قالت صحيفة لوموند الفرنسية تعليقا على الانتخابات الرئاسية النيجيرية التي فاز فيها الجنرال السابق محمدو بوهاري على منافسه جودلاك جوناثان، إن الديمقراطية انتصرت في هذا البلد الأفريقي المهم. وأضافت الصحيفة أن حالة من الهلع الشديد قد سيطرت على أجواء تلك الانتخابات الرئاسية في نيجيريا طوال فترة الاقتراع المثيرة التي استغرقت أربعة أيام، إثر المخاوف من تحولها إلى حمام دم، ولكنها انتهت بسلام في تحول جذري وغير مسبوق شهده أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان. وأشارت الصحيفة إلى أنه - وفي سابقة تاريخية - أقر الرئيس المنتهية ولايته جودلاك جوناثان الذي يتولى السلطة منذ عام 2010 بهزيمته، بل وهنأ منافسه محمد بوهاري بفوزه، قائلا "وعدت هذا البلد بإجراء انتخابات حرة وعادلة، وقد أوفيت بالوعد إن أي طموح شخصي لا يساوي قطرة دم نيجيري واحد". وقالت لوموند إنه لم يحدث قط أن وافق رئيس نيجيري منتخب على تداول السلطة في هذا البلد الذي قلما تغيب فيه أعمال العنف عن الحياة السياسية. وتابعت لوموند "لقد لقنت نيجيريا، عملاق إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، درسا لدول القارة التي اعتادت تزوير انتخاباتها وإجراء استفتاءات هزلية، وأحرجت الانتخابات النيجيرية رؤساء القارة السمراء الذين يتشبثون بالحكم ويتجنبون الانتخابات العادلة في بلادهم لما يتصفون به من أنانية وضيق الأفق وعدم النزاهة". وبحسب لوموند "لا أحد يعلم علم اليقين ما تخبئه الأيام القادمة للرئيس الجديد محمد بوهارى إلا أن ما يسود المشهد السياسي في نيجيريا حاليا عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية هو مظاهر إعلان الرئيس المنتهية ولايته جودلاك جوناثان عن هزيمته في شىء من البطولة والأمل في أن يعكس ذلك منعطفا حقيقيا في تاريخ البلاد". وساهم جوناثان ذاته في الوصول إلى هذه اللحظة الفارقة حينما عزز صلاحيات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والتي تكفلت بإتمام العملية الانتخابية حتى نهايتها، فخسر الرئيس ولكن فازت نيجيريا، إذ لا يتوقف الأمر فقط عند الرغبة في تفادي وقوع حمام دم إنما يشير تداول السلطة إلى تعطش النيجيريين إلى رؤية حكامهم في نهاية المطاف يقدمون كشف حساب عن أفعالهم، لقد أرادوا معاقبة الفساد والبطالة وعدم المساواة وانهيار التعليم الجامعي والعجز عن محاربة جماعة "بوكو حرام"، وكذلك الأموال الطائلة التي تغدقها نخبة فاسدة تعيش خارج البلاد لا ترتحل من مكان إلى آخر سوى بطائرات خاصة. وأنفقت مبالغ فلكية في محاولة لشراء أصوات الناخبين ولكن لم يعد من السهل شراء الناخبين النيجيريين ولا حملهم على التصويت بأعداد غفيرة خوفا من أعمال العنف ولا دفعهم نحو صناديق الاقتراع لمجرد شعورهم بقوة انتماءاتهم الدينية والعرقية، إنهم تحلوا بصبر لا يوصف عند الإدلاء بأصواتهم رغبة منهم في التأثير على خيارات الأمة، وهو ما منح قبلة الحياة للديمقراطيات المنهكة ذاتيا في شتى بقاع العالم. ومن الأهمية أن تخرج تلك التجربة من رحم إفريقيا دون فضل في ذلك من أحد، فما من قوة أجنبية أملت على نيجيريا وصفة الأمل تلك، إنها نجحت عام 2014 في أن تنتزع من جنوب إفريقيا المكانة الأولى لتتصدر أقوى اقتصادات القارة السمراء، والآن يتعين على الرئيس المنتخب محمد بوهاري الدخول في سباق من نوع آخر لكي يجعل بلاده نموذجا ديمقراطيا يحتذى. وما يدعو للدهشة أن بلدا مثل نيجيريا يبلغ عدد سكانه 174 مليون نسمة يظل معتمدا على اقتصاد الريع ومكتفيا في الوقت ذاته بمحاولات متواضعة لتنويع مصادر دخله.