طرح مدينة رفح الجديدة وقري الصيادين والتجمعات التنموية لأبناء سيناء    محافظ أسيوط يعلن ارتفاع نسبة توريد القمح إلى 12 ألف طن    الشرطة الأمريكية تعتقل 93 شخصا داخل حرم جامعة جنوب كاليفورنيا    دبلوماسي روسي: نقل صواريخ «أتاكمز» الأمريكية إلى أوكرانيا لا يمكن تبريره    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يرتدي زيه التقليدي أمام مازيمبي    بسمة مصطفى: فيلم "شقو" تربع على إيرادات عيد الفطر ب50 مليون جنيه    تحرك جديد في أسعار الذهب.. والأسواق تترقب بيانات التضخم الأمريكية    بين أوكرانيا وإسرائيل وغيرهم.. الكونجرس يتبنى حزمة مساعدات دسمة    دعم اوروبي 10 ملايين يورو لنفاذ مياه الشرب إلى المناطق المحرومة في إفريقيا وآسيا    مواعيد مباريات الجولة 20 من الدوري المصري.. عودة القطبين    ضبط 65 كيلو مخدرات بقيمة 4 ملايين جنيه بمحافظتين    بعد مقتل ربة منزل على يد زوجها فى ملوى فى لحظة غضب ..نصائح هامة يقدمها طبيب نفسى    رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    بكلمات مؤثرة.. ريهام عبدالغفور توجه رسالة لوالدها الراحل في حفل تكريمه    في الذكرى ال42 لتحريرها.. مينا عطا يطرح فيديو كليب «سيناء»    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    عودة ثنائي الإسماعيلي أمام الأهلي في الدوري    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    إزالة إشغالات وحالات بناء مخالفة في دمياط الجديدة    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    بالصور .. بدء طباعة وتظريف امتحانات الترم الثاني 2024    وزير التنمية المحلية يتابع مع وفد البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لعيد تحرير سيناء    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألم المبدع ليس مناسبة للرثاء وإنما فرصة للتأمل والتدبر
نشر في البوابة يوم 27 - 05 - 2015

ألم المبدع لا يشكل مناسبة للرثاء وإنما ينطوي دوما على رسائل وإشارات إيجابية تومئ لمعنى ومقاصد الإبداع رغم مرارة الألم أو وطأة المرض أو حتى الفقد المرير.
وقد تكون لحظة الألم هي الشرارة المحفزة لإعلان المبدع عن نفسه وتأكيد موهبته كما حدث مع الفنان الفطري المصري الراحل عبد البديع عبد الحي، عندما عامله أستاذ في كلية الفنون الجميلة بازدراء وتعامل معه بما لا يليق مصرا على أنه "مجرد عامل في الكلية وليس بفنان" .
وجاء رفض هذا الفنان الكبير لتلك الإهانة ورده عليها عمليا عبر مجموعة أعمال فنية من النحت البارز والغائر أطلق عليها "الشكاوى" وكأنها "شكاوى الفلاح المصري القديم من الظالمين" فيما قدر لعبد البديع عبد الحي بعد ذلك ان ينطلق في إبداع أعماله المنفذة في الخامات شديدة الصلابة من أحجار الجرانيت والبازلت والديوريت.
ولئن راوحت حياة شيخ النحاتين والطباخ السابق عبد البديع عبد الحي بين الفن المبدع والمرض الأليم فإن الصفة الرئيسية في شخصيته كانت التحدي والثأر لكرامته والكبرياء ورفض تقديم اي تنازلات وحرصه على الجدارة والتفرد كفنان مصري اصيل وتفريغ شحنات غضبه في اعمال إبداعية تبقى شاهدة على علو القامة وشموخ الفنان عاشق الحجر الصلب.
