يمثل مشوار إلهام شاهين السينمائي ثم التليفزيوني حالة خاصة ومختلفة مع ما يحمله من قفزات كبيرة بين روافد الفن المصري لتترك علامات إيجابية كثيرة على المستوى الفني، لكن رحلتها التي بدأت في نهاية السبعينيات لا تخلو من سلبيات فرضتها الظروف التي رافقت بزوغ نجمها في سماء الفن المصري. فمع بدايات إلهام شاهين المبكرة التي رافقت دراستها في المعهد العالي للفنون المسرحية تقدمت على استحياء لتحصل على فرصتها للوقوف فوق خشبة المسرح الذي كان ما يزال ينبض بكثير من العروض التي تنتجها مسارح القطاع العام والخاص، بالإضافة لمسرح التليفزيون الذي حملها على خشبته في أول وقوف لها قبل أن تقدم العديد من العروض التي رشحتها للوقوف أمام كاميرات السينما والتليفزيون. والمتابع لمشوار إلهام شاهين سيجد كثيرا من التناقضات والاختلافات من المرحلة للمرحلة التي تليها، فقد تقدمت للحصول على لقب فنانة في وقت كان الفن المصري يستعيد عافيته، بعد سلسلة الحروب المتوالية التي دفعت كثيرا من منتجي السينما للعمل في لبنان ودول الخليج فيما يعرف برحلة الطيور المهاجرة. ومع عود ة هؤلاء لمصر لم يجدوا مكاناً لأقدامهم مع خوض الكثير من الدخلاء على الوسط لسباق الإنتاج المسرحي والسينمائي، وهذه الظاهرة التي كان أبطالها أثرياء الانفتاح، كما يصفهم منتقدو حكم السادات، وهي التي أفرزت ما تعارف عليه البعض بسينما المقاولات التي تفشت في نهاية السبعينيات، وحتى نهاية الثمانينيات، وكان الهدف منها البحث عن وسائل ربح مع انتشار أجهزة الفيديو، ونقل الأفلام إليها وتصديرها للخليج حتى إن بعض الأفلام لم تكن تعرض في السينمات أكثر من أسبوع، وكثير من نجوم هذه المرحلة قدموا العديد من الأفلام في العام الواحد. وجاءت إلهام لتبدأ مسيرتها السينمائية مع هذا الزخم ووسط منتجين يتعاملون مع السينما كسلعة يحتكرون تصديرها للدول العربية، حتى إن فكرة الذهاب للسينما أصبحت بعيدة عن أذهان المصريين، لأنهم إذا ما ذهبوا لن يجدوا الفيلم الذي يبحثون عنه، وكانت فرص ظهور نجمات جدد مثل إلهام شاهين وميرفت أمين وسهير رمزي وشمس البارودي، وغيرهن من نجمات هذا الجيل صعبة وكثير منهن كن يقدمن ما يزيد عن أربعة أفلام في العام الواحد، ولكن وسط هذا الزخم، وهذا العدد الهائل من الأفلام التي تضعف قيمتها الفنية كانت إلهام قادرة على اقتناص تجربة جيدة ذات أبعاد فنية عالية، وما ساعدها على هذا هو قدرتها على المنافسة وسط عدد كبير من النجمات. وما يؤكد ذلك أن بداياتها السينمائية كانت مع أعمال قوية، مثل فيلمها الثاني “,”أمهات في المنفى“,” والذي سبقه عدة أعمال تليفزيونية ومسرحية، بالإضافة لفيلم “,”رجل اسمه عباس“,” وإلى جانب تجاربها التليفزيونية التي يعتبر أبرزها “,”وقال البحر“,” في 1982 قدمت في نفس العام فيلم “,”العار“,” الذي يعتبر واحدا من أهم أفلام السينما المصرية. وبعد عامين قدمت تجربتي “,”الهلفوت“,” ولا تسألني من أنا“,” قبل أن تنخرط في عام 1985 في موجة أفلام المقاولات، وتقدم ستة أفلام إلى جانب مسلسل واحد، وفي العام الذي يليه قدمت عشرة أفلام ومسلسلا ولكن من بين هذه الأفلام شاركت إلهام في تجربة “,”البريء“,” التي جمعت بينها وبين أحمد زكي في عمل بتوقيع عاطف الطيب ووحيد حامد. وفي 1987 قدمت تسعة أفلام من نوعية “,”المشاغبات الثلاثة“,” و“,”بنات حارتنا“,” و“,”الهاربات“,” وفي العام التالي بدأت حدة موجة هذه النوعية من الأفلام تنحسر فلم تقدم إلهام سوى أربعة أفلام لا تختلف كثيراً عن سابقتها وفي 1989 قدمت فيلمين فقط هما “,”بستان الدم“,” و“,”أيام الغضب“,”. ولم تكن فترة التسعينيات التي دفعت بكثير من النجمات خارج المشهد السينمائي ذات تأثير على إلهام التي عملت بنفس المعدل، وقدمت عشرات الأفلام التي لم تضف لها الكثير باستثناء تجارب محدودة مثل “,”يا دنيا يا غرامي“,” و“,”دانتلا“,” “,”الهروب إلى القمة“,” و“,”هارمونيكا“,” و“,”الجنتل“,”، ولكن ما أضاف لإلهام في هذه الفترة هو قربها بالدراما التليفزيونية أكثر وتقديمها لتجارب أضافت لرصيدها عند جمهور المنازل مثل مشاركتها في مسلسلات “,”ليالي الحلمية“,” و“,”البراري والحامول“,” و“,”نصف ربيع الآخر“,” و“,”الحاوي“,”. وفي الألفية الجديدة تغيرت ملامح إلهام الفنية، واخترقت مناطق جديدة سواء في مسلسلاتها التي تنوعت كثيراً في موضوعاتها وتحملت مسئوليتها كاملة مع تصدرها لمشهد البطولة المطلقة واختياراتها وفي السينما أيضاً أصبحت اختياراتها أكثر جرأة وأصبحت أحرص على القيمة الفنية بعد أن حققت كماً هائلاً من الأعمال التي تأرجحت بين أعمال غاية في الجودة وأعمال أقل فنياً لتقدم تجارب مختلفة مثل “,”سوق المتعة“,” و“,”صيد الحيتان“,” و“,”الرغبة“,” و“,”خالي من الكوليسترول“,” و“,”خلطة فوزية“,” و“,”واحد صفر“,” وجميعها أعمال لا يمكن الاختلاف على قيمتها الفنية. ويمكن أن نستخلص من كل ما سبق أننا أمام شخصية هي الأكثر جرأة من بين ممثلات جيلها والأكثر عطاءً بما قدمته من عشرات الأعمال التليفزيونية والسينمائية، حتى إنها لجأت للإنتاج السينمائي في الوقت الذي انصرف فيه صناع السينما عن الإنتاج وهي الجريئة التي تقدم عملها الرمضاني الذي يعرض حالياً “,”نظرية الجوافة“,” نكاية في حكم الإخوان والوصاية على المجتمع باسم الدين، على الرغم من أن العمل أنتج تحت حكم الإخوان. وإلهام هي الوحيدة التي استطاعت أن تضع غريمها في السجن، بعد أن تمسكت بحقها في الدفاع عن ذاتها كفنانة وعن صورة الفن المصري كافة، في الوقت الذي يميل فيه الكثير من النجوم والنجمات للصمت اتقاء لشر المتاجرين باسم الدين وهواة التكفير، وهو ما يجعل من الواجب على زملائها ممن يمتهنون نفس المهنة أن يقدموا لها التحية لأنها كانت خط الدفاع الأول للفن المصري ضد الإخوان.