قالت: بلى هو تَعجّبتُ أنا!! كيف عرفته؟ فمعالم الوجه ضائعة!! والجسد يكاد يكون ممزق!! قالت: نعم هو.. فهذا خاتمي مازال في إصبعة في نفس مكانه منذ ثلاثة أعوام وتلك الساعة كانت هديتي له في أول عام زواج وهذه دلايتي تحملُ إسمي معلقة في رقبته كما وضعتها منذ عامين قالت: قطعاً هو فهذا القلب المثقوب كان مكاني وهذا الصدر المفتوح كان أماني وفوق تلك الجبهة المسحوقة جعلتُ قِبلتي وفوق تلك الشفاه المقطوعة وضعت قُبلتي قلت: من قتله ياسيدتي؟! من تتهمينه بقتله؟ قالت: ومن لا أتهم؟!! هم كُثر ياسيدي المحقق قتله في البدء رجل صاحب لحية.. قال لا تخرجوا على الحاكم ولو ظلمكم وقتل شعبه وقتله رجل خانع قال “,”بلطجي مأجور“,” للأعداء عميل وقتله رجل جبان يرتدي الزي العسكري قال “,”عدو النظام“,”.. كلب وقتله حاكم مخلوع يضحك علينا في موته من خلف نظارته الشمسية قتله جاهل معتوه قال“,”نعم للطائفية“,” حتى ندخل الجنه وقتله داعر مخبول يظهر كل ليلة في “,”التليفزيون“,” قال لماذا خرج قلت: وماذا كان أسم زوجك؟ قالت: لزوجي أسماءٌ عديدة قلت: أذكري لي بعضها قالت: زياد.. أحمد.. مينا.. بلال.. سعيد.. مراد.. جرجس.. محمد.. عماد.. ناصر.. مدحت.. فؤاد قلت: أليس لزوجك إسم محدد؟ قالت: له إسم محبب قلت: قوليه إذا حتى نغلق التحقيق قالت: مواطن مصري قلت: حسناً.. أغلق التحقيق في اليوم والساعة.. على أن تقيد القضية ضدنا جميعاً تركتُ القلم أمسكتُ المسدس وأطلقت الرصاص على رأسي (إنتهى التحقيق) أحمد فكري 6/1/2012 (نحس.. قصة) - آه.. آه.. أخيراً.. أخيراً لحقت بالمترو.. آه.. كانت تلك هي عبارة الاستاذ “,”هاني“,” المعتادة صباح كل يوم.. يقولها بمجرد لحاقه بقطار “,”المترو“,” المتحرك من محطة “,”عين حلوان“,” بمجرد دخوله هو للمحطة؛ ولأن عملة كمدرس إبتدائي في مدرسة تقع في آخر محطات المترو “,”محطة المرج“,” والذي يبدأ من السابعة صباحاً، كان يتعين عليه دائماً ركوب أول قطار يتحرك في الخامسة والنصف صباحاً.. ولأن مرتب وظيفته الضخم لم يكن للأسف قادر على تغطية مصاريف حياته الباهظة المتمثلة في الفول والخبز وأجرة السكن والمواصلات، كان يتحتم عليه العمل في وظيفة أخرى بعد المدرسة.. لم يجد غير وظيفة “,”كاشير“,” في أحد الأسواق التجارية الضخمة والذي كان يستمر حتى الثانية صباحاً، والذي لم يكن يجعله يعرف سبيلاً للنوم قبل الرابعة فجراً.. ليكتشف بمجرد أن يغمض عينيه أن الساعة قد أتمت الخامسة صباحاً بعد أن يطلق جهاز المنبة صفارته إعلاناً لذلك.. وأيضاً إعلاناً بأنه لم يتبقى أكثر من نصف ساعة على ميعاد القطار. تعود الأستاذ هاني على ذلك بعد إكتشافة لإستحالة تغيير نظام حياته –الفاشل من وجهة نظر زملائه في العمل- الناجح جداً من وجهة نظره.. ودائماً ما كان يقنع نفسه بأن زملائه يغارون منه لأنه لم يقيد نفسة بسلاسل الزواج والمسؤلية مثلهم.. لذا هم يقولون أنه يحيا حياة مستهتره فاشلة.. فهم يتمنون أن يحيوا مثل حياة الرفاهية التي يحياها!! بمجرد أن تطأ قدماه عربة المترو حتى يبحث نظره تلقائياً عن أقرب مقعد خالي حتى يستغل زمن الرحلة من عين حلوان إلى المرج والتي