ويقول الأديب الكبير جمال الغيطاني، إن الحياة رحلة ولها مراحل معتبرا أن أهم ما قيل في وداع الحياة قيل وأصحابه على قيد الحياة مثل ماكتبه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قبيل رحيله مؤخرا وكذلك جدارية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
وإذا كانت الهيئة المصرية العامة للكتاب قد اقدمت على خطوة جيدة عندما بادرت مؤخرا بالاحتفال بعيد الميلاد السبعين لمحمد سلماوي الرئيس السابق لاتحاد الكتاب واصدرت بهذه المناسبة أعماله المسرحية الكاملة في مجلدين فإن للأدباء والشعراء والمبدعين مع الزمن مواقف وقصص وطرائف وعبر سواء في مصر والعالم العربي او في الغرب.
وهاهي الكاتبة الروائية البريطانية الشهيرة هيلاري مانتل البالغة من العمر نحو 63 عاما تقول في حديث لصحيفة الأوبزرفر: إن مشكلتها لم تكن أبدا الأفكار وإنما هي الزمن معتبرة أنها عاشت "حياة من الألم" جراء مشاكل صحية لا تنتهي.
وهيلاري مانتل ولدت عام 1952 وحصلت على جائزة بوكر الأدبية المرموقة مرتين الأولى في عام 2009 عن روايتها "قصر الذئاب" فيما ظفرت بالجائزة للمرة الثانية عام 2012 عن روايتها "اخرجوا الجثث" ومضت تكتب القصة الثالثة من ثلاثيتها حول عصر توماس كرومويل أحد مستشاري ملك انجلترا هنري الثامن وهي بعنوان "المرايا والضوء".
والحقيقة أن المرض الذي داهمها منذ ميعة الصبا وسبب لها اضطرابات هرمونية حرمها من نعمة الأمومة فيما تتجاوز قصة هذه الكاتبة مجرد فوزها بجائزة بوكر مرتين وهي أول بريطانية تحقق هذا الإنجاز فالقصة أكبر من بوكر.
إنها قصة مبدعة تجسد معنى الكتابة عندما تكون قبلة للحياة وترياق المحنة بقدر ماهي قصة امرأة تعرف معنى الزمن وقيمة الوقت وتلهم كل الذين جرحتهم الأيام أو ادمت قلوبهم فهي مهمومة بفكرة الموت الذي يمكن أن يداهمها دون أن تنجز كل ما أرادت إنجازه من إبداعات وكتابات يمكن أن تشكل حياة جديدة لها بعد موتها.
وفيما يتوجه محبو الكاتب الروائي المصري الكبير محمد جبريل بقلوب ضارعة للسماء من اجل عاجل الشفاء لهذا المبدع النبيل الذي قدم الكثير للثقافة والصحافة في مصر والعالم العربي وتعرض مؤخرا لأزمة صحية حرجة فان عشاق الفنان المصري والعالمي عمر الشريف البالغ من العمر 83 عاما شعروا بقلق بالغ بينما تتواتر الأنباء حول اصابته بمرض الزهايمر.
ومثلما يتمنى عشاق الفنان عمر الشريف ان يمن عليه الخالق بالشفاء يأمل قراء محمد جبريل عاشق الأسكندرية وحي بحري والذي منح فرصا لكثير من الشباب المبدع للنشر في صفحته الثقافية العتيدة بجريدة المساء القاهرية ان تتحقق مقولته :"بحري هو نبض الكثير من أعمالي وأثق لو اسعفني العمر انه سيكون نبضا لأعمال اخرى تالية".
ومحمد جبريل الذي ولد في السابع عشر من فبراير عام 1938 بالأسكندرية وانتج عبر مسيرته الابداعية اكثر من 50 كتابا هو الذي قال ايضا :"اتمنى ان اظل اكتب واكتب بينما نظراتي تتجه الى البحر" موضحا ان البحر عنده هو الموطن والطفولة والنشأة والذكريات الملتصقة بلحم الجسد فيما يستشهد بمقولة فحواها انه كلما اقترب الانسان من البحر المتوسط ازداد تشبثه بالحياة وكلما ابتعد عنه هان عليه الموت.
