لعل الكاتبة والروائية نور عبد المجيد تشكل نموذجا لمدى وعمق وقوة الوشائج السعودية - المصرية حيث يصعب القول بأنها سعودية أو مصرية وهي السعودية الأصل والمصرية المولد والتكوين والإقامة بقدر ما تشكل نموذجا "للرومانسية العربية الجديدة" والكتابة "بماء الورد ومداد القلب". ويمكن القول إنها من هذا الفريق الابداعي العربي الذي يؤسس بقوة وثقة "شعرية الرواية" بلغة تشع جمالا وتتماوج وتتصاعد بإيقاعات أقرب للموسيقى الظاهرة والباطنة مع تأسيس لجماليات الحداثة العربية الشابة داخل البنية الأدبية ذات النهايات المفتوحة في زمن "المدينة المعولمة". وهي رغم رومانسيتها التي تفوح بعبق نفاذ في سطور رواياتها التي تمرق عبر أبواب الحداثة السردية ربما بحكم دراستها للأدب الإنجليزي وإطلاعها على جديد التطورات في عالم الرواية ومدارسها ومذاهبها. ويصف المفكر والكاتب وعالم الاقتصاد المصري الدكتور جلال أمين رواية نور عبد المجيد "أحلام ممنوعة" بالرواية الجميلة مضيفا:"ثم قرأت لها بعد ذلك رواية جديدة هي رواية "صولو وكان فرحي بها أكبر من فرحي بأحلام ممنوعة". ويوضح جلال أمين أنه وجد في رواية "صولو" ثلاث صفات يندر أن تجتمع وهي "الموهبة والشجاعة والحكمة" فيما يضع هذه الكاتبة الروائية التي جمعت ما بين الثقافتين السعودية والمصرية في بوتقتها الابداعية ضمن سياق أو ظاهرة "الربيع العربي في الأدب". وأكد أنها "ظاهرة لم يعد شك فيها" وقد لمسها وعاينها بنفسه منذ أن اختير في عام 2012 كرئيس للجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية والشهيرة "بجائزة بوكر العربية" الأمر الذي أتاح له فرصة الاقتراب الحميم من الأدباء العرب. ورغم أنه اقتصادي بحكم التخصص والمهنة فالدكتور جلال أمين كما يقول عن نفسه يحب الأدب أكثر مما يحب علم الاقتصاد لذلك فقد قبل على الفور تكليفه برئاسة لجنة التحكيم في جائزة البوكر العربية واعتبرها "مهمة واعدة بقدر كبير من المتعة والفائدة" فيما كشفت هذه التجربة أن لدينا حصيلة كبيرة من الأعمال الأدبية الرائعة الآتية من مختلف البلاد العربية والتي يحار المرء في أيها افضل من الأخرى. وقد توهجت الثقافة السعودية في أهم حدث ثقافي مصري على مدى العام آلا وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي يدخل يومه الأخير غدا "الخميس" فيما حظى باقبال جماهيري فاق كل التوقعات مما حدا بالبعض للمطالبة بتمديده لمدة يومين غير أنه لم يصدر بعد قرار رسمي بالتمديد. ووسط هذا الحراك الثقافي المبهج في مصر تطل نور عبد المجيد بروايات لا تنفصل "برومانسيتها الجديدة وحداثتها اللافتة" عن حركة المجتمع بوصفها "تفكيرا بالتخييل" ومقاربات ابداعية للواقع تثير بالفعل نقاشات ثرية وهادفة بين قرائها. وصاحبة "ذكريات محرمة" "رغم الفراق" و"أريد رجلا" و"الحرمان الكبير" و"نساء ولكن" و"أنا شهيرة" و"أنا الخائن" فضلا عن ديوان "وعادت سيندريلا حافية القدمين" تتناول بمنظورها الابداعي التباسات وتعقيدات العلاقات الاجتماعية عبر شخصيات تتشابك مصائرها في قالب درامي مشوق كما تجلى في روايتها "صولو" مع شجاعة الاقتحام والتناول للقضايا المسكوت عنها. ونور عبد المجيد التي تكتب العمود الصحفي وتعرف فنون الصحافة إنما استفادت من عالم الصحافة دون الوقوع روائيا في فخ اللغة الصحفية السريعة فهي ترصد ببراعة وبجماليات تعبيرية لافتة في رواياتها "حركة القلب العربي في القرن الحادي والعشرين وتقلبات الهوى واضطرام الوجدان في زمن العالم الافتراضي والعصر الرقمي حتى يمكن اعتبار هذه الروايات بمثابة وثيقة ابداعية لأحوال الحب والمحبين العرب في سياقات تجمع ما بين الخيال والواقع". وإذا كان كل إبداع أدبي "يكون في اللغة ومن خلالها وبلغة ذات مفردات إيمائية وإيحائية وتعويل على المجاز والخيال المتجاوز للواقع ونأي عن المباشرة بفجاجتها" فإن نور عبد المجيد حققت هذا الشرط الجوهري في رواياتها. وجاءت استضافة المملكة العربية السعودية كضيف شرف في معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام والذي بدأ يوم الثامن والعشرين من شهر يناير الماضي لتعبر عن واقع مفعم بمشاعر المتبادلة بين دولتين عربيتين وشعبين ارتبطا بأقوى الوشائج ورغبة حقيقية في مزيد من التفاعل الثقافي والتواصل الابداعي بين البلدين الشقيقين. والرواية السعودية تعبر عن عمق التحولات الثقافية في المملكة بقدر ما مرت هي ذاتها بتحولات كبيرة سواء على مستوى البنية الفنية أو الموضوعات فيما يرى بعض النقاد انها تشهد حاليا "طفرة نوعية" أسست لها كتابات أسماء هامة مثل الدكتور غازي القصيبي وتركي الحمد وأحمد الدويحي وأمل شطا ورجاء عالم وعلي الدميني وليلى الجهني وهدى الرشيد وعبد العزيز الصقعبي. وتقول الناقدة والباحثة الدكتورة كوثر القاضي أن تاريخ الرواية السعودية الحديثة يرجع إلى عام 1930 وكان أول عمل بقلم عبد القدوس الأنصاري وهي رواية "التوأمان" فيما يقول الباحث محمد بن عبد الرزاق القشعمي أن مرحلة التجديد في الرواية السعودية بدأت عام 1959 برواية "ثمن الضحية" لحامد دمنهوري اما المرحلة الثالثة فبدأت عام 1980 وهي توصف "بمرحلة التحولات الكبرى في مسيرة الرواية السعودية" على حد قول الباحث الدكتور حسن النعمي صاحب دراسة "مراحل تطور الرواية". وفي عام 1981 أصدر الدكتور منصور الحازمي أول دراسة معنية بالسرد السعودي فيما أصدر الدكتور السيد ديب عام 1989 كتاب "فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور" كما أصدر الدكتور محمد الشنطي كتاب "فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر" وكذلك أصدر الدكتور سلطان القحطاني كتاب "الرواية في المملكة العربية السعودية..نشأتها وتطورها 1930-1989". ولعل روايات نور عبد المجيد بحاجة لدراسات نقدية سعودية ومصرية تتسق مع تقاليد وواقع التفاعل الثقافي العميق بين مصر والمملكة والروابط والعلاقات الوثيقة بين مثقفين مصريين وسعوديين مثلما كان الحال بين الناقد المصري الدكتور عبد القادر القط والمفكر والكاتب السعودي الدكتور غازي القصيبي. ولاريب أن الرواية السعودية تتقدم بثقة لتتبوأ مكانتها المستحقة في عالم الرواية العربية فيما تلعب الأندية الأدبية في ربوع المملكة الشقيقة دورا ملحوظا في اكتشاف ودعم المواهب الأدبية والقدرات التكوينية الثقافية. ولاريب أيضا أن معرض القاهرة الدولي للكتاب بات بالفعل وعلى مدى عدة دورات وصولا لدورته الحالية السادسة والأربعين يشكل فرصة لمزيد من الانفتاح الثقافى المصرى على الابداع العربى وبوتقة للتفاعل الإيجابي بين المثقفين العرب. فقد أمسى هذا المعرض الذي يستضيف في السنوات الأخيرة دولا عربية شقيقة كضيوف شرف مثل تونس وليبيا والمملكة العربية السعودية جسرا للتواصل الثقافي والابداعي من المحيط إلى الخليج بقدر مايتسعيد جوهر الوظيفة الثقافية الحضارية المصرية في سياق جديد. وحول الدور التاريخي للثقافة المصرية وإشعاعها الحضاري في المحيط العربي يستعيد المفكر والمثقف المصري الكبير الدكتور جلال أمين زيارته الأولى لليمن وهو في الخمسين من عمره ويقول:"كم سرني ما سمعته من اديب يمني يكبرني في السن إذ قال لي إنه في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي كانت تصل إلى صنعاء نسختان من مجلة الثقافة الأسبوعية وكانت مع مجلة الرسالة أرفع المجلات المصرية الأدبية شأنا فيتبادلها المثقفون اليمنيون بين صنعاء وتعز وتعودان في النهاية إلى صنعاء مهلهلة من كثرة الأيدي التي تعاقبت عليهما". ولعل الشاعر الكبير محمد الفيتورى الذي يحمل دماء مصرية-ليبية-سودانية يعبر أفضل تعبير في تكوينه ومسيرته في الحياة والإبداع عن مدى التداخل والتفاعل الثقافى بين دول "المثلث الذهبى العربى" وهو الذي عاش سنوات التكوين والدراسة في مصر وانطلقت شهرته منها. فقصة الفيتورى في الحياة والإبداع دالة لفهم أهمية الدور الثقافى المصرى الذي تجلى على لسان الشاعر الراحل كامل الشناوى وهو يقدم ويزكى الشاب محمد الفيتورى للعمل في مجلة آخر ساعة المصرية في بدايات خمسينيات القرن العشرين ويقول لرئيس تحريرها حينئذ محمد حسنين هيكل:"إن مصر تاريخيا هي صانعة النجوم في الثقافة العربية" متنبئا لهذا الشاب بأنه سيكون نجما جديدا من نجوم الإبداع الشعرى تقدمه مصر للعرب. ويقول الدكتور جلال أمين:"كلنا يعرف كيف تربع الكتاب المصريون على عرش الثقافة العربية طيلة القرن العشرين ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم ما ذا كان هذا الوضع مازال مستمرا أم انتهى" مضيفا أن عدد المتعلمين في كل البلاد العربية تضاعف، كما تضاعف عدد القراء والكتاب والناشرين والمبدعين من كل صنف حتى جلس إلى جانب المصريين على عرش الثقافة العربية ممثلون لكل البلاد العربية "وهو تطور لابد وأن يفرح به المصريون كما تفرح الشقيقة الكبرى برؤية أشقائها وقد أصبحوا منافسين لها في الجمال والإبداع. ومن هنا يفرح المصريون مثلا لظاهرة أدبية عربية مثل نور عبد المجيد التي تؤسس بكتاباتها السردية "للرومانسية الجديدة" مستفيدة من الرومانسية المصرية التي تجلت تاريخيا في أوجه عديدة على مستوى الأدب والفن وطرحت العديد من الأفكار وعلى سبيل المثال فإن "مدرسة الديوان" في الشعر التي كان من إعلامها العقاد والمازني وشكري أكدت ضرورة أن تعبر القصيدة عن ذات صاحبها بعد أن كانت القصيدة القديمة تبتعد كثيرا عن ذات قائلها. وحتى على مستوى الفن السابع أو السينما مازالت "افلام الأبيض والأسود" لفاتن حمامة تشكل واحة رومانسية لكل من يشده الحنين لعصر الرومانسية ويذوب شوقا لمرحلة ذهبية في الفن المصري امتزجت فيها ملامح الجمال الهاديء لفاتن حمامة بألحان وأوتار وأنغام وأغاني عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي..هل كان ذلك كله ما وصفته فاتن حمامة "بزمن الروقان"؟!!. وهذا الزمن مازال يشد بالحنين أكثر من جيل من المصريين الآن حتى أن بعضهم يبحث فيه عن أشياء شخصية تخصه في مرحلة من عمره و"يختلي بالذاكرة وقد يحاورها بحميمية" فيما يتوزع ما بين المسرات والأسى وهو يستعيد مشاهد من حياته ويستبطن لحظات كثيفة مترعة بالأفراح والأحزان معا !. إنه "زمن فاتن حمامة" الذي ينساب على الشاشة كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة أقوى من الزمن والنسيان.. وهذه هي "شرعية فاتن حمامة وقوتها في الوجدان المصري والعربي وهكذا يمكن وصفها بلا مبالغة بأنها "من المقومات الوجدانية لأجيال من المصريين والعرب ككل من المحيط إلى الخليج". في سديم الصخب والعنف في الظاهر ربما لمدىاة الصمت الموحش في الأعماق في الباطن هناك من يكون بحاجة للرومانسية كما ينبض بها قلم مبدعة سعودية-مصرية مثل نور عبد المجيد ولا جدال إن الحرية كالجمال تنقذ الإنسانية من كثير من الآفات وألوان القبح والأذى والكراهية بقدر ماهي زاد وعتاد في رحلة الباحثين عن الحق والخير والجمال. نور عبد المجيد: إبداعك يوضح لقارئه ماذا تعني الحياة" ويدخل السكينة والعزاء لقلوب متعبة وكأن صاحبته تواسي قارئها بقدر ما تدعوه لمقاومة القبح.. كلمتها نسمة من حنان وحنين..عذبة المناهل وصاحبة الافتتان بكل ماهو جميل وباق..شكرا لمن تسهم بإبداعها في صنع زمن جميل لا يبارح القلب !..شكرا لمن تكتب "بماء الورد ومداد القلب" !!.