بعد أن تجتاز النقطة الأمنية والمراقبة بضاحية سيدي بوسعيد التونسية، لتصعد إلى طريق علوي بمحاذاة أشجار البرتقال، الذي لم يأت وقت حصاده بعد، لترى زحاما من المواطنين أمام نبع مياه يشربون ويملأون قواريرهم البلاستيكية أو الزجاجية، ومنهم من يمسح الماء بوجهه وجسده، لتعرف أنك أمام عين "سيدي بوسعيد" أحد أولياء الله الصالحين المشهورين بتونس. وتقع ضاحية سيدي بوسعيد في أعالي المنحدر الصخري المطل على قرطاج وخليج تونس، وتبعد نحو 20 كم بشمال شرقي تونس العاصمة، وتعود جذورها إلى القرون الوسطى . وقال أحمد الوسيلاتي، أحد المواطنين الزائرين للعين لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط، إنه يأتي من منطقة المنزه السادس قريبا من تونس العاصمة ، لزيارة مقام سيدي بوسعيد والشرب من نبع المياه، ثم أتناول حلوى "البنبلوني" الشهيرة، ثم أقصد مقهى "سيدي شبعان"، الذي يقع في اتجاه طرف التل ويطل بشرفاته على ميناء القرية وخليج تونس وشاطئ قرطاج . ويمثل مزار سيدي بوسعيد مكانا سياحيا بارزا في تونس ، ويصبغ بفن معماري مميز عمن سواها، فترى البيوت كافة بيضاء اللون ويغلب على منافذها اللون الأزرق الداكن، وأبوابها خشبية عتيقة ذات مقابض حديدية دائرية، وقد زينت بنقوش وزخارف تلفت النظر وتسحر الأعين. وأكد متخصص في الشئون العقارية بمنطقة بوسعيد، لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن أسعار إيجارات المنازل في هذه الضاحية مرتفعة للغاية، فالإيجارات قد تتجاوز الأربعة آلاف دينار شهريا (ما يعادل ألفي دولار أمريكي)، فالمنطقة لا يقطنها إلا الأثرياء أو السفراء أو أناس من علية القوم. ويشهد مزار سيدي بوسعيد مظاهر احتفالية مع حلول فصل الصيف كخرجة سيدي بوسعيد وتتضمن هذه الخرجة فرق من العيساوية التي تقوم بسرد قصائد وأشعار في جو من الموسيقى والدفوف والبخور. وأشار أحد العاملين ببلدية بوسعيد إلى أن المزار يشهد إقبالا كثيفا من المواطنين التونسيين في أيام العطلات لاسيما في الصيف، فضلا عن السائحين من كافة الجنسيات يأتون لهذا المزار . وتنسب المدينة إلى أحد أولياء الله الصالحين وهو أبو سعيد الباجي، الذي عاش في فترة معاصرة للشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، الزاهد الصوفي والذي تنتسب إليه الطائفة الشاذلية، وتفقه في تونس، وسكن في الإسكندرية بمصر. وعاش ومات سيدي بوسعيد ودفن في تونس بضاحية سيدي بوسعيد المسماة باسمه، وبات له مقام معروف هناك يرتاده الكثير للتبارك به والاستسقاء من عين الماء هناك. وتعرض مقام سيدي بوسعيد في تونس للإحراق والتخريب خلال عام 2013، وذلك في إطار سلسلة من الاعتداءات تعرضت لها العديد من المقامات والزوايا التونسية على أيدي مجهولين ، إلا أن الجهات المعنية والمسئولين قد أتموا عملية ترميمه وإعادته إلى ما كان عليه مرة أخرى في غضون 9 شهور، نظرا لما يمثله من قيمة تاريخية وأثرية في نفوس التونسيين.