استطاع الكاتب الفرنسي الشهير شارل بيرو المولود عام 1638 الوصول لملايين البشر بسبب كتابته لمجموعة حكائية كتبها من أجل المساعدة في تربية الأطفال، وكان من أبرز أعضاء الأكاديمية الفرنسية في عصره، وهو من أدخل ثمرة جوز الهندلفرنسا لأول مره عام 1674 وذلك أمام أعضاء أكاديمية العلوم. درس بيرو الحقوق في مدينة أورليان، ومارس مهنة المحاماة قليلا، واهتم كثيرًا بالموضوعات العلمية كالرياضيات والهندسة والطب وعلم الميكانيكا التي كان الجدل فيها محتدمًا آنذاك، إلا أن هذا لم يصرفه عن الأدب الذي شغف به ووجد فيه ميدانًا خصبًا تألقت فيه موهبته؛ فأدار مع الشاعر الفرنسي جان شاپلان قسم الدعاية الملكية، الذي كان اللبنة الأساسية في النظام الملكي، ما مكَّنه من تشجيع الأعمال الفنية واجتذاب القصائد التي تمدح الملك، وتوزيع الجوائز على الأدباء والفنانين، كما قام بتأليف شعارات باللغة اللاتينية أشادت بانتصارات لويس الرابع عشر وإنجازاته، وأشرف على تشييد القصور والمباني التي تبرز عظمة الملكية. ألقى بيرو قصيدة بعنوان "عصر لويس العظيم" في الأكاديمية الفرنسية التي كان عضوًا فيها، وأشاد بعصر لويس الرابع عشر، غير أن الشاعر والناقد بوالو عدَّ القصيدة مهينة للشعراء القدامى، لأن ناظمها أثْنى على أدباء عصره وأكد تفوقهم على الأدباء القدامى، فهجاه في قصيدة تهكمية، ليُثار ما عُرف ب "النزاع بين القدامى والمحدَثين"، والذي ظل محتدمًا في أواخر القرن السابع عشر، وصرف بيرو جلَّ همه له، إلى أن خفت حدته عام 1700. عندما كتب بوالو خطابًا مفتوحًا لپِرو اعترف فيه إلى حد ما بمساواة أدب القرن السابع عشر بالأدب القديم، وتخلّى بيرّو إثر ذلك عن التشبث برأيه وعدّل من لهجته الهجومية في كتابه "الرجال المشاهير الذين برزوا في فرنسا في القرن السابع عشر، وقد اشتمل الكتاب على تراجم ونقد لأهم شخصيات فرنسا في ذلك القرن. سخَّر بيرو موهبته في أواخر حياته لكتابة القصص الشعبية وقصص الأطفال فنشر عام 1697 مجموعة قصصية للأطفال باسم "حكايات الأوزة"، ومنها القصص الشهيرة "الحسناء النائمة، ذات القبعة الحمراء، ذو اللحية الزرقاء، القطة ذات الحذاء، سندريلا، وعقلة الإصبع"؛ ولاقت هذه القصص نجاحًا عالميًا لم يتوقعه بيرو ذاته. تتميز هذه القصص بكونها هادفة ومسلية في الوقت ذاته للقارئ، سواء كان طفلًا أم راشدًا. وتمتاز أيضًا بطابعها الشعبي الذي استقاه پِرو من التراث الروائي الشعبي مستخدمًا أسلوب التكرار وموضوع النزاع بين الخير والشر. وقد أعاد بيرو كتابة هذه القصص بأسلوب عفوي وبسيط جعلت منه أول من ابتدع هذا الضرب من القصص التي فاقت شهرتها جميع أعماله الأخرى. ظل بيرو الأكثر شهرة في عالم القصص، وقد أنتجت لقصصه أعمال عالمية كان في الأوبرا والباليه؛ وألف على إثرها موسيقيين عالميين مثل تشايكوفسكي مقطوعة "الجمال النائم"، وكذلك ظهرت عنه حكاياته العديد من المسرحيات، والمسرحيات الموسيقية، والأفلام، التي تنوعت بين الأداء التمثيلي والرسوم المتحركة. توفيَّ بيرو عام 1703 عن عمر يُناهز الخامسة والسبعين بعد أن وضع الحجر الأساس لنوع حديث في الكتابة الأدبية سماه ب "الحكاية الخرافية".