاتفاقية في النهاية إلى الوصول لتكامل الأسواق والتنمية الصناعية ، وتنمية البنية التحتية. ويتناول مشروع اتفاقية التجارة الحرة للدول الثلاث قواعد المنشأ وآليات فض المنازعات والمعالجات التجارية وتحركات رجال الأعمال والتنمية الصناعية وتحرير التجارة ( حيث من المتوقع أن يتم تحرير 60 % من إجمالى البنود فور دخول الاتفاقية حيز التنفيذ على أن يتم الوصول إلى نسبة 85 % فترة انتقالية تتراوح ما بين 5 و 8 سنوات ويتم الاتفاق على ال 15 % الباقية من خلال المشاورات بين الدول الأعضاء ) . ويقر مشروع الاتفاقية بحقوق والتزامات الدول الموقعة عليها في منظمة التجارة العالمية ####(WTO) #### بشأن العوائق الفنية أمام التجارة وتطبيق إجراءات الصحة النباتية، كما ستتعاون الدول الموقعة فيما يخص تسهيل التجارة من خلال التعاون في مجالات اللوائح الفنية والمواصفات والمقاييس وتقييم المطابقة والاعتماد، كما أعطت الاتفاقية الحق للدول الأعضاء التي تواجه عجزًا في ميزان مدفوعاتها أن تتبنى تدابير وقائية وفقًا للإرشادات التي يحددها مجلس الدول الأعضاء. وفى السياق ذاته ، تعتزم الدول الأعضاء بالتجمعات الأفريقية الثلاثة - بعد الإعلان عن منطقة التجارة -، بحث إقامة منطقة تجارة حرة بين التكتلات الثلاثة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس) والتي تضم 15 دولة . ومن جهة أخرى ، ساهمت التكتلات التجارية الثلاثة في زيادة التبادل التجاري والاستثمارات بين الدول الأعضاء خلال السنوات الماضية رغم التنافس الحاد من جانب القوى الكبرى للسيطرة على المواد الخام والأسواق الأفريقية . وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حجم التجارة البينية لدول تجمع السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا / الكوميسا / التسعة عشر والمنضمة له مصر شهد نموا مطرداَ خلال السنوات الماضية، حيث ارتفع من 8 مليارات دولار في عام 2004 ليسجل 22 مليار دولار خلال عام 2014 . وزاد إجمالي حجم واردات دول الكوميسا الى حوالى 8ر170 مليار دولار بينما ارتفع حجم صادراتها إلى حوالى 5ر112 مليار دولار . بدأت اتفاقية الكوميسا كمنطقة تجارة تفضيلية تهدف للوصول لإقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء لتتطور لتصبح اتحادا جمركيا ثم سوقاً مشتركة ، وقد وقعت مصر على الانضمام إلى اتفاقية الكوميسا في يونيو عام 1998 وتم البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات من باقي الدول الأعضاء اعتبارا من عام 1999 على أساس مبدأ المعاملة بالمثل للسلع التي يصاحبها شهادة المنشأ معتمدة من الجهات المعنية بكل دولة. وترتكز اتفاقية الكوميسا على عدد من المبادئ المهمة تتمثل فى احترام استقلال وسيادة الدول والتضامن والاعتماد الجماعى بين الدول الأعضاء وعدم الاعتداء واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالحريات وسيادة القانون ودعم جهود السلام والاستقرار ومبدأ حسن الجوار وتسوية كافة المنازعات التى تنشأ بين الدول الأعضاء سلميا وتعزيز النظم الديموقراطية. وتضم الكوميسا – التى تبلغ مساحة الدول الأعضاء بها حوالى 12 مليون كيلومتر مربع - فى عضويتها مصر وبورندى وجزر القمر والكونغو الديموقراطية وجيبوتى واريتريا وأثيوبيا وكينيا وليبيا وجزر سيشيل ومدغشقر ومالاوى وموريتانيا والسودان ورواندا وسوازيلاند وأوغندا وزامبيا وزيمبابوى. وفى السياق ذاته ، تأسس تجمع تنمية الجنوب الافريقى / سادك / عام 1992 لدعم التكامل الاقتصادى والتجارى الاقليمى ومحاربة الفقر من خلال دعم جهود وخطط التنمية الاقتصادية واحلال السلام والامن بمنطقة الجنوب الافريقى . وارتفع حجم التجارة البينية لدول تجمع سادك من 20 مليار دولار في 2004 ليسجل 72 مليار دولار في 2014. ويضم تجمع سادك 15 دولة هى أنجولا وبوتسوانا والكونغو الديموقراطية وليسوتو ومدغشقر ومالاوى وموريشاس وموزمبيق ونامبيبا وسيشيل وجنوب افريقيا وسوازيلاند وتانزانيا وزامبيا وزيمبابوى . ويضم تجمع سادك سوقا واسعة تشمل 277 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلى الإجمالي لها 575.5 مليار دولار،ويدار التجمع من قبل ترويكا (مجموعة ثلاثية) تضم الرؤساء السابق والحالي والقادم لقمة "سادك". وأطلق التجمع منطقة للتجارة الحرة في عام 2008، ضمت أنجولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية فقط، وستنضم إليها لاحقا سيشيل. ورغم ذلك فإن التجمع ما زال يعاني من التأخر في التكامل الاقتصادي من عدة نواح أخرى، بما في ذلك الاتحاد الجمركي والذي كان من المتوقع ان يدشن في عام 2010. ويسعى التجمع إلى إطلاق سوق موحدة للدول الأعضاء في عام 2015، واتحاد نقدى في عام 2016، وعملة موحده في عام 2018. ويضم تجمع شرق أفريقيا – الذى يتخذ من مدينة أروشا التنزانية مقرا له - كينيا وأوغندا وتنزانيا وبورندى وبوتسوانا . وتأسس ذلك التجمع فى بدايته عام 1967 وضم ثلاث دول هى تنزانيا ، وكينيا ، وأوغندا. وفى عام 1977 تم حل التجمع نتيجة تنامى النزاعات المسلحة بين عدد من الدول الأعضاء وتدهور البنية التحتية .وفى 30 نوفمبر 1999 تمت إعادة تأسيس جماعة شرق أفريقيا بإبرام معاهدة استهدفت إنشاء كيان اقتصادى وسياسي بين الدول الأعضاء ودخلت حيز التنفيذ في السابع يوليو عام 2000 بعد التصديق عليها من قبل الدول الشريكة الثلاث الأصلية كينيا وأوغندا وتنزانيا ثم انضمت رواندا و بوروندي في يونيو 2007. ويرتكز تجمع شرق أفريقيا – الذى أنشأ اتحادا جمركيا يضم الدول الأعضاء عام 2005 - على العديد من القيم الرئيسية تتمثل فى الاحتراف والمساءلة والشفافية والعمل الجماعى والوحدة والتنوع ، ويهدف التجمع إلى توسيع وتعميق التعاون بين دول المجموعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من اجل المنفعة المتبادلة بينهما . وفى نوفمبر 2013 وقع زعماء كينياوتنزانيا وأوغندا وبوروندى ورواندا على بروتوكول يضع الأساس لإقامة وحدة نقدية وزيادة حجم التجارة خلال عشر سنوات . وسيتيح البروتوكول للدول الخمس توحيد عملاتها تدريجيا من خلال تنسيق السياسات النقدية والمالية وإقامة بنك مركزى مشترك وتقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية.