اتشحت الكنائس بالستائر السوداء لليوم الثالث من أسبوع الآلام كرمز لمشاركتها لآلام السيد المسيح الذي يعقب أحد السعف، وينتهى بأعياد القيامة المجيدة، وفى هذا الأسبوع ترتب الكنيسة ألحانا قبطية تُتلى بنغمات حزينة تشير إلى آلام السيد المسيح، كما ترتب قراءات تتفق مع هيبة الحدث، وكأنها تأخذ المسيحيين في رحلة تبدأ بأحزان الصلب وتنتهى بفرح القيامة. كان الصوم قديما يوما واحدا وهو يوم الجمعة العظيمة «الموافقة لذكرى الصلب»، وكانت غايته هي الشهادة بالأسف والأسى الذي ملأ قلوب المسيحيين عندما يفكرون في شعب إسرائيل الذين لم يقبلوا إلى معرفة المسيح، وأضيف ليوم الجمعة العظيمة يوم السبت الذي اعتبر يوم الاستعداد للعيد. وبحسب ما أشارت إليه تعاليم الرُسل، فإن فترة استعداد الفصح لم تكن تتعدى يومين أو ثلاثة أيام، وكانت كنيسة شمال أفريقيا تلتزم هذا الصوم الذي يبدأ يوم الجمعة العظيم ويستمر حتى فجر أحد القيامة، عملا بما كان سائرا في القرون الثلاثة الأولى للمسيحية. ظل المسيحيون على هذا الحال إلى أيام البابا الأنبا ديمتريوس الكرام البابا الثانى عشر من باباوات الإسكندرية (188-230م)، الذي قرر أن يكون أسبوع الآلام تاليا للصوم الكبير وينتهى بالجمعة العظيمة، ثم اختار الأنبا غبريال بن تريك البابا السبعين من نبوات العهد القديم «التوراة» والمزامير والأناجيل ما يناسب ذكرى آلام السيد المسيح، ووزعها على الساعات وضمنها في كتاب «البصخة»، ثم أعاد ترتيبه وتوزيع قراءاته الأنبا بطرس أسقف البهنسا وأضاف إليه عظات من أقوال الآباء. تتلخص قراءات يوم الثلاثاء من البصخة في توصيل مفهوم السيد المسيح كمعلم ومُخلص من خلال قراءة قصص من الإنجيل تثبت هذا الأمر، خاصة تلك التي تشرح صدام السيد المسيح مع الرؤساء مع الفريسيين، معطيا إياهم إشارة أن يكفوا عن الاهتمام بالشكليات والمظاهر في عبادتهم وأن ينقوا داخلهم أولا. وفى هذا اليوم أيضًا تضاف عبارة «مخلصى الصالح» على تسبحه «لك القوة والمجد والتي تتردد على مدى الأسبوع» يأتى هذا ابتداءً من الساعة الحادية عشرة من اليوم الثلاثاء لأن المسيح في إنجيل هذه الساعة حدد ميعاد صلبه بقوله «تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب» (مت 26: 2)، كما يقال مزمور «كرسيك يا الله»، وهو مزمور تم تلحينه بنغمة «شامى» تتلى كنوع من الاعتراف بقوة المسيح بالرغم من صلبه. ولأسبوع الآلام أو أسبوع «البصخة المقدسة» بشكل عام فلسفة خاصة في الفكر الكنسى، حيث يشير في مُجمله إلى عبور النفس البشرية من رحلة الأتعاب وأوجاع الخطية إلى فرح الانتصار بالقيامة، وتناسب القراءات هذه التشبيهات، ولكل يوم قراءاته الخاصة وعظاته وألحانه التي يتميز بها عن اليوم الذي يسبقه. من النسخة الورقية