في الحلقة الثانية من سلسلة صناعة الكتاب وتطوره نعرض بعض ملامح التطور التي أثرت على صناعة الكتاب وانعكاساتها على المجتمع المصري. مع نهاية القرن التاسع عشر، كان قد نُشر في مصر نحو عشرة آلاف كتاب، منها 1762 كتابا في الدين، 2015 كتابا في الأدب، 1372 كتابا في العلوم الاجتماعية، 1092 كتابا في التاريخ، 705 كتب في الفلسفة و242 كتابا في العلوم الطبيعية، إضافة إلى 372 كتابا دراسيا. ظهور قانون الملكية الفكرية: اتسمت هذه الفترة بشكل من أشكال فوضى النشر وضياع حقوق المؤلف، وكذلك طباعة الكتب دون رقيب أو حسيب إلى أن ظهر قانون الملكية الفكرية. ويعتبر مفهوم الملكية الفكرية ليس مفهومًا جديدا ويعتقد أن شرارة نظام الملكية الفكرية قد أوقدت في شمال إيطاليا في عصر النهضة. وفى سنة 1474م صدر قانون في البندقية ينظم حماية الاختراعات ونص على منح حق إستئثارى للمخترع، أما نظام حق المؤلف فيرجع إلى إختراع الحروف المطبعية والمنفصلة والاَلة الطابعة على يد يوهانس جوتنبرج نحو 1440م وفي نهاية القرن التاسع عشر رأت عدة بلدان لضرورة وضع قوانين تنظم الملكية الفكرية. أما دوليًا فقد تم التوقيع على معاهدتين تعتبران الاَساس الدولى لنظام الملكية الفكرية هما: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883 واتفاقية برن 1886 لحماية المصنفات الأدبية والفنية. يرجع تاريخ حقوق الملكية الفكرية إلى سنة 1873 م، وبالتحديد في المعرض الدولي للاختراعات بفيينا حيث حدثت صدمة للقائمين على المعرض وللجمهور عندما امتنع عدد كبير من المخترعين الأجانب عن المشاركة. وكان السبب في الامتناع هو خشية هؤلاء المخترعين من أن تتعرض أفكارهم للنهب والاستغلال التجاري في بلدان أخرى.. لقد أظهرت هذه الحادثة الحاجة إلى توفير الحماية الدولية لبراءات الاختراع "وللملكية الفكرية بوجه عام"، الأمر الذي كانت نتيجته انبثاق أول معاهدة دولية مهمة ترمي إلى منح مواطني بلد معين حق حماية أعمالهم الفكرية في بلدان أخرى. إنها اتفاقية باريس بشأن حماية الملكية الصناعية والتي صدرت في 23 مارس عام 1883، ودخلت حيز التنفيذ في العام التالي، وأصبح بمقتضاها للملكية الصناعية حماية تتخذ شكل حقوق تعرف بمصطلحات محددة، وهي: «براءات الاختراع»، و«العلامات التجارية» و«الرسوم الصناعية».. كانت اتفاقية باريس مجرد البداية التي توالت بعدها الاتفاقيات والترتيبات على المستوى الدولي من أجل حماية الملكية الفكرية في شتى صورها (مصنفات فنية وأدبية.. الخ)، حتى أصبح لكافة شئون الملكية الفكرية منظمة دولية مكلفة بإدارتها، بإقرار من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، بدءًا من 17 ديسمبر 1974، وهي المنظمة العالمية للملكية الفكرية (والتي يشار إليها بالفرنسية بالمختصر OMPI وبالإنجليزية بالمختصر WIPO ) إسهامات الحركة المطبعية في إثراء الحركة الثقافية: ولقد أسهمت هذه الحركة المطبعية في مصر وفي غيرها من دول العالم العربي آنذاك مثل لبنان وسوريا، في بعث الروح العلمية والمنافسة الأدبية والفكرية، فشهدت بروز أقلام أثرت بفكرها المتحرر على كل فئات المجتمع وخاصة في الفترة الممتدة فيما بين العشرينيات وبداية الخمسينيات من القرن العشرين. ومن ناحية أخرى كانت حركة التنوير تسير على خطى ثابتة في مصر، فظهر كُتاب ومفكرين وحركات ثورية مختلفة، ونشرات مطبوعة وصحف، ويقابلها قراءة كثيفة من قبل العامة، ساهمت في زيادة الوعي عند الناس، وتبدل حالهم عن أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. ظهور التصوير الملون: وأهم ما كان يميز كتب هذه الحقبة الزمنية هي عدم وجود كتب ملونة وعدم استخدام الألوان في الطباعة وكانت معظم إن كان جميع الأغلفة عبارة عن طباعة بالأبيض والأسود، أو مجلد من الجلد والتي ما زالت موجودة حتى الآن في بعض المجلدات أو ما يطلق عليها أمهات الكتب. ويبقى اسم الإخوة لوميير كأحد رواد التصوير الفوتوغرافي محفورا في التاريخ الإنساني. كما لعب آلبرت كان دورا كبيرا في تشجيع التصوير الفوتوغرافي وكوّن ثروة كبيرة من الصور الفوتوغرافية من مختلف أنحاء العالم. في سنة 1907 ظهر اختراع ثوري غيّر العالم: إنه التصوير الفوتوغرافي بفضل الأخوين لوميير في فرنسا ويعد المصرفي آلبرت كان من رواد التصوير الفوتوغرافي بالألوان. وكان المصورون حينها يعتمدون على جزيئات صغيرة من نشا البطاطس لفلترة الضوء أثناء عملية التصوير. يعد الإخوة أوجست نيكولا لوميير ولوي جان لوميير من أوائل صناع الأفلام. يعتبر عرضهم السينمائي سنة 1895 لعشرة أفلام مدة كل منهم نحو ستة وأربعون ثانية بباريس من أشهر أوائل العروض السينمائية. في المانيا طبعت أول الصور الفوتوغرافية الملونة في كولونيا من قبل صناع للشوكولاتة. لم يكن الإخوة لوميير مخترعي التصوير فقط، وإنما رائدين في إستراتيجيات الإعلان، حيث بعثا إلى أهم المصورين الفنيين في أوربا وأمريكا بنماذج من لوحات زجاجية عليها رسومات، كترويج لفكرة الصور. مساهمات الحركة المطبعية في المجتمع المصري: زاد الوعي المجتمعي وانتشرت الثقافة والعلوم بين طوائف الشعب المصري، اعترف الجميع بأهمية التعليم للأطفال وخاصة البنات التي كانت لا تتعلم إلا لسن التسع سنوات ثم يتم عزلها وحبسها في المنزل، وقلت المجاعات إلى أن اختفت، وكذلك الأوبئة، وساهمت الحركة المطبعية في تحريك المياه الراكدة ومناهضة الاحتلال، كما ساهمت في طباعة التوكيلات التي تطالب بتفويض سعد زغلول، فكانت ثورة 19 ومن ثم دستور 1923. وكانت إحصائيات الإنتاج المصري من الكتب، غير الروايات والدوريات والكتب المدرسية وكتب الأطفال، في تلك الفترة ما متوسط 300 عنوان في السنة، وكان عدد سكان مصر في هذه الفترة 20 مليون نسمة. وبقراءة بسيطة لهذا الجدول يمكن استنتاج أنّ متوسط صناعة نشر الكتاب كان يساوي في هذه الفترة من تاريخ مصر كتاب لكل 60 ألف مواطن.