جاء رحيل الأديب الكبير عبد الرحمن منيف، الذي جمع بين الموهبة الروائية والكتابة النقدية، ليمثل خسارة كبيرة، خاصة بعد عمر حافل بالإبداع والمعاناة والقسوة والتحقق والمرارة. ورحل "منيف" في 24 يناير 2004، تاركا وراءه إرثا إبداعيا حافلا لامس أوتار حياتنا عبر فترة من الزمان بدأت منذ صدور أول رواية له عام 1967م، رواية كانت دوافعها النكسة والهزيمة التي مني بها العرب حينها، لتنطلق ابداعاته بعد ذلك متدفقة لتثير العديد من القضايا. ولد "منيف" عام 1933 في عمّان، لأبٍ من نجد وأم عراقية، أنهى دراسته الثانوية في العاصمة الأردنية، ثم التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952، وبعد عامين من انتقاله إلى العراق، طرد منيف منها في عام 1955 مع عدد كبير من الطلاب العرب بعد توقيع (حلف بغداد) فواصلَ دراسته في جامعة القاهرة. وتابع دراسته العليا منذ عام 1958 في جامعة بلجراد، وحصل منها في عام 1961 على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، اختصاص اقتصاديات النفط، وعمل بعدها في مجال النفط بسوريا، وفي عام 1973، انتقل منيف ليقيم في بيروت حيث عمل في الصحافة اللبنانية، وبدأ الكتابة الروائية بعمله الشهير "الأشجار واغتيال مرزوق". وفي عام 1975، أقام في العراق، وتولى تحرير مجلة (النفط والتنمية) حتى عام 1981، الذي غادر فيه العراق إلى فرنسا حيث تفرغ للكتابة الروائية، ثم عاد في عام 1986 إلى دمشق مرة أخرى. صدر ل"منيف" عدد من الروايات منها: "الأشجار واغتيال مرزوق، قصة حب مجوسية، شرق المتوسط، حين تركنا الجسر، النهايات، سباق المسافات الطويلة، عالم بلا خرائط، تقاسيم الليل والنهار، لوعة الغياب. كما حاز على جائزة سلطان بن على العويس الثقافية للرواية عام 1989، وجائزة القاهرة للإبداع الروائي التي منحت للمرّة الأولى عام 1998، وتناول أعماله الإبداعية العديد من النقاد والكتاب والدارسين، وألف العديد من الدراسات عن تجربته الروائية. ويعد رحيل الكاتب الكبير فقدًا كبيرًا للثقافة العربية ليس على مستوى فن الرواية الذي ظل يكتب فيه قرابة ثلاثين عاما فحسب؛ بل أيضا - على مستوى الفكر العربي عامة، وذلك طبقا لإصداراته التي ضمت إلى جانب الرواية مؤلفات أخرى في السياسة والاقتصاد، حيث وظّف منيف في هذا الكتاب قدرًا من الوقائع الحادثة في تاريخ العراق وجدها مهمة للنشر والتسجيل في ظروف التواجد الأميركي في العراق، وتوفي بسوريا في 24 يناير 2004 عن عمر ناهز 71 عاما إثر أزمة قلبية، بعد صراع مع المرض.