تستغرق خمسة وسبعون دقيقة، يستغلهم هو أحسن إستغلال ليكمل بهم ساعتين نومه المعتاد.. وبالفعل بدأ الأستاذ هاني طقسة اليومي بمجرد دخوله عربة المترو وجلوسه على أقرب مقعد خالي.. ولكنه شعر بشخص يوقظه بعد لحظات.. في الحقيقة لم يكن هذا الشخص إلا جندي شرطة يتبع شرطة مترو الأنفاق.. في البداية إعتقد الأستاذ هاني أنه مجرد كابوس أو حلم سخيف وحاول أن يكمل نومه، ولكن صراخ السيدات من حولة وخبطات الجندي على كتفة أكدت له أنه لا يحلم.. - النوم.. الماتش.. إلعب يا أهلي.. - أهلي إيه يا أستاذ و زمالك إيه!! إصحى.. فوق.. يا محترم.. - آخر محطة.. حأنزل آخر محطة.. - يا حضرة إصحى.. إنت ركبت عربية السيدات.. فوق يا محترم علشان تنزل وتدفع الغرامة. - نعم.. نعم.. العلامة.. علامة الكابتن مع شادي.. بس الحضري يستحقها برده.. لكنه هرب.. إهرب يا حضري.. - كابتن إيه وحضري إيه!! يا أستاذ.. - إيه.. إيه.. في إيه؟؟!! - في إنك معطل المترو من عشر دقايق.. - ليه؟؟!! - علشان إنت ركبت عربية السيدات.. ولازم تنزل وتدفع الغرامة. - غرامة إيه؟؟!! ما أنا كل يوم بأركب في نفس العربية دي!! - عارف يا أستاذ.. بس من إمبارح صدر قرار بتخصيص العربيتين اللي في النص للسيدات بعد ما حصلت حادثة كان سببها رغي الستات اللي في أول عربية، فالسواق إتخنق ودخلهم يسكتهم قام القطر لبس في الحيطه. - لبس في الحيطه!! لبس في الحيطه إزاي؟!! انا أسمع عن طيارة تقع، قطر يولع، عبارة تغرق في شبر ميه.. لكن مترو يلبس في الحيطه!! جديده بصراحة. - وده وقته يا عم إنت؟!! أبوس إيدك إنزل خلّي المترو يتحرك الناس وراها أشغال. - طيب ما أنا برضه ناس وورايا أشغال. - يبقى لازم تنزل علشان تدفع الغرامة وتركب المترو اللي بعده وتلحق أشغالك. - بص أوعدك إني أركب المرة اللي جاية العربية الصح.. ولو غلط إبقى دفعني غرامة دوبل. - يا أستاذ مينفعش.. خلّصنا أبوس إيدك. - يا أخي أنا لسه عاذب إزاي عايزني أخلصك.. هههههه.. حلوه ها.. والنبي حلوه.. خلاص بقى خليها عليك المرة دي.. آآآآآآآآآآآآآآه.. أي. لم يكن هناك حل غير هذا الذي فعلته تلك السيدة الضخمة التي بدت عليها علامات الغضب والضيق، لذا قررت إنهاء تلك المفاوضات بحمل الأستاذ هاني والجندي معاً والإلقاء بهما خارج عربة المترو، والذي إنطلق به سائقة فوراً بمجرد أن أشار له الجندي بإنتهاء الأزمة. بعد أن دفع الأستاذ هاني الغرامة خرج لاهثاً ليلحق بالقطار القائم في نفس لحظة خروجه من مكتب رئيس المحطة، ولكنه حافظ على أن تكون العربة الأخيرة هذه المرة ليضمن ألا يوقظه أحد قبل الوصول إلى محطته.. وبعد أن نجح في الحصول على مقعد خالي ألقى بجسده عليه ليذهب في غيبوبة جميلة بمجرد أن لامس المقعد.. ولكنه بعد لحظات شعر بخبط على ساقيه.. فإستيقظ فزعاً مقسماً بأنه لن ينزل ولن يدفع غرامة ولن يسمح لأحد يلقيه من الباب.. - باب إيه يا ولدي وغرامة إيه؟!! مالك يا ولدي في حادة؟!! - أبداً يا حاج.. معلهش أصلي كنت ركبت غلط في عربية السيدات و.. عموماً حصل خير.. أنا آسف إني شخط فيك يا عمدة. - ده أنا اللي آسف يا إبني إني جلجتك. - لا، ولا يهمك.. في حاجة؟!! - معلهش يا إبني ممكن تكتبلي الرقم اللي في الكارت ده هنا في الأدنده دي. - حاضر يا عمده. - مِتْشَكِر يا إبني. - العفو يا حاج.. أي خدمة. - مِتْشَكِر. - العفو.. العفو. (بعد لحظات) - أستاذ.. يا أستاذ. - نعم يا حاج. - معلهش يا ولدي جلجتك. - ولا يهمك.. يا عمده.. خير؟!! في حاجة؟!! - لا مفيش حاده بس ممكن تنجلي الرقم اللي في الكارت ده هنا دمب الرقم الأولاني. - حاضر.. حاضر.. إتفضل.. خدمة تاني. - مِتْشَكِر. - العفو.. تصبح على خير. (وبعد شوية) - أستاذ.. يا أستاذ.. - خير.. في أرقام تاني يا عمدة. - معلهش يا ولدي أنا بتجّل عليك. - فعلاً.. أقصد ولا يهمك.. عايز تكتب إيه؟؟ - إمسك.. - إيه ده كله؟؟!! إنت فاتح مطبعة كروت في جيبك؟!! - لع يا ولدي دول شوية كروت بتوع جرايبي.. إكتب بس.. أنا ع جولك.. الأستاذ محمود علي الأعور.. لجيته؟ - أيوه. - طيب.. إكتب رقم المحلول بس. - محلول!! حاضر. - بعد كده شوف الأستاذ.. الأستاذ حسين الجحش.. لجيته؟ - أيوه.. أكتب رقم المحلول برضه؟!! - لع.. إكتب البيت بس. - حاضر. - بعد كده شوف الحادة فريال المحترم. - محترم!! حاضر. - لجيتها؟ - أيوه. - بص.. أجولك بلاش الحادة فريال.. دوّر على الحادة مديحة الحيوان. - حيوان!! حاضر. - لجيتها؟ - أيوه. - طيب إكتب رقم المحلول. - في رقمين أكتب مين فيهم؟ - إكتب الإتنين. - حاضر. - ولا أجولك.. إكتب الأولاني. - حاضر.. اللي بعده. - شوف الأستاذ ممدوح الهندي. - هندي!! هندي، هندي على الأقل مش حيوان. - بتجول حادة؟ - لا يا عمدة مفيش.. أهو لقيته أكتب المحلول بتاعة؟ - أيوه.. المحلول ورقم المزرعة. - حاضر.. بأقولك إيه يا عمدة. - جول. - هي الكروت دي بتاعت مين؟! - بتاعت مين!! بتاعتي أنا.. ليه؟!! - طيب مادام بتاعتك ليه بتكتبهم تاني في الأدندنه.. قصدي الأجندة؟؟ - مليكش صالح إنت.. أنا حر.. إكتب وإنت ساكت. - أكتب وأنا ساكت!! ليه هو إنت مدايني ولا إشترتني ولا تكون ولي أمري وأنا مأعرفش؟!! - بجولك إكتب. - حاضر.. بس من غير شخط؛ أيوه قول. - الأستاذة أمال المعدول. - معدول، معدول هو أنا حأخاف.. أيوه لقيتها. - إكتب تليفون المكتب والمحلول. - حاضر.. اللي بعده.. ما هو يوم نحس من أوله.. اللي بعده. عَلِقْ الأستاذ هاني مع العمدة الصعيدي وكروته وأجندته، وتأكد من أن اليوم هو يوم نحسه العالمي.. بائت كل محاولات الأستاذ هاني للتخلص من العمدة وكروته بالفشل.. فكلما حاول التخلص من تلك الورطه بالتمرد والرفض، كان صراخ العمدة الصعيدي ونظرته المتوعدة المرعبة قادرة على إقصاء تلك الفكرة من رأسة من قبل حتى التلفظ بها.. وظل الوضع على ما هو عليه حتى وصل المترو إلى ما بين محطتي “,”الزهراء“,” و“,”ماري جرجس“,”.. وعندها أقسم المترو ألا يتحرك.. وعندها أيضاً فقد الأستاذ هاني أعصابه.. - كفايه.. كفايه.. حرام عليك.. ياراجل حرام عليك، هو أنا كنت ناقص تأخير.. يا راجل حرام عليك. - إيه.. فيه إيه؟! - فيه إيه إنت؟!! إنت عبيط يا عمده؟! لأ بجد، إنت عبيط؟! - إنت حتجل أدبك ولا إيه؟؟ - أنا خلاص مش فارق معايا حاجة.. اليوم وحيتخصم مني يعني حيتخصم.. واضح إن الدنيا كلها إتفقت على كده النهارده.. ومع ذلك مش مهم.. تتحرق المدرسة على الناظر على الطلبة في يوم واحد.. لكن كله كوم وإنت وكروتك وأجندتك كوم تاني.. أنا بقى خلاص فاض بيا.. ومش هكتب أرقام تاني، حتى الحساب هبطل أدرسه خالص.. بص.. أقولك حاجة.. أنا هأبطل تدريس من أساسه، وحأسرح بعربية بطاطا.. إيه رأيك بقى. - يا ولدي.. إنت مضّايج من حاجة؟؟ - مش قلت لك إنك عبيط يا عمده. بص يا عمده.. إسكت خالص.. بجد أنا مش عايز أسمع صوتك خالص لحد ما نتنيل نوصل.. ولا أقولك أنا حأنزل المحطة الجاية، ده لو تكرم وتفضل علينا حضرة سيادة جناب المترو ووصلنا المحطة الجاية أساساً. - يعني هي دت على المترو يا ولدي.. العالم كله ملخبط حاله ومحدش فاهم حادة.. جالوا إن العراج فيه ماخابرش إيه بتاع دمار مشمول.. وبعد ما خربوها وجعدوا على تلها، طلع علينا الدزمه ولد الدزمه إلا يستاهل مليون دزمه وجال آسف أصلهم شربوني حادة أصفره وضحكوا علي.. ودلوك ولاد الدزمه التانيين نازلين جتل في ولادنا في فلسطين، وفي نفس الوجت يطلع لنا شوية عيال مأعرفش منين يجولوا كلام فارغ على مصر.. مصر.. مصر اللي كانت أيام عبد الناصر أمهم كلهم، وستهم وتاج راسهم.. دلوك شوية دزم يجولوا عليها كلام بطال.. واللي يغيظ إن الناس عندينا مصدجين شوية العيال دول وجال إيه يجولوا يالا نحارب.. بالزمه ده كلام، هو إحنا لاجيين ناكل أصلاً ولا هو بجى فاضل عندينا بيت علشان نخربه.. تعرف يا أستاذ، أنا مزارع وعندي أرض في الإسماعيليه.. بس أنا أساساً من سوان.. أنا في اليومين اللي فاتوا خسرت ميه وخمسين ألف دنيه، علشان الخواجات لغوا عجد التصدير اللي معايه ومع مزارعين تاني بسبب الأزمه الماليه.. طيب وأنا مالي ومال الكلام ده.. جالوا ملناش صالح إحنا مش لاجيين فلوس وجربنا ناجي نشحت عنديكم على باب السيدة وسيدنا الحسين.. بجى الخواجات مش لاجيين فلوس وبيجولوا إحنا حناجي نشحت، أمال إحنا نجول إيه!! وبعد ده كوله ولاد الخايبه يجولوا عايزين نحارب!! طيب وريني يا فالح إنت وهوه حتعمل إيه!! تلاجي الواحد من دول جاعد طول اليوم على الجهوه يشرب شيشه ويتفرج على الكلام الفاضي وعمال ياخد المصروف من أهله علشان يصرفه على مزاجه الزفت.. وبعد كده يجول عايز أحارب.. طيب ما تحارب نفسك لوَّل.. حارب الفقر.. حارب الظلم.. حارب الدهل.. والله العظيم يا أستاذ وما لك عليا حلفان دول شوية عيال بتتكلم وخلاص.. زي ما التانيين برده بيتكلموا وخلاص.. أيام عبد الناصر كنا رداله، ولو كان جال لنا إطلعوا بجسمكم إجده كنا طلعنا وبالشوم والنبابيت وكسرنا بنت الدزمه دي.. علشان كنا رداله.. دلوك تلاجي الواحد من دول زي الدرفه نافخ هوا بس ولا له لزمه.. هو لو كان حد لسه عنده كرامه كان سكت على الظلم والغلا ده.. بس خلاص مفيش رداله.. الدوع والدهل والدش مخلاش رداله.. بعد إذنك يا ولدي أنا نازل المحطة دي، علشان ألحج جطر الصعيد علشان أحضر دنازة واد أخوي إللي جتلوه إمبارح على الحدود. تمت أحمد فكري.. 2008 (حدث معي هذا الموقف بالفعل في بدايات عام 2008 وكتبته وقتها ولم يقبل أحد بنشره وقتها بحجة صعوبة اللغة وحساسية الموضوع)