كشفت تفجيرات متحف "باردو" في تونس، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 20 قتيلّا بين تونسى وأجنبى كانوا ذاهبين للسياحة، وجها جديدا لما قد تشهده تطورات الأحداث في تونس ودول الشمال الإفريقي بوجه عام خاصة بعد سقوط حكومة النهضة ومرشحها المنصف المرزوقى وراشد الغنوشى وفوز السبسى، وهو محسوب على نظام بن على، فما يحدث في تونس أقرب كثيرّا لما حدث في مصر بعد سقوط الإخوان وإطلاق يد المتشددين والإرهابيين على الدولة لإنهاكها، وقد يكون بشكل غير مباشر وهو أن القوى المتشددة تعطى فرصة للحكومات الإسلامية لكن حينما تسقط فلا يعود أمامها خيار سوى تطبيق أفكارها بالعنف والإرهاب. المؤشرات الأولية من حادث "باردو" أكدت وقوف تنظيم أنصار الشريعة "داعش تونس" وتنظيمات إرهابية بجبل الشعانبي وراء الهجوم متحف باردو مؤكدة أنهم تلقوا تدريبات بمعسكرات داعش الليبية وتسللوا مجددّا من الأراضي الليبية لتونس ما يعنى وجود ارتباط تنظيمي بين أنصار الشريعة بليبيا وتنظيم داعش والقاعدة بإفريقيا وتنسيق مشترك بين كل التنظيمات التكفيرية التي تنتهج فكر الخلافة للسيطرة التامة على دول شمال إفريقيا. هذه المعلومات تفتح الباب أمام تساؤلات مهمة "هل قررت داعش الانتقال وبقوة إلى دول شمال إفريقيا ونقل نشاطها إلى هناك مستغلة وجود الكثير من العناصر التونسية في صفوفها وكذلك توفر ساحات لتدريب التونسيين بليبيا؟. أنصار الشريعة "داعش تونس" في البداية لا بد من معرفة الجماعات التي بايعت داعش في دول الشمال الإفريقي والتي يمكن أن تكون رأس حربتها في الفترة القادمة ففى تونس تعد جماعة أنصار الشريعة التنظيم الأقوى وكان فرعا سابقا لتنظيم القاعدة قبل مبايعة داعش، بدأ في الظهور أعقاب الثورة التونسية. بدأ التنظيم في استعادة نشاطه بعد إطلاق سراح العديد من السجناء السياسيين الإسلاميين الذين كانوا مسجونين من قبل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على، بما في ذلك أبوعياض التونسي، الذي سبق وشارك في تأسيس الجماعة المقاتلة التونسية مع طارق معروفي في يونيو 2000 قام أبوعياض بتأسيس جماعة أنصار الشريعة في أواخر أبريل 2011. كما قامت أنصار الشريعة بحملة للإفراج عن السجناء الإسلاميين، مثل عمر عبدالرحمن، وأبوقتادة والتونسيين الذين حاربوا مع تنظيم القاعدة في العراق المحتجزين في السجون العراقية. في يوليو العام الماضى أعلن زعيم تنظيم أنصار الشريعة في تونس سيف الدين الرايس مبايعته أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش ودعا الرايس أنصاره إلى نصرة "إخوانهم المسلمين في العراقوسوريا"، وأعلنت كتيبة عقبة بن نافع الجهادية في تونس انشقاقها عن تنظيم القاعدة ومبايعتها تنظيم داعش الشهر الماضي. وظل الصراع بين الشرطة التونسة ومقاتلي الكتيبة في مناطق جبلية على الحدود مع الجزائر،وخصوصا جبل الشعانبى الذي يعد معقلا لهذه المجموعة الإسلامية المسلحة الفترة المقبلة قد تشهد محاولات مكثفة من داعش لنقل عملياتهم في دول شمال إفريقا وتنشيط وإحداث حالة من الفوضى لخدمة أغراضها. جند الخلافة في الجزائر كانت في البداية جماعة تابعة لتنظيم القاعدة تحت مسمى "القاعدة في بلاد المغرب العربى" وبعد انشقاقه عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، أعلن أمير منطقة الوسط في تنظيم القاعدة خالد أبوسليمان انشقاق جماعة "جند الخلافة" في الجزائر عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ومبايعة داعش ومن بعدها تورطت في عدد من العمليات لكن أبرزها ذبح أحد الرهائن الفرنسيين الذين اختطفتهم ونشرت تسجيلا مصورها لهذه العملية الإرهابية. دخلت جند الخلافة بعد هذه الحادثة في صراع مع الدولة لا يزال مستمرا رغم أنه كبدها فقد قائدها " قوري عبدالمالك" والذي قتله الجيش الجزائرى في مواجهات بين الطرفين. داعش ليبيا نقطة الإنطلاق يضم تنظيم داعش بين صفوفه الآلاف من التونسيين صحيح أنه لا يوجد رقم محدد لكن هناك ما بين 500 إلى 1000 مقاتل في سورياوالعراق ربما أكثر من ذلك ومعهم المئات من الجزائريين وكذلك الآلاف منهم أيضا في ليبيا تحديدا، وجود أنصار الشريعة في ليبيا أو داعش ليبيا حاليّا قد يكون هو نقطة التحول بشكل عام في دول الشمال الإفريقى فالتنظيم حاول لعب دور في مصر بجرائم ذبح المصريين وها هو يحاول نقل النشاط إلى تونس وقد ينتقل إلى الجزائر قريبّا. عملية باردو نفذتها عناصر تونسية منتمية إلى داعش تلقت تدريبا في ليبيا ما يعنى أن ليبيا تحولت إلى مكان آمن لانتقال الجزائريينوالتونسيين إلى ليبيا والتدريب هناك وسط معسكرات المقاتلين سعيّا للسيطرة على ليبيا كما أنه يمكن استخدام هؤلاء في عمليات ضد الحكومة التونسيةوالجزائرية. كما أن هذه العملية الإرهابية كشفت أن داعش تسعى لنقل الصراع من المدن الجبلية إلى شوارع تونس ومدنها وكلما تم التضيق على طوائف الإسلاميين وإدخال أكبر قدر منهم إلى دائرة الصراع كلما تغذى داعش وأصبح له حاضنة أكبر وتوالت عليه البيعات وأنضم إليه الشباب، فداعش يريد فرض الصراع على كل الإسلاميين ليكون هو الملجأ ما يعنى أن داعش بعملياتها تسعى لإحداث المزيد من الفوضى في هذه المنطقة وكذلك حث أبناء السلفية الجهادية للانضمام إليها بهذه العمليات واستثارة الجهاد بداخلهم. حادث باردو قد لا يكون الأخير لكن بداية لصراع جديد بين التنظيمات الجهادية ودول الشمال الإفريقي مرت مصر بنارها خلال الفترة القادمة ما يعنى أن هناك ضرورة كبيرة للقضاء على رأس الأفعى وهى ليبيا التي فتحت الباب أمام تدريب هؤلاء المقاتلين الإرهابيين ومن ثم تنفيذ عمليات فمصر وتونسوالجزائر بالإضافة للجيش الليبيى الوطنى أمام اختبار النجاح فيه هو الحل لمواجهة إرهاب المنطقة والحفاظ عليه هذا الاختبار يسمى داعش ليبيا قبل أن تتوغل في تونس أو الجزائر الدول التي تقع على حدود ليبيا.