600 مواطن تحت رحمة "آكل لحوم البشر".. والرعاية الصحية «منعدمة» الأهالي يشكون الإهمال.. وزيارة وحيدة لمسئول حكومى خلال 100 عام ولا مياه أو كهرباء أو منازل عزبة مرسال أو كما يطلق عليها الأهالي «عزبة الموت»، لم توصف بهذا اللقب لمجرد التعبير عن معاناة متشابهة في مناطق أخرى، بل لكونها حالة خاصة لا تحفظ ولا يقاس عليها، فيها المرض ليس هو المرض وفقط، بل إن الإهمال مع سبق الإصرار من المسئولين زادا الأمر سوءا، وحولا المرض إلى وباء، فيما حوله الفقر إلى داء ينهى حياة الأهالي برمتها قهرا، بينما رفع المسئولون شعار لن نرى ولن نسمع لمن يتكلم عن حصار الأهالي في مستعمرة مرض «الجذام». العزبة التي تقع على بعد 20 كيلو مترا من مدينة الأقصر السياحية، أشبه بمستعمرة خارج إطار الحياة والمجتمع، حيث الإهمال وانعدام الخدمات، وعدم توافر شروط الحياة الآدمية، هي البيئة التي يعيش فيها أهالي تلك القرية الذين لم يعانوا فقط من الحياة القاسية التي فرضها «الجذام» على معظم سكانها، الذين يبلغ تعدادهم نحو 600 مواطن، هؤلاء ليسوا باستطاعتهم التمتع بالعلاج على نفقة الدولة، هم فقط يسمعون فقط عن هذا النوع من الخدمة التي تقدمها الدولة «العلاج»، لكن لا يستطيعون الوصول إليه. أهالي العزبة الموبوءة ينتمون إلى عائلة واحدة، وربما يكون ذلك سببا مباشرا وراء إصابة غالبية الأسر فيها بمرض «الجذام».. جميعهم من أصول سودانية، ينتسبون حسبما يتم تداوله في أوساط العزبة والقرى المجاورة إلى شخص يدعى «عبدالله مرسال»، وهو سودانى الأصل، جاء منذ سنوات بعيدة ليستقر في هذا المكان، والموجودون الآن هم نسله الذين تشابكت علاقاتهم الأسرية، فضلا عن أن العزبة تحمل اسم جد كل سكان العزبة التي تتجاهلها الحكومات المتعاقبة، منذ أن كان مركز إسنا تابعا لمحافظة قنا، قبل أن ينتقل إلى محافظة الأقصر. للوصول إلى عزبة الموت، عليك أن تستقل سيارة مبتعدا بها عن المأهول والمعلوم هناك، حيث الجبال والزراعات والطرق الموحشة الوعرة، بشر خارج العالم، تأويهم أشباه بيوتات، لا وجود لمعانى الحياة في تلك القرية، اللهم إلا أرواح بشرية في أجساد متهالكة تجيء وتذهب بين حين وآخر. 6 كيلو مترات فقط تفصل تلك العزبة عن قريتى «أصفون» و«الكيمان» التابعتين لقرية المطاعنة، القرية الأم التابعة إداريا لمركز إسنا بمحافظة الأقصر، لكن شتان بين الحياة في عزبة مرسال والقرى المجاورة لها، حيث لا توجد أي مقارنات بين الحياة -وإن كانت قاسية- واللا حياة بالمرة، تلك القرية ظلت بعيدة عن اهتمامات المسئولين على مختلف مواقعهم، فقط يعرف الطريق إليها المرشحون في الانتخابات البرلمانية للحصول على الأصوات، ثم بعدها تسقط العزبة ومشكلاتها المزمنة من الحسابات. ورغم أن المحافظة سياحية، إلا أن أي نوع من الاهتمام لم يصلها، سواء الاهتمام بالبشر ورعايتهم الصحية أو الخدمات الاجتماعية الأولىة، من بنية أساسية ممثلة في المياه النقية أو الإنارة وبقية الخدمات الأخرى.. الحياة هنا بدائية، والدولة تعاملت مع سكانها على أنهم في مستعمرة معزولة عن المجتمع المحيط بها، ظلام دامس يخيم على العزبة ليلًا، وبيوت أشبه بالقبور، لا تصلح للعيش الآدمى، فقر مدقع وحال أهلها يرثى له. في زيارتنا إلى عزبة «مرسال» لرصد أجواء وتفاصيل معاناة الأهالي، كان مفاجئا أن أكثر من 600 شخص يعيشون فريسة للجهل والفقر والمرض، وسط تجاهل تام من المسئولين في المحافظة، حيث أكد الأهالي تعرضهم للإهمال والتهميش من جانب الدولة. في القرية الصغيرة، استوقفتنا «أم شعبان»، وهى سيدة عجوز، بالشكوى من إهمال المسئولين، والتأكيد على أنهم ينفرون من دخول العزبة، حيث كانت أول وآخر زيارة من محافظ الأقصر قبل الحالى في عام 2013، عندما تعرضت العزبة للغرق والأمطار الغزيرة التي تسببت في هدم البيوت المبنية من الطوب «الأخضر»، وأضافت: «المحافظ جاء عندنا، ووعدنا كثيرا جدا، واتصور معانا صور نزلت في الجرايد، وبعدها وادى وش الضيف». أهالي عزبة مرسال يقطنون بها منذ 100 عام، ويعيشون بجوار بعضهم البعض في منطقة نائية، تغيب عنها الخدمات بكافة أشكالها، سواء رعاية طبية، فأقرب وحدة صحية لهم في «الزنيقة»، وهى تبعد أكثر من خمسة كيلو مترات عنهم، يعيشون بدون صرف صحى أو مواصلات، كما يغيب الأمان عن هذه المنطقة، حيث يعيش أهلها في أماكن حدودها الزراعات والجبال، وتتكون الأسرة الواحدة من 10 أفراد، تأويهم غرفة من الطوب اللبن، يتكدسون داخلها، وسقف من البوص يعجز عن حمايتهم من الشمس المحرقة صيفا أو البرد القارص والأمطار العاصفة شتاءً، كما تنعدم فرص العمل هناك، فلا يوجد مصدر رزق لأهلها سوى دخل شهرى يقدر ب 200 جنيه من الشئون الاجتماعية. تقول «أم محمد»: «نحن نعيش في العزبة نصف حياة، نشبه الأموات، والفقر اللى عايشين فيه بيخلينا نتخانق كل أول شهر على فلوس الشئون الاجتماعية، يمكن أن يكون الفقر وراء هدم البيوت وتشريد الأسر، فرجل من أهل العزبة يطلق زوجته ويضربها ضربا مبرحا يحيلها إلى المستشفى لطلبها مبلغ 40 جنيها مصاريف لابنها». لا يتوقف الأمر إلى حد الفقر الشديد والغياب الكامل للخدمات، بل تفشى مرض الجذام. فعائلة «عم طاهر» هذا الشخص الذي يعانى من المرض منذ سنوات، أصابها مرض الجذام ربما انتقل لهم من والدهم أو بسبب تفشى المرض في العزبة. يقول «عم طاهر»: «أعانى من مرض الجذام منذ 8 سنوات، لا أشعر بأطراف يدى أو قدمى، وبسبب تآكل في بعض أجزاء جسمى، أتعالج على نفقتى الخاصة، رغم فقرى الشديد، لكن لعدم وجود رعاية من الدولة، كل ما أتمناه أن أشفى من أجل أن أربى أولادي». وسيدة عجوز يتجاوز عمرها ال60 عاما، أصابها المرض فأقعدها تزحف على الأرض غير قادرة على المشى، ترفع يديها إلى السماء والدموع تذرف من عنيها، وبصوت عالٍ حاملة الشجن والحزن بين أضلعها، تقول: «يا رب ملناش غيرك ساعدنا». «ندى ونجوى» طفلتان بريئتان أصابهما مرض من نوع خاص، عجز الأطباء عن وصف حالتيهما، فطفلتان من أهالي العزبة حُرما من طفولتيهما، فالمرض شوه وجهيهما وجسديهما، وبغياب الاهتمام يزيد هذا الوباء. تقول والدة الطفلتين: «بناتى مصابتان بمرض غريب شوه وجهيهما، لأنى أهملت العلاج فيهما فولدتهما بهذا الشكل، وملقيتش مستشفى ترعاهما وتصرف لهما علاجا على نفقة الدولة، فكنت استدين فلوس وأعالجهما بنفسى وأنا مش لاقية آكل وجوزى عاطل». المرض المتفشى في العزبة والفقر والحرمان يزيد من معاناة أهلها، وبغياب الرعاية والاهتمام من جانب الحكومة يتحول إلى كارثة تهدد الأمن العام. المرض الجذام مرض يصيب الجلد والأعصاب الطرفية في الإنسان، ويسببه ميكروب «باسيل الجذام»، وطرق العدوى قد تكون عن طريق الأنف، وتعقبه فترة حضانة تتراوح بين 3 و5 سنوات. الأعراض بقع أو ارتشاحات جلدية فاقدة الإحساس، أو تأثر الأعصاب الطرفية باليدين والقدمين والوجه، مسببًا فقد الوظيفة الحسية أو الحركية أو هما معًا، وإذا تم التشخيص المبكر نجنب المريض كثيرا من الإعاقات والمضاعفات. المضاعفات تشوهات بالوجه ومشكلات متعددة بالعينين قد تصل إلى فقد كلى في الإبصار، وفقد الإحساس باليدين أو القدمين، والتواء بالأصابع، وقرح مزمنة ومتكررة قد تصل لبتر أجزاء من اليدين أو القدمين، وذلك بسبب غزو الميكروبات الأخرى للقرح. 182 ألف شخص تقريبًا نُكِبوا بالمرض في مطلع عام 2012 وخصوصا في آسيا وأفريقيا علما بأن عدد الحالات المرضية التي أُبلِغ عنها خلال عام 2011 وصل إلى نحو 219 ألف حالة العلاج يتم علاج «الجذام» حسب توصيات منظمة الصحة العالمية بالعلاج متعدد العقاقير «ريفامبسين + دابسون + كلوفازمين»، وبنسبة شفاء كاملة 100٪ إذا أكمل المريض العلاج في المدة المحددة للعلاج «6 أو 12 شهرا» بطريقة منتظمة حسب نوع الجذام. من النسخة الورقية