والإحساس الحاد بالزمن سمة الكثير من الأدباء والمبدعين مثل محمد جبريل الذي يقول :"تأثيرات الزمن تفرض ملامح جديدة , تغيب من حياتنا ماألفنا وجوده كثوابت يصعب تصور افتقادها".
ومن الذي ينسى ان الأديب والمفكر عباس محمود العقاد دون خواطره في كراسة خاصة نشرها بعنوان "خلاصة اليومية" بينما اختار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "الأيام" عنوانا لسيرته الذاتية فيما اتجه الشاعر الرقيق كامل الشناوي لنزعة تشاؤمية في ذكرى مولده ليقول :"عدت يايوم مولدي..عدت ايها الشقي".
ووفقا لدراسة لحسني سيد لبيب عنوانها "لمحات الشعراء عن رحلة العمر" يتفاوت احساس الأدباء والشعراء بمرور الزمن فمنهم من يتحسر على عمر ينقضي ومنهم من يطلق آهات الشجن على شباب ولى ويطلق عبارات التمني بعودة هاتيك الأيام الحلوة ومنهم من يعتبر كر السنين نذيرا بدنو الأجل .
وعندما بلغ من العمر ال 70 عاما، قال الكاتب والروائي المصري يوسف القعيد أنه اكتشف أنه اصبح في السبعين "والسبعين سن متقدمة في زماننا والسبعين في ايامنا رقم مخيف كأنني مثل طيار الطائرة الماليزية المختفية اخترقت حاجز السحاب ودخلت في سدرة المنتهى".
وفيما اعترف أن سنواته " لم تكن سعيدة" يضيف الروائي يوسف القعيد -امد الله في عمره ومتعه بالصحة- :"تخيفني السبعين لأنني عندما قرأت مذكرات تولستوي مازلت اذكر عبارة قال فيها ان الانسان بعد سن الخمسين يبدأ رحلة العودة على الرغم من ان تولستوي تجاوز المائة من عمره وكان في اكمل صحة واحسن حال حتى لحظته الأخيرة في هذه الدنيا".
ومضى يوسف القعيد في تآملاته ليقول "لااعتقد ان اي قاعدة يمكن ان تحكم اقتراب الموت منا فهو الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذا العالم" موضحا انه توقف امام رحلة العودة التي تحدث عنها الأديب الروسي العظيم تولستوي وكان يقصد العودة الى القبر".
وكان يوسف القعيد قد استهل هذا الطرح الممتع بقوله "بحثت طويلا في كتاب سبعون لميخائيل نعيمة لكي ادخل سبعينيتي مسلحا بقراءته ولكني عجزت عن العثور عليه ولأنه كتاب قديم لم يكن من السهل اللجوء للبحث عنه في المكتبات لقراءته"، موضحا أن مكتبته غير منظمة فهو يهتم كثيرا بشراء الكتب لكن ترتيبها وتبويبها مسألة صعبة ومضنية ويتصور "انها تأكل الوقت".
واثناء بحث يوسف القعيد في كتب السير الذاتية والتراجم وقع في يده كتاب "مشارف الخمسين" للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور فيما يصفه القعيد بأنه من شعراء العمر القصير" فقد مات مبكرا.
وحياة يوسف القعيد كما وصفها في عامه السبعين لم تكن حياة "العمر المستقر" موضحا ان في حياته "انتقالات وتقلبات ورحلات تبعد بالعمر كثيرا عن حكاية الاستقرار".
