التقى جمهور المقهى الثقافى مع الكاتب السوداني الحاصل على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة "حمور زيادة"، مشيرا إلى أنه من الصعب جدا أن يطلب من الكاتب أن يتحدث عن عمله، فهناك مقولة أن الأعمال الجيدة يصعب تلخيصها. بدأ زيادة شرح بعض تفاصيل روايته "شوق الدراويش" فقال، أن أحداثها تدور في السودان بالقرن ال19 في مرحلة شديدة الحرج وشديدة الحيوية، فهي مرحلة جاذبة لأي كاتب يستطيع أن يستخرج منها أشياء كثيرة جدا، وهي مرحلة نهاية الدولة المهدية في السودان وهي تعتبر أول دولة وطنية في حدود السودان السياسية الحديثة، وما قبلها كان حكم محمد على باشا الذي يضم هذه المناطق إلى مصر فكانت عبارة عن إقليم أو قطاع مثلما نسمي الآن بلاد الشام فهي ليست سوريا تحديدا وإنما هي سوريا ولبنان وفلسطين. وقال "بلاد السودان كانت تشمل عدة ممالك خاضعة لحكم محمد على باشا، وأول حكم سوداني يحكم هذه المنطقة كان حكم الإمام محمد أحمد المهدي الرجل الذي قال إنه المهدي المرسل من الله ليهدي الناس إلى الإسلام ويحكم الأرض باسم الإسلام ويقضي على مظالم الدولة العثمانية التركية والإنجليز والمصريين الموجودين في السودان". كانت هذه المرحلة مليئة بالطموحات واليقين والإيمان والهزائم، ومن اللحظات المؤثرة في السودان، اللحظة التي بدأت فيها الرواية وهي لحظة الهزيمة في معركة قندرمان أو معركة "كرري"، كما تسمى في السودان، حين خرج جيش سوداني مكونا من عشرة آلاف شخص بعضهم يؤمنون بالمهدية وبعضهم يقاتلون لحماية وطنهم لمواجهة جيش مصر، وكانت تحثهم نبوءة للإمام المهدي بأن جيشا سينزل مدينتهم ويهزم ثم يعودون ليصلوا الجمعة في المسجد الجامع، ولكنهم هزموا بعد ساعتين من المعركة واستشهدوا جميعهم وهدموا قبة الإمام المهدي الذي آمن به هؤلاء الناس وأخرجوا جثمانه وحرقوه وألقوا رماده في النيل، وكانت هذه لحظة محورية في تاريخ السودان ومهمة جدا روائيا فتستطيع أن تجد فيها كل ما تحب أن تحكي عنه. وأضاف «حمور» أنه اهتم في كتابته للرواية بجماليات وسحرية الحكايات والكتابة للخروج بنض جاذب للقاريء على خطي «ماركيز»، وعلي الرغم من جماليات تلك الكتابة، إلا أن المواد المتضمنة فيها لا تخلو من أعمال مخالفة لقيمة الجمال يمكن إسقاطها على أي وقت. وضرب مثالًا بأنه عندما كتب الراوية لم يكن تنظيم داعش قد ظهر على الساحة بعد ولم يكن متواجدا في الأخبار، ولكن الرواية بها الكثير من الأفعال التي يمكن استدعاؤها من إطارها الزمني وإسقاطها على الحاضر. فنحن نعيش في تاريخ متكرر، التطرف لا يزال يحدث، واضطهاد النساء والعنف لا يزال يحدث. وقال حمور: إننى اهتم أولا بالنص الجمالي، وفي الرواية إسقاط على الأوضاع التي تمر بها الدول العربية من تفشى للجماعات الإرهابية والتكفيرية حيث تناقش الرواية ثورة الجماعة المهدية في السودان وهناك ربط بين ما قامت به جيوش المهدى في السودان وما تقوم به داعش الآن. وحللت الناقدة والكاتبة الدكتورة منى طلبة الرواية قائلة: أنها رواية فارقة في السنوات القليلة الماضية، وهي رواية جديرة بالقراءة والمعرفة إن لم يكن لتغيير الكتابة الأدبية للتاريخ، وينبئ النص عن كاتب متمكن من أدواته الفنية وأكثر من ذلك هو ما نفتقده في بعض الروايات الحديثة وهو عمق الثقافة، فثقافة حمور عميقة وواعية بالتراث العربي، فهي ثقافة تنضح من النص بما لا يجعلها تنقص من الجماليات الفنية للكتابة الروائية، فحقق معادلتين وهما العمق الثقافي والكتابة الكمالية المثيرة والممتعة في ذات اللحظة. وأوضحت طلبة، أن الرواية تعتبر ملحمة تاريخية بمعنى الكلمة فهي تحكي قصة بطل يحكى عن وطن وهموم، حيث تناقش التاريخ الخاص للسودان وتناقش قضية التمييز العنصري، ورغم أن الرواية عدد أوراقها ضخم ولكنك لا تشعر بأى ملل أو ضجر أثناء قراءتك لها، وشبهتها برواية الجذور لأليكس هيل. وقالت الروائية أمينة زيدان، إن الرواية تقيم العالم لا تهدمه، لأنها تحارب الشر وتدافع عن قيم الخير والحرية، وبالرغم من الكم الهائل في عدد الشخصيات، حيث يصل أبطالها إلى أكثر من الخمسين شخصية، ولكن كلها محورية في الرواية وفعالة وممزوجة بالأحداث، وأضافت أن الراوى يملك هندسة خاصة في توزيع الوحدات والفصول واستباق الأحداث.