في اتفاق أقرب إلى التواطؤ، عُرِفَت الكتابة النسوية بأنها محصورة في زاوية ضيقة تتناول مشكلات المرأة وجسدها والقهر الواقع عليها، في مقابل عدم التطرق لمفهوم الكتابة الذكورية، أو الأدب الذي يكتبه الرجال، ما يُبعد الأنظار عن تجارب حقيقية لمبدعات تناولن العالم من وجهة نظر الإنسان متخطين فكرة التصنيف. ولعل تجربة الشيماء حامد في مجموعتها «حفلة في كازينو الشاطبى»، والصادرة عن دار فابريكا نموذجا واضحا للكتابة التي ابتعدت تمامًا عن مفهوم الأنثوية، فبدت المرأة العارفة، التي تستطيع رؤية الذات والدخول إلى أعماقها دون التورط معها، فاستطاعت تناول مشكلات الفرد وتحليل أزماته بعين الإنسان، وبعيدًا عن التنميط الذي يفرضه المجتمع على صورة الرجل، تُزيح بهوادة الصورة الذهنية للذكر في العقل الجمعي لصالح إبراز ذاته الإنسانية بتفاصيلها وجمالها ونواقصها. تجمع الموسيقى كل الحكايات، فقبل كل قصة حكاية عن المزيكا ترويها امرأة الكازينو لحبيب صباها، فتحكى عن ذكرياتها مع حبيبها ومع جارتها التي كانت تعمل راقصة ومغنية في كازينو الشاطبى، فتتداخل المزيكا مع الحكايات وقصص المجموعة التي تليها، لتلعب طوال الوقت دور الخلفية الموسيقية، ففى «دويتو.. دربوكة شرقى» تستطيع أن تسمع دقات الطبلة بينما يتحرك «زيزو ملك الحفلات» بخفة أصابعه مُندمجًا مع جسد الراقصة، بينما في «بلوز.. الأزرق بارد وحزين» تُصاحبك نغمات كلاسيكية حزينة مع الفتاة التي تنتقل بين عشاق قدامى تتخيلهم يتراقصون على المسرح. هُناك عالمان داخل الحفلة، عالم الكازينو الذي يعج برائحة تاريخ الإسكندرية الأصيل، والموسيقى، هو عالم رائق بحكاياته وتفاصيله وحتى مُعاناته، أما قصص المجموعة فتدور في عالم آخر صاخب يقترب من قساوة الواقع المعاش ومن أزمات الفرد، فتبدو الصورة وكأن هناك عالمين بعيدين ولكن عالم الكازينو لا ينفصل عن قصص المجموعة، هي فقط تدور خارجه، تحاوطه، بل وتحاصره لحين تأتى لحظة ينهدم فيها عالم الكازينو تحت وطأة أزمات أفراد قصص المجموعة وواقعها المؤلم. تنتقل الكاتبة بأسلوبها السردى بسلاسة ودون افتعال من داخل الكازينو إلى خارجه، ويدور الحوار بين الواقع، والمنشود، والأحلام التي يعيشها الإنسان، ليبرز بقوة الصراع الدائر بين الإنسان الذي يتم تهميشه، وبين المجتمع الذي يستمر في فرض سلطته طوال الوقت، وهو ما يدفع الإنسان دفعًا للتخلى عن ذاته، ومن ثم يقوم بتكريس قِيم الاغتراب والعُزلة في وجدانه، قد تكمن براعة الكتابة في بساطتها وفى لغتها السهلة، هذه هي المعادلة الصعبة التي لا يستطيع كل الكتاب تحقيقها، لكن في «حفلة في كازينو الشاطبى» يُمكن لمس هذه المُعادلة من خلال إيقاع هادئ بلغة تُشبه موسيقى جاز قديمة تزداد جمالًا بالاندماج أكثر في قراءة المجموعة. من النسخة الورقية