غير ان الكاتب يوسف القعيد ينظر لمن يعيشون حياة مستقرة ان كانوا من الكتاب ويسأل نفسه "لماذا يكتبون وكأن الكتابة مرتبطة بالعناء والمعاناة وتعب كل يوم الذي يسلم الانسان لتعب اخر" اما الشاعر خليل جرجس خليل فقد صاغ قصيدة من وحي السنين بدأها بتساؤل اشبه بتساؤل الشاعر اللبناني الكبير ايليا ابو ماضي :"الأربعون بلغتها ! بالله كيف بلغتها"؟؟!.
والمتفائل الأكبر كان الشاعر المهجري ميشال مغربي الذي يكتب قصيدة "الثمانون التي تتألق" ويستهلها بقوله :"حيوا الثمانين التي تتألق..فهي الربيع وزهوه والرونق"!.
ويؤكد جمال الغيطاني على انه "يتقبل الموت اكثر من ذي قبل بكثير" مضيفا :"لاشييء جعلني متقبلا فكرة الموت مثل الشعر" فيما يقول في كتاب التجليات : "الموت موتان ..موت اعظم وموت اصغر..اما الموت الأعظم فيتمثل في السكوت على الجور والتغاضي عن الزيف واخماد الضمائر وغض البصر عن الحق..بينما الموت الأصغر هو بطلان الحواس وتوقف الأنفاس وهجوع القلب وبرودة الجسد عند مفارقة الروح ويبوسة الأطراف".
وقد يكون "الفقد" سببا للكتابة كما اشار الأديب اللبناني احمد علي الزين في ملتقى القاهرة الدولي الأخير للرواية العربية موضحا ان الفقد يجعلنا في حالة من الشوق "تدفعنا للتبليغ عن شييء ما" بينما باتت كتابات الفيلسوف الفرنسي لوك فيري وهو وزير سابق للتربية والتعليم تلقى اقبالا كبيرا من القراء لأنها تساعدهم في قهر مخاوفهم التي تشل الحياة.
وهذا الفيلسوف الفرنسي الذي ولد عام 1952 يعرف "بفيلسوف الخلاص" وهو من الفلاسفة الجدد الذين ينتهجون خطابا مبسطا في تحليل القضايا الراهنة لانسان هذا العصر بعيدا عن التعقيد واللغة التي لايفهمها سوى الخاصة.
وقد يكون السؤال :هل تضمد الذكريات الم الفقد واحزانه؟!..وهو في الواقع سؤال يثيره ماكتبه المفكر واستاذ الاقتصاد البارز الدكتور جلال امين عن وفاة شقيقه الدبلوماسي والكاتب الكبير حسين احمد امين..وهو ايضا سؤال قد يقترن بالصيحة الملتاعة :"ايها الموت رفقا" وهي صيحة حاضرة في الشرق كما هي في الغرب.
وقد يتشابه ماكتبه جلال امين بالعربية تحت عنوان "اخي حسين احمد امين مع ماكتبه ويليام سبيلمان بالانجليزية احيانا على المستوى الشعوري الانساني مع التسليم بأن النظرة للموت تختلف باختلاف الثقافة .
واذا كان المفكر المصري جلال امين يقول في رثاء شقيقه حسين امين: "لم اعرف شخصا في حياتي ولاسمعت عن احد جمع مثل هذا الجمع بين الثقافتين العربية والغربية مثلما فعل اخي حسين امين فان قضية الموت فرضت وتفرض حضورها في الثقافتين العربية والغربية.
والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي لم يفقد روحه المرحة في ذروة مرضه الأخير الذي واجهه حتى اللحظة الأخيرة بالسخرية والدعابة والقفشات اما عبقري الكاريكاتير المصري الراحل صلاح جاهين فانه خلافا لصورته الخارجية كمفجر للمرح كانت تسكنه مسحة حزن دفينة كما يؤكد الذين عرفوه عن قرب وعانى بشدة من الاكتئاب في سنواته الأخيرة قبل ان يرحل يوم الحادي والعشرين من ابريل عام 1986 .
