إعداد: أحمد صوان إشراف: سامح قاسم "بكتب يا عالم وأنا عارف إني هاموت في منفى ولاَّ في زنزانة أهو كله تابوت ولو ما مُتش أهي علقة بالجملة تفوت".. رغم أن أغلبية من سمعوا عن الشاعر الراحل نجيب سرور لم يسمعوا أو يقرأوا من أعماله سوى أشهرها التي سخر وانتقد فيها الجميع مُستخدمًا السباب، ولكن سرور الذي أراد أن يكون المسرح بابًا للحرية، فترك كلية الحقوق قبل التخرج بقليل ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، كان واحدًا من أقوى وأهم شعراء الفصحى في الوقت نفسه، والقارئ ديوانيه "لزوم ما يلزم" و"بروتوكولات حكماء ريش" سيرى تمكُنه من اللغة العربية، والمُتابع لسيرته سيعرف مدى ما عاناه سرور، الذي اصطدم بالسُلطة في أقوى حالاتها في عصري الرئيسين جمال عبد الناصر، وأنور السادات. "أنت دخلت السجن مرارًا.. تكفي مرة ثبت هذي المعلومة..كالنيشان إلى العروة وأجلس بين السذج والأغرار والأبرار ذوي القلب الأبيض سمسر بالسنوات السوداء قل ما شئت بغير حياء".. في بداية حياته انضم سرور إلى جماعة حدتو الشيوعية، وأخفي ذلك قبل سفره في بعثة حكومية إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الإخراج المسرحي، وهناك ظهر ميله للماركسية فلفق زملاؤه تقارير ضده، وكانت بصمته عقب عودته إلى مصر على الحياة الثقافية واضحة للعيان، حيث شارك في الحياة الثقافية كشاعر، وناقد، وباحث، وكاتب مسرحي، وممثل ومخرج، حتى أصبح أحد إعلام المسرح العربي الُمعاصر، ولكن عند عودته تلقفته أجهزة الأمن، فسُجن وعُذب العديد من المرات، وزجت عليه ممثلة مشهورة للتجسس عليه وآخرين، لذا تم نفيه في سرنديب، ثُم أودع بمستشفى الخانكة أكثر من ثلاثة أعوام، وتم تشريده وزوجته الروسية من أجل كتاباته الجريئة، وكان يسخر من هذا بطريقته المسرحية، ففي أحد الأيام فوجئ به أصدقاؤه يلف حول عنقه خيط دوبارة بدلًا من رابطة العنق، فضحك الجميع وسألوه فأجاب أنه يخشى أن يفتح الدوبارة فينفتح معها لسانه الذي لا يُرضي الحكومة. "يشرب ويشرب عشان ينسى ولا بينسى الصلب والشنق والهول اللي ماله علاج ياللي نسيتوا قولولي إزاي قتيل ينسى ولاَّ انتوا برضو اللي قالوا إصلبوا الحلاَّج ".. تجاوز نجيب سرور الخط الأحمر عندما عارض مجازر الملك حسين بحق الفلسطينيين فيما عُرف بأحداث أيلول الأسود، فقام بكتابة وإخراج مسرحية بعنوان "الذباب الأزرق"، وسرعان ما طلبت المخابرات الأردنية من السلطات المصرية إيقافها؛ وانتهى الأمر بعزل سرور وطرده من عمله، ومحاصرته، ومنعه من النشر، ثم اتهامه بالجنون، ليكتب في هذه الفترة قصديته الأشهر ".. الأميات"؛ والتي لم تجد سوقًا للنشر خارج مصر لمحليتها اللغوية، والعبارات والألفاظ المُستخدمة فيها، كما أن الجميع كان لا يجد سببًا للعداء مع نظام الرئيس السادات. "يابنى أنا جعت واتعريت وشوفت الويل وشربت أيامى كأس ورا كأس طرشت المر يابني بحق التراب وبحق حق النيل لو جُعت زيي ولو شنقوك ما تلعن مصر".. وشهدت السبعينيات أقسى فترات سرور، الذي دأب على كتابة قصائد انتقد فيها بشكل لاذع سياسة ونظام السادات تجاه الوطن والشعب، وخاصة قمع الحريات العامة، وحرية التعبير، وتحاملت أجهزة السلطة في حينها عليه، فلفقت له الكثير من التهم وساقته إلى مستشفى الأمراض العقلية، وقد تكرر ذلك لتحطيم نفسية نجيب سرور. "أبويا مات مصرى ثاير.. بس عاش فيَّه أبويا عايش.. أبويا تاره لسَّه مامتش أبويا كافح وكان عنده الكفاح غيَّه واللي أبوه زي أبويا يبقى ما اتيتمش"..