تأثر بالأفكار الثورية التي غرسها فيه جمال الدين الأفغاني، الرافضة للذل وتأبى المهانة وتتمرد على الظلم والاستبداد الذي انتشر في أيامهم. "لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً؛ فوالله الذي لا إله إلا هو لا نُورَّث ولا نُستعبَد بعد اليوم" بتلك الكلمات نطق الزعيم أحمد عرابي بميدان عابدين عام 1881 أمام الخديوي توفيق، حملت تلك الكلمات في طياتها عزة وطن وكرامة شعبه الذي وضع ثقته في قائده والتف حوله منشدًا حياة حرة كريمة وبلد حرة مستقلة. على حصانه الأسود، قاد أول ثورة وطنية في التاريخ المصري الحديث، ووراءه أعداد تقدر بالمئات من الأهالي في 1881 أمام الخديوي توفيق في ميدان عابدين، يشعل حماس جمهوره بتسليمه للخديوي مطالب شعبه، وما إن رفض الخديوي، حتى رد الزعيم أحمد عرابي، قائلًا: "لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا". عرابي من مواليد محافظة الشرقية، تعلم القرآن الكريم وأرسله والده الذي كان عمدة القرية إلى التعليم الديني حتى عام 1849، وفي سن الثامنة طلب من أبيه أن يلحقه بالجامع الأزهر فأجاب طلبه وأرسله إلى القاهرة، ودخل الأزهر في نوفمبر 1849، ومكث فيه أربع سنوات أتم خلالها حفظ القرآن الكريم وأجزاء من الفقه والتفسير. التحق عرابي بالخدمة العسكرية حين أمر الخديوي سعيد بإلحاق أبناء المشايخ والأعيان بالجيش ضمن جهوده للمساواة بين الشركس والمصريين، ولكن تغيرت الأوضاع بعد وفاة الخديوي سعيد وتولى خلفه الخديوي إسماعيل، وعادت التفرقة بين المصريين والشراكسة في الجيش. أخذ يتدرج في الرتب والترقي إلى أن توفى سعيد وتولى الحكم إسماعيل الذي كان من أنصار الضباط المصريين، ولما كان عرابي خطيبًا لبقًا ذا صوت قوي وحجة بارعة في الحديث والخطابة انجذبت إليه قلوب الجماهير. تأثر عرابي وزملاؤه بالأفكار الثورية التي غرسها فيهم جمال الدين الأفغاني، هذه الأفكار التي ترفض الذل وتأبى المهانة وتتمرد على الظلم والاستبداد الذي انتشر في أيامهم، كما كان خضوع الخديوي للتدخلات الأجنبية التي فرضت عليه نتيجة غرقه في الديون التي وضع نفسه فيها ببذخه ولهوه الأثر في تحميس عرابي وزملائه على التمرد ورفض الاستكانة. ولكن هناك شيء من التهور وعدم الدقة في أخذ القرار المناسب واستبداد بالرأي دون مشورة مما جعل الثورة تفشل وانهزم عرابي، وقام الإنجليز بإعادة الخديوي توفيق إلى القاهرة، وتم الحكم على عرابي وزملائه بالإعدام الذي خفف إلى النفي المؤبد لجزيرة سيلان ومصادرة أملاكهم. وتوفي أحمد عرابي في عام 1911 تاركًا وراءه قصة كفاح ورفض للظلم ودفاع عن الحرية والكرامة. تناولت بعض الكتب والدراسات الثورة العرابية من ضمنها على سبيل المثال كتاب الثورة العرابية لرفعت السعيد، والذي وضع مقدمته خالد محيي الدين في عام 1966، بمعنى أن الكتاب صادر في بداية عام 67 عن دار مكتبة مدبولي، ورغم القدم الزمني له إلا أنه يظل من أفضل الكتب التي تناولت أحداث وأحوال مصر قبيل الثورة العرابية وأثناء الثورة وما بعد الثورة، حتى أن المتتبع للأحداث في مصر يجد أن ثورة 1952 جاءت كامتداد طبيعي لثورة عرابي، فالثورة الثانية استفادة من التجربة العرابية، خاصة في مجال التحالفات بين أعداء الثورة أن كانوا من الداخل أم من الخارج. هذا الكتاب ينقسم إلى قسمين، قسم يتحدث بتفاصيل دقيقة ومفصلة عن أوضاع مصر بكافة جوانبها قبل الثورة العرابية، والقسم الثاني يتحدث عن الثورة، فقد أقنعنا وأمتعنا رفعت السعيد بهذا الأسلوب العلمي من الكتابة، فلم نعهد كاتب أعطى تحليلا ووصف الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية باهتمام كهذا الاهتمام، حتى أن القارئ ينساق وراء تحليل الأوضاع وكأنه يقرأ عن أحوال مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويتماهى مع الحديث حتى أنه ينغمس في السرد الواقعي متناسيّا أمر الثورة العرابية. وتعمد الكاتب الكبير رفعت السعيد إلى مقارنة أحوال المصريين مع أحول الأوروبيين، والكيفية التي تعامل بها الخديوي مع الغرب، والمصريين، نجد أن هناك فجوة هائلة لا يمكن لها أن تستمر إلى الأبد، ويوضح رفعت أن من هنا جاء أحمد عرابي كشخص ثائر على هذه الأحوال وعلى نظام الحكم. ويضيف السعيد أن هناك ميزة وخصائص لا بد أن تتوفر بمن سيقوم بهذه الثورة، ألا وهي المبدئية، والتي تعني عدم الانسياق وراء المغريات أو التهديدات، بمعنى رفض الترغيب أو الترهيب، كما تعني رفض بيع الذات مقابل الثروة أو المنصب، كما تعني العمل على تحقيق مصالح الشعب وضرب مصالح الغربيين والإقطاعيين معا، وهو ما توفر في القائد أحمد عرابي.