وبعض العباقرة والمبدعين عبر التاريخ الانساني واجهوا نهايات اليمة مثل الفيلسوف والكاتب المسرحي الروماني سنيكا الذي ارغم على الانتحار والفنان الهولندي الشهير فان جوخ الذي قضى منتحرا بارادته.
ولئن اعتبر الفيلسوف الفرنسي مونتاني ان التفلسف هو تعلم الموت كما ان الفلسفة اليونانية ركزت على ان الحياة الطيبة هي التي تقبل الموت فيما رأى فيلسوف الخلاص لوك فيري ان الحكيم هو الشخص الذي لم يعد يخاف الموت فهاهو كتاب جديد صدر بالانجليزية بعنوان :"تاريخ مختصر للموت" يقول فيه المؤلف ويليام سبيلمان ان ادراكنا لقضية الموت والموتى يؤطر ثقافتنا فيما يتوقف طويلا عند اللحظة الأولى الموغلة في عمق التاريخ التي ادرك فيها الانسان معنى الموت والعلاقة بين الحي والميت .
ولاجدال ان القضية تختلف باختلاف ظروف كل شخص في هذه الحياة الدنيا فهناك من قد تدفعه معطيات حياته للترحيب بالموت ودخول القبر في اسرع وقت ممكن وهناك من تفزعه كلمة الموت وترهبه مسألة الذهاب للقبر.
وكما هي العادة في هذا النوع من الكتب فان هذا الكتاب الجديد يطرح اسئلة لاتجد اجابات شافية فيما عمد المؤلف سبيلمان لتكثيف بحثه في قضية الموت التي تحير الانسان منذ ان وجد نفسه في الأرض.
والكتاب يتناول الموت كظاهرة طبيعية واشكالية تنطوي على عنف احيانا كما يبحث في الجوانب النفسية والاجتماعية والفلسفية والدينية والروحانية للموت في شتى انحاء العالم ومنذ كهوف العصر الحجري القديم حتى عصر الحداثة ومابعد الحداثة.
بطابع الحال يسرد المؤلف في كتابه الجديد الكثير من المعلومات عن المقابر وطرق الدفن وسبل مواجهة الانسان لغائلة الموت ومحاربة الأمراض والأوبئة فيما ينقل عن الفيلسوف الأسباني ميجويل دي اونامونو ملاحظة دالة وهي ان الانسان استخدم الحجارة في بناء المقابر والأضرحة قبل ان يستخدمها في بناء المنازل وملاحظة اخرى للفيلسوف الألماني هيجل فحواها ان المقابر كانت اولى تجليات فن العمارة.
وكما يلاحظ ويليام سبيلمان فحتى الانسان الأولي في مبتدأ التاريخ الانساني لم يتعامل ابدا مع الانسان الميت كمجرد جيفة فيما يتجول عبر الثقافات المختلفة ومواقفها من الموت.
والفيلسوف اليوناني افلاطون هو صاحب مقولة خلود الروح الانسانية معتبرا ان روح الانسان سجينة الجسد وان هذه الروح التي لاتموت انما تتحرر بموت الجسد غير انه اعتقد ان الروح تحلق بعد موت الجسد وقد تطرت من كل الذكريات في نهر النسيان وهي فكرة يراها ويليام سبيلمان مريحة لأحياء كثر.
اما الفيلسوف اليوناني ابيقور فكان صادما في تناوله لقضية الموت عندما ذهب الى ان "الموت هو الموت" وفي ذلك اتفق معه الفيلسوف والشاعرالروماني لوكريتيوس وهي فكرة يؤيدها بعض كبار المثقفين المعاصرين في الغرب مثل عالم البيولوجيا البريطاني ريشارد دوكنز و العالم الأمريكي ستيفن جاي جولد الذي قضي عام 2002 وكان متخصصا فيما يعرف بنظرية التطور حيث يذهب هذا الفريق الى ان الذرات تذهب عند الموت للطبيعة التي جاءت منها ولاتعود منها ابدا.
وهذه الفكرة العدمية يراها سبيلمان في كتابه الجديد مضادة لأغلب مايعتقده البشر من حياة بعد الموت ناهيك عن الأديان التي منحت واقعة الموت معنى مخالفا تماما لهذه العدمية فيما لايغفل مؤلف هذا الكتاب اتجاه البعض" لعيش الحياة كما هي بغموضها وجمالها دون شغل البال كثيرا بقضية الموت".
لكن مايدخل في جوهر القضية ان الكثير من البشر كما يقول مؤلف هذا الكتاب الجديد يريدون لأنفسهم نوعا من الخلود والاستمرارية على نحو او اخر وليس كل انسان على استعداد لقبول فكرة الرحيل من الدنيا وترك مكانه في الحياة لآخرين او التسليم بمقولة ان الموت مسألة جوهرية للحياة.
ويرى فيليب اريس المؤرخ الأكثر انشغالا واشتغالا على فكرة الموت في القرن العشرين ان الانسان في الغرب بدأ يتحول بتفكيره من موت الآخر الى موت الذات في عصر النهضة فيما قال جلال امين في طرح مؤثر بجريدة الأهرام عن شقيقه الراحل حسين امين ا "فقدت بفقده اخر اشقائي السبعة".
ويتابع الدكتور جلال امين :"كنت في السنوات الأخيرة حتى وهو في حالة ذهنية محزنة اتمسك به كما يتمسك الغريق بآخر طوق للنجاة يمكن ان يعلق به وقد انتزع مني هذا الطوق منذ ايام فما اشد حزني عليه" .
ويستعيد الدكتور جلال امين ماحدث عندما رحلت والدته وهو في لندن فيما شقيقه حسين في القاهرة قبل ان يسافر حزينا الى كندا لممارسة عمله الدبلوماسي ويتلقى منه خطابا يصف فيه الأيام الأخيرة لوالدتهما.
"كانت بالضبط كما عهدتها انت دائما: لامحتفظة بوعيها فحسب بل مرحة كثيرة الضحك ثم اصابها عشية شم النسيم نفس المرض الذي كان يصيبها في صيف كل عام" ويضيف حسين امين في رسالته لشقيقه جلال "الغريب في الأيام الأخيرة مانتج عن احساسها حينئذ باقتراب الموت او على الأقل باحتمال حدوثه..كانت هناك راقدة في سريرها وجهها وعيناها الى السقف في نظرة جامدة لاتعبأ بما يدور حولها من حديث".
"احاول اضحاكها بشتى الطرق فلا تضحك ويسألها كل قادم عن صحتها فتجيب في برود انها لاتشكو..لاتطلب شيئا ولاكوب ماء..لاتبدي اهتماما بشييء" كما يقول حسين امين في رسالته لشقيقه فيما يحدثه عن الجنازة والمكان الذي دفنت فيه.
كما يستعيد جلال امين المرض الأخير لحسين امين بقوله :"كنت ازوره كل يوم تقريبا فاذا جلست الى جانبه في غرفة العناية المركزة اطبق يده بقوة على يدي طوال الجلسة وكأنه يخاف ان اذهب وقبض بيده الأخرى على يد زوجته الرائعة التي تجلس في الناحية الأخرى من السرير وكأنه يقرب يدها من فمه بين حين واخر ليقبلها".
وفي كتاب :"رجال عرفتهم" يتوقف المفكر الراحل عباس محمود العقاد مليا في سياق تناوله لشخصية الشيخ علي يوسف احد رواد الصحافة المصرية عند واقعة رثاء ولده الوحيد يوم تشييعه لمثواه الأخير بكلمات يصفها عملاق الأدب العربي بأنها "بلاغة الشجن" فيما كان قد كتب خبر وفاة فلذة كبده بقلمه وهو يمحو سطوره بدموعه.
لكن الشيخ علي يوسف كان يصر على استكمال خبر وفاة ابنه بقلمه وكذلك مقالة الرثاء رغم كل الألم الذي يعتصر القلب والروح فهل كان الرجل يدرك انها معركة بناء الذاكرة الخاصة بأعز شخص في وجوده؟!.
انها الذكريات التي تجعل المرء يتوحد مع من يحب وتهزم الفقد بقسوته المؤلمة وتدحر الغياب ..آلا تبقى القصيدة بعد موت شاعرها؟!..آلا تبقى الكلمة بعد من كتبها؟!..الم تكن قصة "الفريسة" التي اصر الكاتب الاسكتلندي الراحل ايان بانكس على استكمالها وهو يحتضر في مواجهته اليائسة لمرض السرطان اللعين هي في حد ذاتها قصة مبدع في لحظة مواجهة مع هذا المرض.
انه ايان بانكس الذي قضي منذ نحو عامين عن عمر يناهز 59 عاما ولم يعلم في البداية انه مصاب بالسرطان بل انه قطع شوطا طويلا في قصة "الفريسة" وهو لايعرف انه سيتحول هو ذاته الى فريسة لمرض لن يرحمه.
والمثير للتأمل ان هذه القصة بكل ظروفها المآساوية حظت باقبال كبير في الغرب بينما اختار ايان بانكس ان تكون اخر كلماتها على لسان بطل القصة :"فليحاربني السرطان كما يشاء لكنني سأهزمه بقلمي".
ايان بانكس الذي رفض الحرب على العراق ومزق جواز سفره البريطاني احتجاجا على مشاركة بريطانيا في هذه الحرب عرف بسرعة الكتابة المتقنة حتى انه كان يكتب رواية كاملة في اقل من ثلاثة اشهر وكأنه في سباق مع الزمن لانجاز اكبر قدر ممكن من الابداعات الجيدة واستكمال صرحه الابداعي في ذاكرة قرائه.
اما قصته الأخيرة التي كانت ظروف كتابتها قصة اخرى في حد ذاتها فقد عمد فيها للسخرية من السرطان الذي حتى لو نجح في ان يكتب اسمه ضمن عداد الموتى فانه لن ينجح ابدا في ان يغيبه عن هؤلاء الذين احبوه كما انه لن ينجح بخسة صفاته كمرض في حجب الشمس او تفريغ الحياة من معانيها وذاكرتها.
نعم كانت اللعبة في الواقع والخيال لهذا القاص والروائي الذي بكته بريطانيا هي الصراع بين الذاكرة التي ستبقى وبين مرض يعمد لاذلال المبتلى به بطريقة السلب والنهب التي لاتعرف حياء.
واذا كان الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي قضي في شهر اغسطس عام 2008 على يدفن في مدينة رام الله وتكتب على قبره عبارته الشعرية:"على هذه الأرض مايستحق الحياة" فهل يعشق الموت حقا مباغتة من يعانقون الحياة وتجريد احبابهم من احلامهم ؟!
صحيح ان احدا من الموتى لم يعد ليخبرنا بالحقيقة كما قال محمود درويش تماما كما ان الموت لايستأذن احدا ايا كان قبل ان يحول اسماء تضج بالحياة لأسماء صامتة بين جدران المثوى الأخير على الأرض لكنها باقية في قلوب المحبين الذين استبد بهم الشوق للحظة لقاء جديد.
هنا يتجلى الوهج الأخضر..انين الأوتار وقد استحال موسيقى عذبة واضواء رقيقة..التأمل في اقاصي النفس واعالي السماء وشجن البنفسج عند شروق القمر وقد تصالحت كل الأشياء بلحن الذكريات وتراتيل القلب وهنا تتجلى صحة مقولة ان الم المبدع حتى في لحظة الفقد ليس مناسبة للرثاء وانما فرصة للتأمل والتدبر !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.